الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/05/09
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(21)
ومنها : رواية مسعدة بن صدقة (قال : سمعت جعفر بن محمَّد عليه السلام يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصّلاة والتشهّد ، وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم والمحرم ، ولا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح ... )[1] ، ولكنّها ضعيفة لعدم وثاقة مسعدة بن صدقة .
وعند بعض أهل اللغة أنَّ المحرم هو الأعرابي الجاف الذي لم يخالط الحضر .
وعليه ، فقد أطلق المحرم في الرّواية على مَنْ لا يمكنه الإتيان بالقراءة ونحوها على وجهها ، من إخراج الحروف من مخارجها ، أو لا يفصح به .
وحاصل معنى الرّواية : هو الفرق بين من يمكنه الإتيان بالقراءة والأذكار في صلاة أو غيرها على وجهها ، وبين من لا يمكنه ، وإن القادر على الإتيان بذلك على وجهه لا يجزئه غير ذلك بخلاف غير القادر ، فإنّه يجزئه ذلك ، ويظهر من إطلاق تلك الرّوايات الاجتزاء بها ، ولو مع إمكان الائتمام ، وكذلك الأخرس ؛ على أنَّ المسألة متسالم عليها .
ثمّ إنَّ الألثغ هو الذي يتحوّل لسانه من حرف إلى حرف ، كقلب السِّين ثاءً والراء غيناً ، والأليغ والذي يرجع كلامه ولسانه إلى الياء .
قوله : (ويُجزِئ في غير الأُوليين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ثلاثاً ، وقال الحسن : الأكمل سبع أو خمس ، والأَولى الثلاث ، والأقرب إجزاء باقي الأقوال من الأربع والتسع والعشر)[2]
يقع الكلام في أربعة أمور :
الأوَّل : أنَّ المكلّف مخيَّر في الركعة الثلاثة من المغرب والأخيرتين من الظّهرين والعشاء بين قراءة الحمد ، أو التسبيحات الأربع .
الثاني : هل يبقى التخيير حتَّى لو نسي القراءة في الرّكعتين الأولتين ، أو تجب القراءة تعييناً في الرّكعتين الأخيرتين عند نسيانها في الأولتين .
الثالث : هل التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين ، أم أنَّ القراءة أفضل ، أو أنَّهما متساويان ؟
الرابع : ما هو مقدار التسبيح الذي هو طرف التخيير ، وما هي صورته ؟
أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام هو ثبوت التخيير للمصلّي بين الحمد والتسبيح في كلّ ثالثة ورابعة ، وفي المدارك (هو قول علمائنا أجمع ... ) .
وفي الجواهر : (إجماعاً محصّلاً ، ومنقولاً صريحاً ، وظاهراً مستفيضاً ، بل متواتراً ، ونصوصاً كذلك صريحة وظاهرة ، ولو للجمع بين الأمر بكلّ منهما بالتخيير ... ) [3] .
ومقتضى إطلاق كلمات الأعلام في فتاواهم ومعاقد إجماعاتهم عدم الفرق في ذلك بين المنفرد ، والإمام والمأموم .
لكن صرَّح الشّيخ الأنصاري رحمه الله : بأنّ معقد هذه الإجماعات هو المنفرد ، وأمَّا غيره ففيه خلاف .
أقول : هناك تسالم بين الأعلام على التخيير في الجملة ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه .
ومع ذلك يدلّ عليه جملة من الأخبار مستفيضةً جدّاً ، كادت أن تكون متواترةً :
منها : موثَّقة عليّ بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألته عن الرّكعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما ؟ فقال : إنْ شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله ، فهو سواء ، قلت : فأيّ ذلك أفضل ؟ فقال : هما - والله - سواء ، إنْ شئت سبحت ، وإنْ شئت قرأت)[4] .
والرّواية موثّقة ، فإنّ عليّ بن حنظلة وإن كنَّا سابقاً نعتقد أنَّه غير ثقة إلَّا أنَّه وجدنا في كتاب بصائر الدرجات روايةً معتبرةً تدلّ على عدالته فضلاً عن وثاقته (قال : حدثنا أحمد بن محمَّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الأعلى بن أعين (قال : دخلتُ أنا وعليّ بن حنظلة على أبي عبد الله عليه السلام ، سأله عليّ بن حنظلة عن مسألة فأجاب فيها ، فقال رجل (علي) فإن كان كذا وكذا فأجابه فيها بوجه آخر ، وإن كان كذا وكذا فأجابه بوجه ، حّتى أجابه فيها بأربعة وجوه ، فالتفت إليَّ عليّ بن حنظلة قال : يا أبا محمَّد ! قد أحكمناه فسمعه أبو عبد الله ، فقال : لا تقل هكذا يا أبا الحسن ! فإنَّك رجل ورع ، إنَّ من الأشياء أشياء ضيقة ، وليس تجري إلَّا على وجه واحد ، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلَّا واحد حين نزول الشَّمس ، ومن الأشياء أشياء موسّعة تجري على وجوه كثيرة ، وهذا منها ، واللهِ إنَّ له عندي سبعين وجهاً) [5] [6] .
ومن المعلوم أنّ أبا الحسن كنية عليّ بن حنظلة ، وقد قال الإمام عليه السلام في حقِّه : (إنّك رجل وَرِع) ، وهذا يدلّ على عدالته فضلاً عن وثاقته .
والرّواية صحيحة ، فإنّ عبد الأعلى بن أعين عدَّه الشَّيخ المفيد رحمه الله بأنَّه (من فقهاء أصحاب الصَّادقَيْن عليهما السلام ، والأعلام الرؤساء ، المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يُطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم ، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة ... ) ، وكلامه رحمه الله يدل على وثاقته ، ولا أقلّ على حسنه .
واعلم أيضاً أنَّ كتاب بصائر الدرجات لمحمَّد بن الحسن بن فروخ الصفّار المتوفي سنة تسعين ومائتين للهجرة من الكتب المعتبرة ، والشيخ رحمه الله له طرق صحيحة إليه ، ونحن نعتمد على الكتاب الموجود والذي هو مشهور بين الأعلام .
نعم ، صاحب الوسائل رحمه الله لا يوجد له طريق صحيح إليه ، ولا نعلم أنَّ النسخة التي كانت عنده مطابقة للنسخة الموجودة والمطبوعة في هذه الأزمنة ، أم لا .
وعليه ، فما تفرَّد به صاحب الوسائل رحمه الله من روايات بصائر الدرجات إذا لم تكن موجودةً في الكتاب المطبوع في هذه الأزمنة لا يعتمد عليها .
وهناك روايات كثيرة دالَّة على التخيير كما عرفت ، يأتي التعرّض لبعضها إنَّ شاء الله تعالى .