< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(18)

 

فيرد عليه : أنَّ ذلك مجرد استبعاد ، وأيّ محذور في أنَّ يكون الشَّيء الواحد باعتبار وجوده الأوَّل أصلاً ، وبلحاظ وجوده الثاني بدلاً .

فالإنصاف : أنَّه بناءً على وجوب التعويض فهو مخيَّر بين الأمرين ، والله العالم .

ثمَّ إنَّ المعروف بين الإعلام أنَّه لو أحسن النصف الأوَّل من الفاتحة قرَأَه ، فإن أحسن غيره من سائر القرآن الكريم قرَأَ بقدر النصف الثاني.

ولو أحسن النصف الأخير من الفاتحة قرأ من غيرها أولاً ، ثمَّ أتى بالنصف الأخير ؛ وعلى القول بالتكرار يكرِّر .

ولو أحسن وسط الفاتحة قرَأ أوّلاً من سائر القرآن بقدر الفائت من الوسط إلى الأخير ، كلّ ذلك رعايةً للترتيب المطلوب في الأصل ، والله العالم.

قوله : (ولو لم يُحسِن منها ، وضاق الوقت قرأ ما يُحسِن من غيرها)[1]

المشهور بين الأعلام أنَّه إذا لم يُحسِن شيئاً من الفاتحة يقرأ بدلها من سائر القرآن .

ويظهر من المحقِّق رحمه الله في الشَّرائع والشَّيخ رحمه الله في المبسوط : أنَّه يتخيَّر بين القراءة من سائر القرآن ، والتسبيحات.

ولكنَّ هذا القول - مع شذوذه - لا دليل عليه .

. ويدلّ على ما ذهب إليه المشهور من تعيّن القراءة من سائر القرآن بعض الأدلّة :

منها : الإجماع.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد يصلح للتأييد فقط .

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنَّ الله فرض من الصَّلاة الرّكوع والسّجود ، أَلَا ترى لو أنَّ رجلاً دخل في الإسلام لا يُحسِن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبِّر ويسبح ويصلِّي)[2] .

وجه الاستدلال بها : أنَّ الانتقال إلى الذِّكر إنَّما هو بعد تعذُّر قراءة القرآن ، وحَمْل القرآن على خصوص الفاتحة خلاف الظَّاهر .

ومنها : رواية العِلل المتقدِّمة عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا عليه السلام (أنَّه قال : أُمِر النَّاس بالقراءة في الصَّلاة لئلَّا يكون القرآن مهجوراً مضيَّعاً ... ) [3] ، حيث يظهر منها أنَّ قراءة القرآن مطلوبة في نفسها ، لحكمة غير حكمة قراءة الفاتحة ، فلا موجب لسقوط قراءة القرآن ، بل يتعيَّن عليه القراءة من سائر القرآن الكريم ، وهذا هو المطلوب .

ولكنَّك عرفت أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة أكثر من شخص .

ومنها : النبويّ (إذا قمت إلى الصَّلاة فإنْ كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلَّا فاحمد الله ، وهلّله وكبّره) [4] [5] ، وهو ظاهر جدّاً في أنَّ الانتقال إلى الذِّكر إنَّما هو بعد تعذُّر القراءة .

ولكنَّها ضعيفة جدّاً ، إذ لم يرد من طرقنا ، وإنَّما هو مرويّ في كتب العامة .

وأمَّا القول : بأنَّه مجبور بعمل الأصحاب .

ففيه أوَّلاً : أنَّ الكبرى غير ثابتة .

وثانياً : أنَّه لم يحرز عمل الأصحاب به ، ومجرد ذكره في كتب الخاصَّة لا يدلّ على عملهم به ، وأنَّهم استندوا إليه في الفتوى .

ومنها : قوله تعالى : ﴿فاقرؤوا ما تيسَّر مِنْهُ[6] .

ولكن عرفت فيما تقدَّم أنَّ الآية الشَّريفة ليست ناظرةً إلى حال الصَّلاة ، بل هي مطلقة ، وإذا كانت مطلقة فالأمر حينئذٍ يكون للاستحباب بالاتِّفاق .

أضف إلى ذلك : أنَّه ليس المراد قراءة كلّ ما تيسّر ولو كان المتيسّر سورة البقرة .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الدَّليل القويّ على تعيّن قراءة القرآن - بعد تعذُّر الفاتحة - هو صحيحة عبد الله بن سنان .

 

قوله : (بقدرها فزائداً)

المعروف بين الأعلام وجوب مراعاة قدر الفاتحة ، بمعنى أنَّه لا يُجْتزأ بالأقلّ ، وعن بعض الأعلام يكفي قراءة شيء ممَّا معه من القرآن ممَّا يطلق عليه اسم قراءة القرآن وإن لم يكن بقدر الفاتحة ، وهذا هو الأقوى ، إذ الرِّوايات الدَّالة على وجوب القراءة - التي أقواها صحيحة عبد الله بن سنان - إنَّما دلَّت على وجوب ما يسمَّى قراءةً عرفاً .

وعليه ، فيرجع في وجوب مقدار بعينه ، كمقدار الفاتحة ، إلى أصل البراءة .

نعم ، الأحوط أن يكون بمقدار الفاتحة .

ثمَّ إنَّه على تقدير أنْ تكون القراءة بمقدار الفاتحة فهل المراد مقدارها من حيث الآيات ، أو الكلمات ، أو الحروف ؟

المشهور : على اعتبار التقدير بالحروف .

والإنصاف : أنَّه لا يوجد دليل يدلّ على الاعتبار بخصوص الآيات أو الكلمات أو الحروف ، بل يُجزِئ أيّ كان ، وإن كان الأحوط استحباب هو رعاية التقدير بالجميع إن أمكن .

وأمَّا رعاية سائر الخصوصيّات - مثل الحركة والسّكون ، والنسب التامّة والناقصة ، وعدد الفتحة والضمّة والكسرة - فهو غير واجب حتماً .

 

قوله (متتالياً ، وإن تعذَّر التتالي جاز متفرقاً)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ويجب التتالي فيها إن حفظ المتتالي ، وإلَّا أجزأ التفريق ... )[7] ، وفي الجواهر : (وأمَّا اعتبار التوالي في الآيات فلا خلاف أجده فيه ، بل عن إرشاد الجعفريَّة : الإجماع عليه ، لاعتباره في الأصل ، وما في التفريق من عدم الارتباط الذي قد يتخيَّل منافاته لوضع الصَّلاة أو كمالها ... )[8] .

أقول : إنَّ كان هناك تسالم بين جميع الأعلام في سائر الإعصار والأمصار على اعتبار التتالي مع الإمكان ، فيجب حينئذٍ ، وإلَّا فمجرد نقل الإجماع بخبر الواحد لا يكون حجَّةً .

نعم ، لا إشكال في حسن الاحتياط .

وعليه ، فلو لم يجب التتالي فهو أحوط وجوباً .

 

قوله : (وإن أحسن ما ينقص عن قدرها اجتزأ به إذا سمِّي قرآناً)

لا إشكال في الاجتزاء به ، بل يُجْتزأ بالأقل وإن أمكنه قراءة مقدار الفاتحة وأكثر ، كما عرفت.

قوله : (وفي وجوب تكرار ما يُحسِن منها ، أو من غيرها ، حتَّى يصير بقدرها نظر ، أقربه العدم)

ما ذكره الماتن رحمه الله من أقربيَّة العدم في غاية الصّحَّة والمتانة، لما ذكرناه سابقاً من عدم الدَّليل على وجوب التكرار ، والله العالم .


[4] سنن البيهقي ج2/ ص380.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo