< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(15)

 

قوله : (ومِنْ ثَمَّ لم تُجزِئ القراءة مقطَّعةً ، كأسماء العدد)[1]

بل لا يصدق القرآنية عليه ، كما عرفت .

قوله : (ويجب عن ظهر القلب على الأصحِّ ، ويجزِئ عن المصحف عند ضِيق الوقت)

لا إشكال عند الأعلام في جواز القراءة من المصحف عند الضَّرورة ، وعدم القدرة على الحفظ ، وفي المنتهى : (أنَّه قول أكثر أهل العلم ... ) ، وعن جماعة من الأعلام دعوى الإجماع على الجواز .

أقول : لا يخفى ما في هذا الدَّليل ، فإنَّ الإجماع المنقول غير حجَّة .

نعم ، إذا كان هناك تسالم ، فالمسألة حينئذٍ تكون قطعيَّةً .

والإنصاف : أنَّه يُستدلّ لذلك بإطلاقات أدلَّة القراءة ، وبمعتبرة الحسن بن زياد الصيقل الآتية .

ثمَّ إنَّه لو فرضنا عدم وجود الدَّليل فإنَّ مقتضى الأصل هو البراءة ، للشكِّ في اعتبار الخصوصيَّة .

وبالجملة ، لا إشكال في المسألة في حال الضَّرورة وعدم القدرة على الحفظ .

وإنَّما الكلام في حال الاختيار ، فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى جواز القراءة من المصحف حال الاختيار ، والتمكُّن من الحفظ ، منهم المحقِّق رحمه الله والعلَّامة رحمه الله في جملة من كتبه ، وغيرهما من متأخِّري المتأخرين .

خلافاً لصريح المحقِّق الثاني ، والعلَّامة الطباطبائي ، والمصنِّف هنا وفي الذِّكرى ، والشَّهيد الثاني ، وفخر المحقِّقين ، وظاهر الشَّيخ (رحمهم الله جميعاً) ، حيث ذهبوا إلى المنع ، إلَّا على تقدير عدم التمكُّن من الحفظ .

وَلْنبدأ بأدلَّة هؤلاء الجماعة القائلين بالمنع ، واستدلُّوا لذلك بعدَّة أدلَّة :

منها : الانصراف .

وفيه : أنَّه ممنوع في المقام ، خصوصاً في الأوامر المتعلّقة بقراءة بعض السُّور الطِّوَال التي لا يحفظها أكثر الناس ، أو لا يحصل لهم الوثوق غالباً بصحتها عند القراءة عن ظهر القلب .

ثمَّ لو سلّمنا وجود هذا الانصراف ، إلَّا أنَّه بدويّ ، يزول بالتأمُّل ، منشؤه غلبة الوجود .

ومنها : أنَّه المعهود من النَّبيّ والأئمة عليهم السلام ، حيث لم ينقل عنهم القراءة في الصَّلاة من المصحف .

وفيه : أنَّه ممنوع أيضاً ، إذ فعلهم عليهم السلام مجمل ، ولم يظهر أنَّ فعلهم كان على نحو الوجوب ، وغايته الرّجحان .

أضف إلى ذلك : أنَّ المعصومين عليهم السلام كانوا حافظين للقرآن الكريم ، فهم ليسوا بحاجة للقراءة من المصحف .

وعليه ، فقياس غيرهم عليهم في غير محلّه .

ومنها : أنَّ القراءة في المصحف الشَّريف مكروهة إجماعاً ، ولا شيءَ من المكروه بواجب .

وفيه أوَّلاً : أنَّ المراد بالكراهة في العبادات هو أقليَّة الثواب ، مثل الصَّلاة في الحمام ، فلا منافاة حينئذٍ بين الكراهة والواجب ، وليس المراد بالكراهة هو الحزازة والمبغوضيَّة حتَّى تكون منافيةً للعبادة .

وثانياً : أنَّ المكروه هو النَّظر في المصحف حال الصَّلاة ، باعتبار أنَّه يمنع عن حضور القلب ، وأمَّا نفس القراءة منه فليست بمكروهة ، وإن كان لازمها المنع عن حضور القلب .

ومنها : قاعدة الاشتغال للشكِّ في الامتثال لو قرأ من المصحف .

وفيه أوَّلاً : أنَّ إطلاقات الأدلَّة حاكمة على الأصول الشرعيَّة ، وواردة على الأصول العقليَّة .

وثانياً : لو سلَّمنا عدم وجود الإطلاقات ، أو أنَّها قاصرة الشَّمول لموردنا ، فالمرجع هو أصل البراءة ، لا الاشتغال .

ومنها : الخبر العامي ، وهو خبر عبد الله بن أوفى (أنَّ رجلاً سأل النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال : إنِّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن ، فماذا أصنع ؟ ، فقال (صلى الله عليه وآله) له : قل : سبحان والحمد لله)[2] .

وجه الاستدلال به : أنَّه لو جازت القراءة من المصحف لأمره بذلك .

وفيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف جدًّا ، حيث لم يرد من طرقنا .

وثانياً : أنَّه لا ظهور فيه في مورد بحثنا ، وهو الصَّلاة ، بل ظاهره قراءة مطلق القرآن .

وثالثاً : يظهر من الخبر أنَّ مورده العامي المحض الذي لا يستطيع القراءة من المصحف الشريف ، ولا يستطيع أن يحفظ شيئاً من القرآن الكريم ، وإلَّا لأمره النّبيّ (صلى الله عليه وآله) بالقراءة من المصحف ، لتقدّمها على التسبيح والتحميد لدى الضّرورة عند الأعلام .

ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن الرَّجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ، ويقرأ ويصلّي ، قال : لا يعتدّ بتلك الصّلاة) [3] .

وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .

وثانياً - مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند - : تحمل على الكراهة التي بمعنى أقليَّة الثواب ، أي لا يعتدّ بتلك الصَّلاة من حيث الأجر والثواب ، كالاعتداد بغيرها ممَّا كانت القراءة فيها عن ظهر القلب .

وذلك جمعاً بينها وبين معتبرة الحسن بن زياد الصيقل (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الرجل يصلّي وهو ينظر في المصحف يقرأ منه ، يضع السّراج قريباً منه ، فقال : لا بأس بذلك ) [4] ، والحسن بن زياد الصّيقل وإن لم يرد فيه توثيق خاصّ إلّا أنّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الأقوى جواز القراءة من المصحف الشَّريف في الصَّلاة اختياراً ، والله العالم بحقائق أحكامه .

قوله : (ويجب التعلم مع السِّعة)

كما هو المعروف بين الأعلام ، قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (يجب تعلم الفاتحة على مَنْ لم يحسنها إجماعاً مِنْ كلِّ مَنْ أوجب القراءة ، لتوقُّف الواجب عليه ... )[5] .

وفي الجواهر وظاهر المتن وغيره : (إيجابه عليه عيناً ، لا تخييراً بينه وبين الائتمام ، وبه صرَّح الأستاذ في كشفه ، فلو تركه في السِّعة وائتم أثم ، وصحَّت صلاته ، ولعلَّه لأنَّ الائتمام ليس من أفعاله كي يخيَّر بينه وبين التعلّم - إلى أن قال : - ولعلّه لذا أطلق الأصحاب هنا وجوب التعلّم إطلاقاً ظاهراً في التعيين ... )[6] .


[2] سنن البيهقي، ج2، ص381.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo