< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(10)

 

وفيه : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنّ التأسّي بالمعصومين عليهم السَّلام ، وإن كان حسناً مستحسناً ، إلّا أنّه لا يدلّ على الوجوب ، إذ هو فعل مجمل ، والقدر المتيقّن منه الاستحباب ، لا سيّما أنّ الموالاة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة عليهم السَّلام بعده قد تكون لأجل جريان العادة بالتسامح في القراءة .

وأمَّا الرواية المشار إليها فهي نبويَّة ضعيفة جدّاً ، لم ترد من طرقنا ، مضافاً للمناقشة في دلالتها على ما ذكرناه سابقا .

ومنها : توقيفيّة العبادة ، فيقتصر على المتيقَّن المستعمل بين المتشرّعة من الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين المتلقى يداً عن يدٍ ، وخلفاً عن سلفٍ .

وفيه : أنَّ كون العبادة متوقّفة على البيان من الشارع أمر مسلّم ، إلّا أنَّ الكلام في الصغرى ، وأنَّه هل اعتبر الشَّارع الموالاة في القراءة ، أم لا ؟

والأصل : العدم ، مع أنّه قد يتمسَّك لِعدم اعتبار الموالاة بإطلاق الكتاب العزيز ، والسنة النبويّة الشريفة .

ومن هنا لا معنى للاقتصار على القدر المتيقّن ، إذ مع وجود الإطلاقات يؤخذ بها .

ومنها : انصراف إطلاق القراءة إلى خصوص صورة الموالاة .

وفيه : أنَّ دعوى الانصراف عهدتها على مدّعيها ، وما أسهل الدعاوي .

نعم ، ينبغي جعل المدار على الماحي لصورة الصّلاة أو القراءة أو القرآن من فوات الموالاة ، من غير فرق بين القراءة غيرها من أفعال الصَّلاة ، فمثل الكلمة والكلمتين أو الثلاثة لا تخلّ بالموالاة ، ولا تكون ماحيةً لصورة الصَّلاة أو القراءة .

وبالجملة ، فالمهمّ أن لا يكون اللفظ الأجنبي أو السُّكوت الطويل مخلًّا بالهيئة الكلاميَّة المعتبرة في صحّة كونه كلاماً ، لأنَّ ظاهر الأدلّة وجوب قراءة القرآن على النهج الصّحيح العربي ، فالسّكوت الطويل مخلّ بالهيئة الكلاميّة المعتبرة في صحة كونه كلاماً .

وكذلك الفصل بالأجنبي بين المبتدأ والخبر ، والفعل ومتعلقاته ، والموصوف وصفته ، والشّرط وجزائه ، والمضاف والمضاف إليه ، ونحوها ، فإنّه يخرج الكلام عن كونه عربيّاً صحيحاً ؛ وأمَّا فيما عدى ذلك فلا دليل على اعتباره .

ومنه تعرف أنَّ سؤال الرّحمة والاستعاذة من النقمة ، وردّ السّلام ، والحمد عند العطسة ، وأشباهها ، لا يضرّ بالهيئة الكلاميّة المعتبرة في صحّة كونه كلاماً ، فإنّه كثيراً ما يوجد نظيرها في العرف عند اشتغالهم بالقراءة ، ولا يرونه مخلًّا بالهيئة الكلاميَّة ، فورود هذه الأمور في النصوص ليس من باب التعبّد ، بل لما عرفته .

وممَّا ذكرنا يتضح لك ما ذكره الأعلام من بطلان الصَّلاة ، أو خصوص القراءة ، فيما لو فاتت الموالاة بالسّكوت ، أو بالكلام الأجنبي .

فإنَّ الإنصاف : إنْ كان السّكوت الطويل ، أو الإتيان باللفظ الأجنبي ، موجباً لمحو صورة الصّلاة فلا بدّ من إعادته ، سواء أكان ذلك عمداً أو سهواً .

وأمَّا ما لم يكن كذلك فالإنصاف : بطلان الصّلاة في صورة العمد بالكلام المتخلّل بين القراءة إذا قصد به الجزئيّة ، فيشمله قوله عليه السَّلام في صحيحة أبي بصير من زاد في صلاته عليه الإعادة .

وأمَّا إذا كان ذلك سهواً فيستأنف القراءة فقط ، ولا موجب لإعادة الصّلاة ، ولا حاجة للتفريعات المذكورة في المقام ، فإنَّ نيَّة القطع بمجردها لا توجب بطلان الصَّلاة ، وكذلك نيّة فعل المنافي بمجرده ، فإنّه لا يوجب البطلان ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (وتجوز القراءة بالسّبع والعشر إلَّا الشواذّ ، ومنع بعض الأصحاب من العشر)[1]

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (تجوز القراءة بالمتواتر ، ولا تجوز بالشواذّ ، ومنع بعض الأصحاب من قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف ، وهي كمال العشر ، والأصحّ جوازها لثبوت تواترها ، كثبوت قراءة القراء السّبعة)[2] .

المعروف بين الأعلام وجوب القراءة بإحدى القراءات السّبع .

وعن جماعة الجواز بإحدى القراءات العشر ، منهم المصنّف رحمه الله في الذكرى ، كما عرفت ، وعن بعض متأخّري المتأخّرين الجواز بكلّ قراءة كانت معروفة في زمن الأئمة عليهم السَّلام .

أقول : يقع الكلام في ثلاثة أمور :

الأول : في معرفة القرّاء العشر ، ولو إجمالاً .

الثاني : في تواتر القراءات السّبع ، أو العشر ، وعدم تواترها .

الثالث : في تعيّن القراءة بإحدى القراءات السّبع ، أو العشر ، أو بكلّ قراءة كانت معروفةً في زمن الأئمة عليهم السَّلام ، أو مطلقاً إذا كانت على النهج العربي الصّحيح ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالقرّاء عشر :

الأوَّل : نافع بن عبد الرّحمان بن أبي نعيم ، مات في سنة تسع وستين ومائة ، ولقراءة نافع روايتان بلا واسطة ، وهما قالون ووَرْش .

وقالون[3] : هو عيسى بن ميناء بن وردان ، أبو موسى .

وأما وَرْش[4] : فهو عثمان بن سعيد ، قال ابن الجزري : (انتهت إليه رئاسة الأقراء في الدّيار المصريّة في زمانه) .

الثاني : عبد الله بن كثير المكيّ ، فارسيّ الأصل ، ولد سنة خمس وأربعين للهجرة ، ومات في عشرين ومائة ، ولعبد الله بن كثير راويان بوسائط ، هما البزِّي وقُنْبُل .

والبزِّي : هو أحمد بن محمّد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة .

وأمَّا قُنْبُل : فهو محمَّد بن عبد الرّحمان بن خالد بن محمّد ، أبو عَمْرو المخزوميّ .

الثالث : أبو عَمْرو بن العلاء البصريّ ، واسمه زمان ، قيل : إنَّه من فارس ، توجّه مع أبيه لمَّا هرب من الحَجَّاج ، فقرأ بمكّة والمدينة ، ولد سنة ثمانية وستين للهجرة ، ومات في سنة أربع وخمسين ومائة .

ولقراءة أبي عَمْرو راويان بواسطة يحيى بن المبارك اليزيدي ، وهما الدَّوُدِيّ والسُّوسي .

والدَّوُدِيّ : هو حفص بن عَمْرو بن عبد العزيز .

والسُّوسِيّ : هو أبو شعيب ، صالح بن زياد بن عبد الله .

الرابع : عبد الله بن عامر الدمشقيّ ، أبو عمران ، كان عبد الله بن عامر رئيس أهل المسجد زمان الوليد بن عبد الملك ، ولد سنة ثمان من الهجرة ، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائة .

ولعبد الله راويان رويا قراءته بوسائط ، وهما هشام ، وابن ذَكْوَان .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo