الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/04/17
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة (8)
والصحيح هو الثاني ، لأنَّ القراءة سنّة متبعة ، ولا يكفي أنْ تكون موافقةً للغة العربيّة ، لأنّنا مأمورون بقراءة القرآن كما أُنزِل ، وكما يقرؤه النّاس ، كما سيأتي الدَّليل عليه - إن شاء الله تعالى - عند الكلام عن تواتر القرآت السّبع .
قوله : (وترتيبها على الوجه المنقول)[1]
في المدارك : (لا ريب في وجوب الترتيب - فيما يجب قراءته - بين الكلمات والآيات ، لأنّ الأمر بالقراءة منصرف إلى المنزل على ترتيبه ، فلا يتحقّق الامتثال بدونه ... )[2] ، وفي الجواهر : (إجماعاً محكيّاً ، إن لم يكن محصّلاً ، لتوقّف صدق السّورة أو الآية عليه ، أو لأنَّه المنساق إلى الذّهن من إطلاق الأدلّة ... )[3] .
أقول : هناك تسالم بين الأعلام على وجوب الترتيب بين الكلمات والآيات ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه .
مضافاً لتوقّف صدق الحمد والسّورة عليه ، لِدخول الترتيب في مفهومهما .
نعم ، لا يتوقّف صدق القرآنيّة عليه ، فلو خالف الترتيب عمداً يصدق عليه أنَّه قرأ القرآن ، ولا يكون من كلام الآدميين .
نعم ، لا يصدق عليه أنّه قرأ الفاتحة والسّورة ؛ وأيضاً أنّ المتبادِر من إطلاق الأدلّة هو الترتيب .
ثمَّ إنّه لو خالف التريب عمداً بطلت الصَّلاة ، لا من باب خروجه بذلك عن القرآنيّة ودخوله في كلام الآدميين ، بل من باب الزيادة العمديّة ، فيشمله قوله عليه السَّلام في موثّقة أبي بصير (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) ، ضرورة أنَّ الزيادة تتحقّق بنفس القراءة الأولى ، على خلاف الترتيب ، لأنَّه أتى بها بقصد الجزئيّة حسب الفرض ، سواء تداركها بعد ذلك على حسب الترتيب ، أم لا .
وأمّا لو خالف نسياناً فيستأنف القراءة ما لم يركع ، إذا فرض فوات الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلام ، وإلّا أعاد على ما يحصل معه تدارك ما أخلّ به .
فلو قدَّم مثلاً {مالك يوم الدين} على {الرّحمان الرّحيم} فقد ذكر صاحب الجواهر رحمه الله (أنَّه يكفيه إعادة {مالك يوم الدين} دون {الرّحمان الرّحيم} .
ولكنّ الأحوط الأولى إعادة ما أخّره أيضاً ، وهو {الرّحمان الرحيم} ، ولا يكفي بإعادة {مالك يوم الدّين} .
وسيأتي الكلام مفصّلاً - إن شاء الله تعالى - عند تقديم السّورة على الفاتحة عمداً أو سهواً .
ثمَّ إنَّ ما ذكرناه إنّما هو إذا تذكّر قبل الرُّكوع ، وأمّا لو تذّكر بعد الرُّكوع فيمضي ولا شيء عليه ، لِصحيحة زرارة المتكرّرة منّا كثيراً عن أبي جعفر عليه السَّلام (لا تُعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة ... ) .
والترتيب ليس من الخمسة المستثناة .
مضافاً إلى فحوى ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بترك الفاتحة سهواً ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (وإخراج حروفها من مخارجها)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ويجب مراعاة مخارج الحروف حتى الضَّاد والظَّاء ، وإن عسر ، ما لم يتعذّر - وليس في الحمد ظاء - لأنّ إخراج الحرف من غير مخرجه إخلال بحقيقة ذلك الحرف الذي هو إخلال بماهية القراءة)[4] .
أقول : مخارج الحروف ستّة عشر تقريباً - على ما ذكره ابن الحاجب في الشّامية - فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق ، وللعين والحاء وسطه ، وللعين والخاء أدناه ، وللقاف أقصى اللسان ، وما فوقه من الحنك ، وللكاف منهما ما يليهما ، وللجيم والشّين والياء وسط اللسان ، وما فوقه من الحنك ، وللضّاد أوّل إحدى حافتيه وما يليها من الأضراس ، وللّام ما دون طرف اللسان إلى منتهاه ، وما فوق ذلك ، وللرّاء منهما ما يليها ، وللنون منهما ما يليهما ، وللطّاء والدّال والتّاء طرف اللسان وأصول الثنايا ، وللصّاد والزّاي والسّين طرف اللسان والثنايا ، وللظّاء والذّال والثّاء طرف اللسان وطرف الثنايا ، وللفاء باطن الشفة السفلى ، وطرف الثنايا العليا ، وللباء والميم والواو ما بين الشّفتين) .
هذا ، والمعروف من علماء التجويد أنَّه لا يمتنع خروج الحرف من غير المخرج الذي ذكر له .
ثمَّ إنَّه بناءً على عدم امتناع خروج الحرف من غير المخرج الذي ذكر له ، فإذا تمكّن المكلّف من أداء الحرف من غير مخرجه من دون أي تغيير فيه فيجزي حينئذٍ ، ولا يوجد دليل على لزوم رعاية تلك المخارج بخصوصها ، فالمدار على صدق التلفّظ بذلك الحرف ، سواء خرج عن المخرج الذي ذكر له ، أم لا .
ثمَّ اعلم أنَّ الأسنان - على ما ذكره الأعلام - اثنتان وثلاثون سنّاً ، وست عشرة في الفكّ الأعلى ، ومثلها في الفكّ الأسفل .
فمنها الثنايا ، وهي أربع ، ثنيتان من فوق ، وثنيتان من تحت من مقدّمها .
ثمَّ الرباعيات - وهي أربع أيضاً - رباعيتان من فوق ، يمنةً ويسرةً ، ومثلهما من أسفل ، وخلفهما الأنياب الأربع ، نابان من فوق يمنةً ويسرةً ومثلهما من أسفل ، وخلف الأنياب الضّواحك ، وهي أربع كذلك ، وخلف الضّواحك الأضراس ، وهي ستّ عشرة ، ثمانية من فوق ، وثمانية من أسفل .
ولا يخفى عليك أنَّه قد لا يوجد تمام العدد في بعض أفراد الإنسان .
وقال الخليل : (العين والحاء والهاء حلقيّة ، لأنَّ مبتدأها من الحلق والقاف والكاف لهويتان - أي من اللسان - ، والجيم والشّين والضّاد شمرية ، لأنَّ مبدأها من شمر الفم ، أي مفرجه .
والصّاد والزّاي والسّين أسلية ، وأسلة اللسان مستدق ظرفه - أي تخرج من طرف اللسان والثنايا - والطّاء والدّال والتّاء نطعية ، لأنَّ مبدأها من نطع الغار[5]