الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/04/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة (6)
وعليه ، فقوله : (يعيدها) يعني الصَّلاة .
وحمله على البسملة أو السّورة ، وإن كان ممكناً ، إلَّا أنَّه بعيد عن مساق الرِّواية وقوله : (مرتين) ، متعلّق بقوله (كتب) ، لا بقوله : (يعيدها) ، إذ لا معنى لإعادة الصَّلاة مرتين ، والعباسيّ هو هشام بن إبراهيم العباسيّ ، وكان يعارِض الرِّضا والجواد (عليهما السَّلام) .
وقيل : العياشي لا العباسيّ ، وأنّه صاحب التفسير المشهور ، أي محمَّد بن مسعود العياشي ، فإنَّه كان في أوّل أمره من فضلاء العامّة ، ثمَّ استبصر ، ورجع إلى مذهب الشّيعة ، ولكنّه بعيد ، لعدم إدراكه الإمام الجواد (عليه السَّلام) ، فلعلّ العياشي شخص آخر .
ومهما يكن ، فهذه الرِّواية لولا ضعفها سنداً لكانت تامَّةً الدَّلالة .
ومنها : مداومة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على فعلها ، بل عن العلّامة (رحمه الله) في المنتهى أنَّه (قد تواتر النقل عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه صلّى بالسورة بعد الحمد ، وداوم عليها ... ) ، مع تتميمه بقوله (صلى الله عليه وآله) : (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)[1] [2] .
أقول : التأسّي بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وإن كان حسناً وراجحاً إلَّا أنَّه أعمّ من الوجوب ، وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السَّلام) مجمل لا لسان له ، والقدر المتيقن منه أنَّه مستحبّ .
نعم ، هو مشعر بالوجوب ، وليس ظاهراً فيه ، فهو يصلح للتأييد .
وأمّا قوله (صلى الله عليه وآله) : (صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) .
فهو أوَّلاً : نبويّ ضعيف لم يرد من طرقنا .
وثانياً : أنَّه مجمل - كما أشرنا إليه سابقاً - لاشتمال صلاته (صلى الله عليه وآله) على خصوصيات كثيرة ، ولا يمكن إرادة جميعها ، وإرادة البعض دون البعض يحتاج إلى قرينة ، هي مفقودة .
ومنها : الأخبار الدَّالة على تحريم العدول من سورة التوحيد والجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة والمنافقين ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا افتتحت صلاتك بـ {قل هو الله أحد } وأنت تريد أنَّ تقرأ بغيرها فامضِ فيها ، ولا ترجع إلَّا أنْ تكون في يوم الجمعة ، فإنَّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها) [3] .
وجه الاستدلال بها : أنه لولا وجوب السورة هنا لَمَا حرم العدول عنها ، وليس وجوبها ناشئاً عن مجرد الشروع فيها ، إذ لا شيء من المستحبّ يجب بالشّروع فيه إلّا ما خرج بدليل خاصّ كالحج المستحبّ ، فإذا أحرم بعمرة التمتع وجب الإكمال ، وكذا لو أحرم لحجّ الإفراد .
وعليه ، فمتى حرم العدول عنها وجب إتمامها ، ومتى ثبت الوجوب في هاتين السّورتين ثبت في غيرهما ، إذ لا قائل بالفصل .
وفيه : أنَّ هذا الكلام إنّما يتمّ لو كان الإمام (عليه السَّلام) في مقام بيان وجوب السّورة ، والأمر ليس كذلك ، بل هو في مقام بيان عدم جواز العدول من التوحيد إلى سورة أخرى في غير يوم الجمعة .
وممَّا يؤيِّد القول بالوجوب ، بل يؤكّده : هو اشتهار القول به بين الخاصّة قديماً وحديثاً ، واستفاضة نقل إجماعهم عليه ، المعتضد بعدم معروفيّة خلاف يعتدّ به فيما بين القدماء ، بل معروفيّة وجوب السّورة في الصّلاة إجمالاً بين أصحاب الأئمة (عليهم السَّلام) .
وغير ذلك من الشّواهد والمؤيِّدات التي يستكشف منها معروفيَّة اعتبار السّورة في الصّلاة في الجملة لدى الخاصّة من الصدر الأوّل ، والله العالم .
وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم وجوب السّورة فقد يستدلّ له بما دلّ على جواز الاقتصار على الفاتحة ، مثل صحيحة عليّ بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سمعتُه يقول : إنَّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة) [4] .
وصحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إنَّ فاتحة الكتاب تُجْزِئ وحدها في الفريضة) [5] .
وقد حملها الشَّيخ الطوسي (رحمه الله) في التهذيب على الضّرورة ، وكذا جمع من العلماء ، منهم المحقّق الهمداني (رحمه الله) ، حيث ذكر (أنَّ مقتضى الجمع بينهما وبين صحيحة الحلبيّ المتقدّمة الدّالّة على اختصاص الجواز بما أعجلت به حاجّةً ، أو تخوَّف شيئاً ، إنَّما هو تقييد إطلاق الخبرين بحملهما على صورة الاستعجال والضّرورات العرفية ، كما ليس بالبعيد ، حيث إنّ الغالب أنَّ المصلّي لا يقتصر على الأقل عمّا تعود عليه بلا ضرورة مقتضيه له)[6] .
والإنصاف : أنَّ هذا الجمع وإن كان ممكناً إلَّا أنَّ الأقرب عند العرف هي حمل الرّوايات المتقدّمة التي ظاهرها الوجوب على الاستحباب ، إذ يرى العرف أنَّ هاتين الصّحيحتين قرينة صارفة عن ظهور الرّوايات المتقدّمة في الوجوب .
ومن هنا قال المحقّق (رحمه الله) في المعتبر : (واعلم أنَّ ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) تحكُّم في التأويل ، والظّاهر أنَّ فيه روايتين ، وحمل إحداهما على الجواز والأخرى على الفضيلة أقرب ... )[7] .
هذا ، وقد يحتمل فيهما الحمل على التقية لاتفاق العامّة على استحباب السّورة ، قال صاحب الحدائق (رحمه الله) : (فاحتمال التقية فيهما ممّا لا ريب فيه ، ولا مرية تعتريه ... )[8] .
وفيه : أنَّ الحمل على التقيّة إنّما يصحّ إذا لا يمكن الجمع العرفي ، وقد عرفت إمكانه .
وبعبارة أخرى الحمل على التقيّة إنّما يكون في حال استقرار التعارض بين الرّوايات - كما ذكرناه في علم الأصول - لا في مثل المقام الذي يمكن فيه الجمع العرفي .
وقدِ استُدل أيضاً بعدّة من الرّوايات بلغت حدّ الاستفاضة الدّالة على جواز التبعيض في السّورة ، بضميمة الإجماع المركّب المدّعى في كلام بعض على ما ذكره الشَّيخ مرتضى الأنصاري (رحمه الله) ، ببيان أنَّ مَنْ قال بالوجوب يرى عدم جواز التبعيض ، كما أنَّ القائل بجواز التبعيض يرى عدم الوجوب .
وعليه ، فالقول بوجوب السّورة وجواز التبعيض خرق للإجماع المركب .
ونتيجة ذلك : هو أنَّ جواز التبعيض يستلزم جواز ترك السورة رأساً .
ومن جملة الرّوايات الدّالة على جواز التبعيض صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرّضا (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة ، هل يجزيه في الثانية أنْ لا يقرأ الحمد ، ويقرأ ما بقي من السّورة ، فقال : يقرأ الحمد ، ثمَّ يقرأ ما بقي من السّورة) [9] .