< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة (5)

وأضاف النجاشيّ بعدها - بلا فصل - (له كتاب النوادر) ،

ومن المعلوم أنَّ الذي له كتاب النوادر هو محمَّد الإبن ، والمعهود من سيرة النجاشيّ أنَّه لا يعنون إلَّا مَنْ له كتاب أو أصل ، وحينئذٍ فمرجع ضمير (له) هو مرجع ضمير (كان) ، ولا معنى لرجوع الضمير الأوَّل إلى الأب ، والثاني إلى الإبن ، للزوم التفكيك في الضمائر ، وهو معيب في كلام الفصحاء .

وعليه ، فيكون قول النجاشي : (روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السَّلام)) جملة اعتراضيَّة .

وأما اعتراضه على الدَّلالة فغير صحيحة أيضاً ، لأنَّه وإن ذهبنا إلى كراهة جواز القران بين السُّورتين ، ولم نلتزم بالتحريم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - إلَّا أنَّه مع ذلك لا يتمّ ما ذكره من لزوم استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز ، أي استعماله في أكثر من معنًى ، وذلك لأنَّ النهي لم يستعمل - كما ذكرنا في علم الأصول- إلَّا في معنى واحد .

وأمَّا الكراهة والحرمة فليستا داخلتين في المعنى ، وإنَّما العقل ينتزع الحرمة من النهي إذا لم يرخّص الشّارع في الفعل ، وحيث قد رخّص في القران ، ولم يرخّص بالنسبة إلى التبعيض فينتزع الحرمة منه ، كما تنتزع الكراهة من النهي عن القران .

وعليه ، فلم يستعمل اللفظ في الحقيقة والمجاز ، أي لم يستعمل في أكثر من معنى .

أضف إلى ذلك أنَّه لا يوجد في الصّحيحة نهي عن القران ، وإنَّما الموجود هو النهي عن قراءة أكثر من سورة ، وهذا بمجرده لا يكون نهياً عن القران ، لأنَّ القران هو عبارة عن الجمع بين سورتين بعد الحمد ، لا مجرد الزيادة على سورة .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الرِّواية صحيحة السَّند وتامَّة الدَّلالة ، لأنَّ النهي عن الأقلّ ظاهر في وجوب السّورة الكاملة .

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : يجوز للمريض أنْ يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء الصَّلاة التطوّع باللَّيْل والنَّهار)[1] .

وجه الاستدلال بها : أنَّ التقييد بالمريض يدلّ على عدم جواز الاقتصار على الفاتحة في حال الصحّة .

وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّ استفادة هذا الأمر إنَّما هو من باب مفهوم الوصف ، وهو لا مفهوم له ، بل في الواقع هو من باب مفهوم اللقب ، لعدم اعتماد الوصف على موصوف ، وهو من أضعف المفاهيم .

ولعلّ النكتة في التعرّض لخصوص المريض هو عدم تأكّد الاستحباب في حقّه ، بخلاف الرَّجل الصّحيح .

ثمَّ إنَّ المراد من قضاء صلاة التطوّع النافلة بين الأداء والقضاء هو مطلق الإتيان بالصَّلاة ، لا خصوص القضاء بالمعنى المصطلح عليه ، إذ لا فرق في سقوط النافلة بين الأداء والقضاء .

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : لا بأس بأنْ يقرأ الرَّجل في الفريضةِ بفاتحةِ الكتابِ في الرِّكعتين الأولتين إذا ما أعجلتْ به حاجةٌ ، أو تخوَّف شيئاً) [2] ، وهي دالَّة بمفهوم الشَّرط على ثبوت البأس إذا اقتصر على فاتحة الكتاب في حال عدم الاستعجال وعدم الخوف .

وقال السَّيد محسن الحكيم (رحمه الله) في المستمسك : (إنَّ هذا اللسان من البيان يناسب الاستحباب جدّاً ، وقد ورد نظيره في ترك الأذان ، ففي خبر أبي بصير : إنْ صلّيت جماعةً لم يجزئ إلَّا أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أنَّ يفوتك يجزئك الإقامة ، إلَّا الفجر والمغرب .... ) .[3]

وفيه : أنَّ هذا اللّسان في رواية أبي بصير أيضاً يدل على الوجوب .

نعم ، علمنا من الخارج أنَّ الأذان يجوز تركه اختياراً ، ولولا القرينة الخارجيَّة لكان مقتضى هذه الرِّواية وجوب الأذان ، فلا فرق حينئذٍ بين الصّورتين .

نعم ، يظهر من صحيحة الحلبيّ كفاية الحاجة العرفيَّة في سقوط السُّورة ، وهذا لا ينافي الوجوب في صورة عدم وجود الحاجة .

فالإنصاف : أنَّ الصّحيحة تامّة الدَّلالة .

ومنها : صحيحة معاوية بن عمَّار (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : إذا قمتَ للصَّلاة أقرأ {بسم الله الرّحمان الرّحيم} في فاتحة الكتاب ؟ قال : نعم ، قلت : فإذا قرأتُ فاتحةَ القرآنِ أقرأ {بسم الله الرّحمان الرّحيم} مع السُّورة ؟ قال : نعم) [4] .

ولكن الإنصاف : أنَّ هذه الصّحيحة ذكرناها سابقاً ، واستدللنا بها على جزئيّة البسملة لكلّ سورة ، وليست هي في مقام بيان وجوب السّورة بعد الفاتحة ، ولذا يتعرّض فيها لخصوص الفريضة .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) الواردة في المأموم المسبوق بركعتين (قال : إذا أدرك الرَّجل بعض الصَّلاة - إلى أنْ قال : - إن أدرك من الظّهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين ، وفاتته ركعتان ، قرأ في كلّ ركعة ممَّا أدرك خلف إمام - في نفسه - أمَّ الكتاب وسورة ، فإنْ لم يدرك السّورة تامَّةً أجزأته أمُّ الكتاب - إلى أنْ قال : - لأنَّ الصَّلاة إنَّما يقرأ فيها بالأولتين في كلّ ركعة بأمّ الكتاب وسورة - إلى أنْ قال : - فإذا سلَّم الإمام قام فقرأ بأمِّ الكتابِ وسورةٍ ... ) [5] .

ومن المعلوم أنَّ الأمر بقراءة السّورة مع الفاتحة ظاهر في الوجوب .

وعليه ، فالاستدلال بهذه الصّحيحة تامّ .

ومنها : صحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : من غلط في سورة فَلْيقرأ {قل هو الله أحد} ، ثمَّ ليركع) [6] .

وجه الاستدلال بها : أنَّه لو لم تجب قراءة سورة كاملة لجاز له الاقتصار على السّورة المغلوط فيها ، فيكتفي بما أتى به .

لكنْ قد يُشكلُ فيها : بأنَّه لا قائل بوجوب قراءة التوحيد في هذه الحالة ، فيمكن حملها على الاستحباب .

وتكون النتيجة : أنَّ السُّورة الأخرى تجزئ عن التي غلط فيها ، من غير دلالة لها على الوجوب .

أضف إلى ذلك : أنَّها معارَضة بموردها بصحيحة زرارة (قال : قلتُ لأبي جعفر (عليه السَّلام) : رجل قرَأَ سورةً في ركعةٍ فغلط ، أيدعِ المكان الذي غلط فيه ، ويمضي في قراءته ، أو يدعْ تلك السّورة ، ويتحوّل منها إلى غيرها ؟ فقال : كلّ ذلك لا بأس به ، وإن قرأ آيةً واحدةً فشاءَ أنْ يركع بها ركع) [7] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن إسماعيل (قال : سألتُه ، قلتُ : أكون في طريق مكَّة فننزل للصَّلاة في مواضع ، فيها الأعراب ، أيصلِّي المكتوبة على الأرض ، فيقرأ أمّ الكتاب وحدها ، أم يصلّي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب والسّورة ، قال : إذا خفت فصلِّ على الرّاحلة المكتوبة وغيرها ، وإذا قرأتَ الحمد والسُّورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلتَ بأساً) [8] .

وإنَّما عبّرنا عنها بالصّحيحة - مع أنّها مضمرة - للاطمئنان بأنّ مرجع الضمير هو المعصوم (عليه السَّلام) .

قال صاحب الوسائل (رحمه الله) - حاكياً ذلك عن بعض المحقّقين - : (لولا وجوب السّورة لَمَا جاز لأجله ترك الواجب من القيام) .[9]

وفيه : أنَّ أمر الإمام (عليه السَّلام) بالصَّلاة على الرّاحلة إنَّما هو من جهة ثبوت أصل الخوف هناك ، المستفاد من قوله : (ننزل للصَّلاة في مواضع ، فيها الأعراب) ، وليس الأمر بالصَّلاة على الرّاحلة لأجل رعاية السّورة ، ضرورة أنَّ الإتيان بالسّورة في مثل الفرض ليس موجباً لأصل الخوف ، بل لزيادته ، إذ أصل الخوف حاصل بوجود الأعراب ، ولو مع قراءة الفاتحة .

والخلاصة : أنَّه لا إشكال في أنَّ الأمر بالصّلاة على الرّاحلة ليس من جهة ترجيح السّورة على القيام ، وإلّا فلا ريب في ترجيح القيام والاستقبال والاستقرار على السّورة ، لأنَّ هذه الأمور كلّها حاصلة فيما لو صلّى على الأرض ، بخلاف ما لو صلى راكباً ، فإنَّه وإن أتى بالسّورة إلَّا أنَّه غالباً يفقد القيام والاستقبال والاسقرار ، ولا إشكال في رجحان هذه الأمور على السّورة .

ثمَّ إنَّه مع قطع النظر عن كل ذلك ، فإنَّ قوله (عليه السَّلام) : (وإذا قرأتَ الحمدَ والسُّورةَ أحبُّ إليّ) يدلّ على عكس المطلوب ، أي يدلّ على استحباب السّورة ، لأنَّ كلمة أحبّ ليست ظاهرة في الوجوب ، بل هي ظاهرة في الاستحباب .

والظاهر أنَّ قراءة الحمد والسّورة إنّما هو حين يصلّي على الرّاحلة .

ومنها : رواية يحيى بن أبي عمران (قال : كتبتُ إلى أبي جعفر (عليه السَّلام) : جعلتُ فداك ! ما تقول في رجلٍ ابتدأ {بسم الله الرّحمان الرّحيم } في صلاته وحده في أمّ الكتاب ، فلمَّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السّورة تركها ؟ فقال العباسي : ليس بذلك بأس ، فكتب بخطه : يعيدها مرّتين على رغم أنفه - يعني العباسيّ - [10] ، وفي بعض النسخ : (يحيى بن عمران ) .

وعلى كلِّ حالٍ ، سواء كان يحيى بن أبي عمران أو ابن عمران فهو مجهول .

وعليه ، فالرّواية ضعيفة .

ووجه الاستدلال بها : هو الأمر بإعادة الصَّلاة الكاشف عن بطلانها ، وذلك للإخلال بالسّورة من أجل فقدها لجزئها ، وهي البسملة .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo