< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : القراءة في الصَّلاة (2)

ووجه اعتبار الفاتحة فيها مثل ما رواه الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السَّلام) (أنَّه قال : أمر النَّاس بالقراءة في الصَّلاة لئلَّا يكون القرآن مهجوراًَ مضيَّعاً ، وليكونَ محفوظاً مدروساً ، فلا يضمحل ولا يهجر ، وإنَّما بدأ بالحمد دون سائر السُّور لأنَّه ليس شيء من القرآن ، والكلام جُمِع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جُمِع في سورة الحمد ، وذلك أنَّ قوله عزَّوجل : {الحمد لله} إنَّما هو أداء لما أوجب الله عزَّوجل على خلقه من الشُّكر ... )[1] .

بضميمة ما رواه الصَّدوق (رحمه الله) أيضاً (قال : قال الرِّضا (عليه السَّلام) : إنَّما جعل القراءة من الرّكعتين الأولتين ، والتسبيح في الأخيرتين ، للفرق بين ما فرض الله من عنده وبين ما فرضه رسول الله (صلى الله عليه وآله)) [2] ، حيث يفهم من الرّواية الأخيرة اعتبار القراءة في الأوليين ، ومن الرّواية الأولى تعيُّن الفاتحة في كلّ قراءة ، فيتمّ بهما المطلوب .

وإنَّما جعلنا ذلك مؤيِّداً لا دليلاً لضعفهما سنداً بجهالة أكثر من شخص في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى الفضل بن شاذان ؛ مضافاً لضعف الرّواية الثانية بالإرسال أيضاً .

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ القراءة ليست ركناً تبطل الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً ، فضلاً عن زيادتها كذلك ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه .

نعم ، حكى الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط المخالفة عن بعض أصحابنا ؛ ولكنَّه لم يعلم مَنْ هو .

وبالجملة ، عندنا نصوص كثيرة ظاهرة وصريحة في نفي البطلان مع النسيان - وهذا يدلّ على أنَّها ليست بركن - :

منها : صحيحة زرارة عن أحدهما (عليه السَّلام) (قال : إنَّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسُّجود والقراءة سنّة ، فمَنْ ترك القراءة متعمِّداً أعاد الصَّلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه ) [3] .

ورواها الكليني عن محمَّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حمَّاد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السَّلام) مثله ، إلَّا أنَّه قال : (ومن نسي القراءة فقد تمَّت صلاته ، ولا شيء عليه) [4] .

ولكنَّها ضعيفة بطريق الكليني ، لأنَّ محمَّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني كثيراً ليس هو ابن بزيع ، بل هو البندقي النيشابوري المجهول .

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عمَّن ترك قراءة القرآن ما حاله ؟ قال : إنْ كان متعمِّداً فلا صلاة له ، وإنْ كان نسي فلا بأس) [5] .

ومنها : موثَّقة منصور بن حازم (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : إنِّي صلَّيت المكتوبة فنسيت أنْ أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : أليس قد أتممت الرُّكوع والسُّجود ؟ قلتُ : بلى ، قال : قد تمَّت صلاتك إذا كان (نت) نسياناً (ناسياً)) [6] .

ومنها : موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إنْ نسي أنْ يقرأ في الأُولى والثانية أجزأه تسبيح الرُّكوع والسُّجود ، وإن كانت الغداة فنسي أنْ يقرأ فيها فَلْميضِ في صلاته) [7] .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (أنَّه قال : لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة : الطَّهور ، والوقت ، والقبلة ، والرُّكوع ، والسُّجود - ثمَّ قال : - القراءة سنَّة ، والتشهُّد سنَّة ، ولا تنقض السُّنة الفريضة) [8] .

هذا ، وقد يستدلّ للقول بالركنيَّة بصحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له ، إلَّا أنْ يقرأ بها في جهر أو إخفات) [9] .

وكذا بعض الرِّوايات الواردة في المقام ، ولكنَّ الإنصاف : حمل هذه الصَّحيحة ، وكذا غيرها من الرِّوايات ، على ترك القراءة عمداً جمعاً بينها وبين ما تقدَّم .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ القراءة ليست ركناً .

ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمر ، وهو أنَّ جماعة من الأعلام ، منهم المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى ، والسَّيد أبي القاسم الخوئي (رحمه الله) استدلُّوا على وجوب القراءة بقوله تعالى : {فاقرؤوا ما تيسَّر منه} .

ويشكل عليهم : أنَّ القراءة لو كانت ثابتةً بالكتاب العزيز لكانت فرضاً ، مثل الرُّكوع والسُّجود ، فيجب إعادة الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ النصوص الكثيرة دالَّة على أنَّ وجوبها من السُّنة لا من الكتاب ، كالرُّكوع والسَّجود .

اُنظر إلى صحيحة زرارة المتقدِّمة (أنَّ الله تبارك وتعالى فرض الرُّكوع والسُّجود والقراءة سنَّة ، فمَنْ ترك ... )[10] ؛ وذلك أقوى قرينة على عدم إرادة الصلاة من الآية الشَّريفة .

والخلاصة : أنَّه لو كانت واجبةً بالكتاب لكانت ركناً كالرُّكوع والسُّجود ، والله العالم .

بقي في المقام شيء ، وهو أنَّه هل تتعيَّن الفاتحة في النافلة ، أم لا ؟

المشهور بين الأعلام هو التعيُّن ، لإطلاق أكثر الرِّوايات المتقدِّمة ، ولِمَا هو المقرّر بين الأعلام من أنَّ مقتضى القاعدة مشاركة النافلة للفريضة فيما يعتبر فيها شرطاً أو شطْراً ، إلَّا أنْ يدلّ دليل على خلافه ، ولِمَا ورد في بيان كثير من النوافل الخاصَّة من الأمر بقراءتها فيها ، ممَّا هو ظاهر - ولو بمعونة فهم الأصحاب - في عدم إرادة اختصاص تلك النوافل بالفاتحة وإنِ اختصّت بأمور أُخر من سور خاصَّة ، ونحوها .

مضافاً إلى فعل السَّلف والخلف ، بل يدلّ على ذلك أنَّه لم يعثر على نافلة ذكر فيها الاكتفاء بغير الحمد أو ببعضه ، وهذا أقوى شاهد على اعتبار الحمد في النوافل جميعاً .

ويؤيِّد ذلك : رواية إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : إنِّي أقوم في آخر الليل ، وأخاف الصُّبح ، قال : اقرأ الحمد ، واعجل واعجل) [11] ، فإنَّها مشعرة بعدم شرعيَّة النافلة بلا فاتحة ، وإلَّا لكان المناسب للاستعجال الرُّخصة في تركها .

ولكنَّها ضعيفة بجهالة عبد الله بن الوليد الكندي ؛ وأمَّا الحجال الموجود في السَّند فقد اخترنا أخيراً أنَّ النفس تطمئن بأنَّه مردّد بين الحسن بن علي أبي محمَّد ، وعبد الله بن محمَّد الأسدي ، وكلّ منهما ثقة .

 


[1] الوسائل باب1 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح3.
[2] الوسائل باب1 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح4.
[3] الوسائل باب27 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1.
[4] الوسائل باب27 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح2.
[5] الوسائل باب27 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح5.
[6] الوسائل باب29 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح2.
[7] الوسائل باب29 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح3.
[8] الوسائل باب29 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح5.
[9] الوسائل باب27 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح4.
[10] الوسائل باب27 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1.
[11] الوسائل باب55 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo