< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القنوت في الصَّلاة (11)

ويليه : القراءة في الصَّلاة (1)

 

والجواب عن هذه الرِّوايات المستدلّ بها للقول بالجواز : هو أنَّه مع ضعف بعضها بالإرسال ليست مسوقةً لبيان الجواز بأيّ لغة ، بل المراد منها أنَّ كلّ ما يناجي به الله في غرض ، دينويّ أو أخرويّ ليس من الكلام المبطل .

ثمَّ إنَّه لو سلّم الإطلاق - أي إنَّها دالَّة على الجواز بأيّ لغةٍ كانت - إلَّا أنَّه لا تدلّ على أنَّه يجتزأ به عن القنوت الموظَّف .

ومن هنا قال صاحب الجواهر (رحمه الله) : (بل قد يقوى في النَّظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت ، وإن قلنا بعدم بطلان الصَّلاة مع الدُّعاء به للأصل فيهما ، وإمكان دعوى حضور القطع من ممارسة أحوال الشَّرع في العبادات واجبها ومندوبها والمعاملات والإيقاعات ، وغيرها ، بعدم اعتبار غير اللغة العربيَّة ، فارسية ، وغيرها ، وكلّ ما أمر فيه بلفظ وقول وكلام ، ونحوها ، لا ينساق إلى الذّهن منه إلَّا العربيّ الموافق للعربيَّة ؛ بل يؤيِّد ذلك أنَّ غير العرب من المكلّفين أضعاف العرب ، وكثير منهم الرّواة الممارسون لأهل البيت (عليهم السَّلام) ، ولم يحكَ عن أحد منهم نظم دعاء باللغة الفارسيَّة ، ولا ذكر من الأذكار ، بل ألزموهم متى أراد شيئاً من الأدعية المخصوصة والأذكار الموظَّفة بقراءة المأثور الذي قلّ ما يتّفق فعلهم له صحيحاً ، بل ربّما كان في تأدية بعض الألفاظ منهم الكفر ، فضلاً عن نقيض المعنى المراد ، كما لا يخفى على كلّ من سمع أدعية العارفين منهم ، وزياداتهم ، فضلاً عن السَّواد ... )[1] .

وفيه : أنَّ دعوى حصول القطع بعدم اعتبار غير اللغة العربية لا يخلو من مجازفة .

نعم ، دلَّ الدَّليل في بعض الموارد على اعتبار ألفاظ خاصَّة من قراءة قرآن ، وذكر خاصّ في الصَّلاة ممَّا لخصوصيَّة الألفاظ دخل في مطلوبيّته ، بحيث لا يجوز التخطي عنها إلى ما يراد منها ، فضلاً عن كلّ لفظ يؤدّي مؤدّاها .

وكذا بعض المعاملات ، كالنّكاح ، وبعض الإيقاعات ، كالطّلاق ونحوه ، حيث اعتبر فيهما ألفاظ خاصّة .

وأمّا فيما نحن فيه فالرّوايات المتقدّمة لا يستفاد منها الاجتزاء بالفارسيّة عن وظيفة بالقنوت فتحتاج إلى دليل آخر غير الرّوايات ، للاكتفاء به في وظيفة القنوت .

الدليل الثالث - وهو المهمّ في المقام - : وهو أصل البراءة .

وتوضيحه : أنَّ تقييد القنوت باللغة العربيّة ، بحيث لا تتأدّى الوظيفة إلَّا بذلك أمر مشكوك فيه ؛ ومقتضى الأصل عدم هذا القيد .

والنتيجة حينئذٍ : هو جواز الإتيان بالقنوت بأيّ لغة كانت ، وتتأدَّى الوظيفة بذلك .

نعم ، الأحوط تركه .

ثمَّ إنَّ الذي ذكرناه مختصّ بالقنوت .

وأمَّا الاكتفاء بالفارسيَّة ونحوها في الذّكر في الرُّكوع والسُّجود ، وغيرهما ، ممَّا وجب فيه مطلق الذِّكر ، فلا يصحّ ، بل لم يلتزم به أحد ، بل أطبق الأعلام بحسب الظَّاهر على عدم الاجتزاء بها في كلّ واجب ، وإن لم يكن المكلّف به لفظاً مخصوصاً ، والله العالم .

 

قوله : (ويتبع المأموم فيه الإمام وإن لم تكن ثانية المأموم)[2]

يدلّ عليه صحيحة عبد الرّحمان بن أبي عبد الله أو موثّقته عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (في الرّجل يدخل الرّكعة الأخيرة من الغداة مع الإمام ، فقنت الإمام ، أيقنت معه ؟ قال : نعم ، ويجزيه من القنوت القنوت لنفسه)[3] .

بقي شيء في المقام - وهو أنَّه يستحبّ إطالة القنوت - قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (فقد ورد عنهم (عليهم السَّلام) أفضل الصَّلاة ما طال قنوتها ، وروى عليّ بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى الصَّادق (عليه السَّلام) : صلّ يوم الجمعة الغداة بالجمعة والإخلاص ، واقنت في الثانية بقدر ما قمت في الركعة الأولى)[4] .

وهاتان الرِّوايتان ضعيفتان بالإرسال :

أمَّا الأُولى : فواضحة .

أمَّا الثانية : فإنَّ المصنِّف (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى الكتاب المذكور ، كما أنَّه لم يذكر إسناد الميثمي إلى الصَّادق (عليه السَّلام) .

أقول : روى الصَّدوق في الفقيه (قال : قال النّبي (صلى الله عليه وآله) : أطولكم قنوتاً في الوتر في دار الدّنيا أطولكم راحةً يوم القيامة في الموقف) [5] .

هكذا رواه في الوسائل ، ونسخة الفقيه خالية عن قوله : (في الوتر) ، والرّواية ضعيفة بالإرسال .

وروى الشَّيخ (رحمه الله) في ثواب الأعمال والمجالس بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) عن آبائه (عليهم السَّلام) عن أبي ذرّ (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أطولكم قنوتاً في دار الدُّنيا أطولكم راحةً يوم القيامة في الموقف) [6] ، وهي حسنة بالمجالس ، وضعيفة في ثواب الأعمال بعليّ بن إسماعيل ، فإنَّه مشترك ، وإن كان المظنون أنَّه الميثمي الممدوح ، إلَّا أنْ الظن لا يغني من الحقّ شيئاً .

واعلم أنَّ استحباب إطالة القنوت إنَّما إذا لم يعارضه استحباب آخر أهمّ منه كالتخفيف في الجماعة ، حيث فيها الشَّيخ والضعيف ، ونحوها ، ممَّن يصعب عليه طول الوقوف .

ثمَّ إنَّه يظهر من بعض الرّوايات أنَّ إطالة الدُّعاء في الصَّلاة أفضل من إطالة القراءة ، كما في صحيحة معاوية بن عمَّار (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : رجلين افتتحا الصَّلاة في ساعةٍ واحدةٍ ، فتلا هذا القرآن ، فكانت تلاوته أكثر من دعائه ، ودعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته ، ثمَّ انصرفا في ساعةٍ واحدةٍ ، أيّهما أفضل - إلى أنْ قال : - الدُّعاء أفضل ، أمَا سمعتَ قول الله عزَّوجل : {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين هي والله العبادة ... }[7] [8] .

              

 

قوله : ((درس 40)

ورابعها : القراءة ، وهي واجبة ، وليست ركناً على الأصحّ ، ويتعيَّن الحمد في الثنائيَّة ، وفي الأُوليين من غيرها)

في المدارك : (أجمع العلماء كافَّةً على وجوب القراءة في الصَّلاة إلَّا مَنْ شذَّ ... )[9] ، وفي الجواهر : (إجماعاً ، بل وضرورة من المذهب ، كما في كشف الأستاذ ، لِعدم العبرة في ذلك بمَنْ لم يسمع الآن بجملة من الضروريات من بهائم الخلق ... ) [10] .

ويدلَّ على ذلك - مضافاً لِمَا ذكر - الأخبار المستفيضة التي سنذكر بعضها إنْ شاء الله تعالى .

ثمَّ إنَّ من المعلوم أنَّ القراءة تتعيَّن بالحمد في كلّ ثنائيَّة ، وفي الأولتين من كلّ رباعيّة وثلاثيّة ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن دعوى تواتر الإجماع عليه ... )[11] ، وفي الذكرى : (تجب قراءة الحمد عيناً في الصَّلاة الواجبة في الصُّبح ، وأولي الصَّلوات الباقية ، إجماعاً منَّا ... ) ، وفي الحدائق (لا خلاف نصّاً وفتوًى في وجوب قراءة الحمد عيناً في الصَّلاة الواجبة في ركعتي الصُّبح ، وأُولى الصَّلوات الباقية ... )[12] .

وممَّا يدلّ على اعتبار الفاتحة في الصَّلاة - مضافاً لما ذكر -جملة من النصوص الكثيرة :

منها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له ، إلَّا أنْ يقرأ بها في جهر أو إخفات ... ) [13] .

ومنها : موثَّقة سماعة (قال : سألته عن الرَّجل يقوم في الصَّلاة فينسى فاتحة الكتاب - إلى أنْ قال : - فَلْيقرأها ما دام لم يركع ، فإنَّه لا قراءة حتَّى يبدأ بها في جهر أو إخفات) [14] ، ومضمرات سماعة مقبولة ، كما عرفت في أكثر من مناسبة .

ومنها : مرسلة محمَّد بن الحسين الرضيّ (رحمه الله) في المجازات النبويَّة (قال : قال (عليه السَّلام) : كلّ صلاة لا يُقْرأَ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج) [15] ، أي : ناقصة ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

وكذا غيرها الدَّال على كون فاتحة الكتاب في الصَّلاة من الأمور المسلَّمة المفروغ عنها .

نعم ، قد يتوهَّم أنَّ الرِّوايات المتقدِّمة لا تدلّ على تعيين موضع الفاتحة ، وأنَّه في الأوليين .

وفيه : أنَّه لا يحتاج إلى التعيين ، لكونها منزَّلة على ما هو المعهود والمتعارف عند المسلمين ، بحيث لا يخفى ذلك على أحد من المسلمين حتَّى الصبيان .

وبالجملة ، فإنَّ المتعارف بينهم خلفاً عن سلف الالتزام بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليتين .

ويؤيِّد ما ذكرناه - من كون فاتحة الكتاب في الرِّكعتين الأوليتين - : بعض الأخبار المتضمنة لبيان حكمة أفعال الصَّلاة .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo