< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القنوت في الصَّلاة (9)

قوله : (والجهر فيه مطلقاً ، والمرتضى : هو تابع في الجهر والإخفات للصَّلاة)[1]

المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ الجهر بالقنوت في الصَّلاة الجهرية والإخفاتية للإمام والمنفرد ، أمَّا المأموم فالأفضل له الإخفات ، وقال السَّيد المرتضى والجعفي : (أنَّه تابع للصَّلاة في الجهر والإخفات) .[2]

وقدِ استدلّ للمشهور بصحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) : القنوت كلّه جهار)[3] .

وأما ما حكي عن السَّيد المرتضى والجعفي ، فقد يستدلّ لهما بالمرويّ عن عوالي اللآلي (قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : صلاة النَّهار عجماء)[4]

وفيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف بالإرسال .

وثانياً : لا يبعد انصرافه إلى خصوص القراءة .

وثالثاً - مع قطع النّظر عما ذكرناه - : شمول هذا الخبر للقنوت بالإطلاق ، وشمول صحيح زرارة له في الصَّلاة الإخفاتيَّة بالعموم ، وفي حال التعارض يقوم ما كانت دلالته بالعموم ، لأنَّه يهدم الإطلاق موضوعاً أو حكماً .

وأمَّا ما ورد في صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن الماضي (عليه السَّلام) عن الرَّجل ، هل يصلح له أنْ يجهر بالتشهُّد ، والقول في الرُّكوع والسُّجود والقنوت ؟ فقال : إنْ شاء جهر ، وإنْ شاء لم يجهر)[5] .

وصحيحة عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن الرَّجل ، أن يجهر بالتشهُّد ، والقول في الرُّكوع والسُّجود والقنوت ، فقال : إنْ شاء جهر ، وإنْ شاء لم يجهر)[6] فلا ينافي القول بالاستحباب ، لأنَّهما محمولان على الجواز ، وعدم تعيُّن أحدهما .

وقدِ استدل لاستحباب الإخفات به للمأموم بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : ينبغي للإمام أن يُسمِع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لِمَنْ خلف الإمام أنْ يُسمِعه شيئاً ممَّا يقول)[7] ، وأبو محمَّد الحجَّال الوارد في السَّند مردَّد بين الحسن بن علي ، وعبد الله بن محمد الأسدي ، وكلٌّ منهما ثقة ، ومكنًّى بأبي محمَّد .

لكن قد يستشكل في دلالتها على المدَّعى ، لأنَّ عدم إسماع الإمام أعم مَنْ الإخفات ، إذ المأموم كثيراً ما يتمكّن مَنْ الإتيان بأدنى مراتب الجهر ، بحيث لا يسمعه الإمام .

وعليه ، فاستحباب الجهر للمأموم مقيَّد بصورة عدم الإسماع ، والله العالم .

قوله : (ويقضيه الناسي بعد الركوع ، ثمَّ بعد الصَّلاة ، وهو جالس ، ولو انصرف قضاه في الطريق مستقبل القبلة)

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا نسي القنوت فإنْ تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الرُّكوع قام وأتى به .

ويدلّ عليه موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (عن الرَّجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر ، فقال : ليس عليه شيء ، وقال : وإنْ ذكَره وقد أهوى إلى الرّكوع قبل أنْ يضع يديه على الرّكبتين فَلْيرجع قائماً وَلْيقنت ، ثمَّ ليركع ، وإن وضع يده على الرّكبتين فليمضِ في صلاته ، وليس عليه شيء)[8] .

ولا يخفى أنَّ قوله : (وإن وضع يده على الركبتين ... ) محمول على عدم وجوب القنوت ، أو على عدم تأكد استحبابه .

وإلَّا فالمعروف بينهم أنَّه إذا تذكّر بعد الدّخول في الرّكوع قضاه بعد الرّفع منه ، كما يدلّ عليه جملة من النصوص :

منها : صحيحة محمَّد بن مسلم وزرارة بن أعين (قالا : سألنا أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الرَّجل ينسى القنوت حتّى يركع ، قال : يقنت بعد الرّكوع ، فإنْ لم يذكر فلا شيء عليه)[9] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن القنوت ينساه الرَّجل ، فقال : يقنتُ بعد ما يركع ، وإن لم يذكر حتَّى ينصرف فلا شيء عليه)[10] . ومنها : موثَّقة عبيد بن زرارة (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : الرَّجل ذكَر أنَّه لم يقنتْ حتَّى يركعَ ، قال : فقال : يقنت إذا رفع رأسَه) [11] ، والمراد من القضاء هو مطلق الفعل ، لا القضاء بالمعنى الاصطلاحي .

وأمَّا ما ورد في جملة من الأخبار :

منها : صحيحة معاوية بن عمار (قال : سألته عن الرَّجل ينسى القنوت حتَّى يركع ، أيقنت ؟ قال : لا) [12] .

ورواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) عنه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في خصوص الوتر[13] .

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (قال : سألتُه عن رجل نسي القنوت حتَّى ركع ، ما حاله ؟ قال : تمَّت صلاته ، ولا شيء عليه) [14] .

ومنها : ذيل موثَّقة عمَّار المتقدِّمة (وإنْ وضع يده على الرّكبتين فليمضِ في صلاته ، وليس عليه شيء) [15] ، فهو محمول على نفي وجوبه في الصَّلاة ، وعدم بطلانها بتركه ، أو محمولة على عدم تأكّد الاستحباب ، هذا كلّه إذا تذكره في ركوع الرّكعة الثانية أو بعده قبل السّجود .

وأمَّا إذا تذكّره بعد الدّخول في السّجود أو بعد الصَّلاة قضاء بعدها ، كما في صحيحة أبي بصير (قال : سمعته يذكر عند أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، قال : في الرَّجل إذا سها في القنوت قنَت بعدما ينصرف وهو جالس) [16] .

بل رُوي قضاؤه في الطَّريق، كما في صحيحة زرارة (قال : قلتُ لأبي جعفر (عليه السَّلام) : رجل نسي القنوت فذكره وهو في بعض الطريق ، فقال : يستقبل القبلة ، ثمَّ ليقله ، ثمَّ قال : إنّي لأكره للرّجل أنْ يرغب عن سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أو يدعها) [17] ، وقد عرفت أنَّ المراد بالقضاء مطلق الفعل ، لا المعنى الاصطلاحي .

 

قوله : (وأقلّه البسملة ثلاثاً ، أو سبحان الله خمساً أو ثلاثاً)

ذكرنا الرّوايات الدَّالة على ذلك عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً (والدّعاء فيه بكلمات الفرج) ، فراجع .

 

قوله : (وعند التقيَّة لا يرفع يديه)

ذكرنا الرّواية الدَّالة على ذلك عند قول المصنِّف سابقاً (ورفع اليدين تلقاء وجهه ... )[18] ، فراجع ، فإنَّه مهمّ .

 

قوله : (ولا يُؤمِّن فيه ، وجوَّز ابن الجنيد تأمين المأموم فيه ، وهو شاذّ)

سيأتي الكلام بالتفصيل - إنْ شاء الله تعالى - في مبحث القراءة عند قوله : (ويحرم هنا أمران ، أحدهما الترجيع المطرب في القراءة ، فتبطل الصَّلاة به ، وثانيهما قول آمين ، وهو حرام مبطل على الأصح سرّاً وجهراً ، في الفاتحة وغيرها ، وقول ابن الجنيد شاذّ ... ) .

ولكن نقول هنا بشكل مختصر جدّاً : أنَّ من جملة الأدلّة التي استدلّ بها على البطلان هو أنَّ لفظ (آمين) من كلام الآدميين .

وعن التحرير وجامع المقاصد ونهاية الأحكام وكشف الرموز والمهذب البابع والروض أنَّه ليس قرآناً ولا دعاءً ، بل اسم للدُّعاء ، والاسم غير المسمَّى ، بل في التنقيح اتَّفق الكلّ على أنّها ليست قرآناً ، وإنَّما هي اسم للدُّعاء ، والاسم غير المسمَّى .

وعن الغنية : (أنَّ العامَّة متِّفقون على أنَّها ليست قرآناً ولا دعاءً ولا تسبيحاً) ، وعن الانتصار : (لا خلاف في أنَّها ليست قرآناً ولا دعاءً مستقلّاً)[19] ، وعن الكشَّاف : (أنَّها صوت سمّي به الفعل الذي هو استجب)[20] ، وعن حاشية المدارك (تارة إنَّ آمين عند فقهائنا من كلام الآدميين ، وأخرى أنَّها اسم للفظ الفعل بإجماع أهل العربية ، بل هو بديهي عندهم) .

أقول : مقتضى الإنصاف : أنَّ كونها اسماً للفعل لا يخرجها عن كونها دعاءً ، لأنَّ أسماءَ الأفعال حاكية عن نفس الأفعال بما هي حاكية عن معانيها ، فقولنا : صه - الذي هو اسم فعل - حاكٍ عن معنى اسكُت ، حكاية لفظ اسكت عنه .

غاية الأمر أنَّ حكايته عن معنى (اسكت) بتوسُّط حكايته عن لفظ اسكت .

وعليه ، فـ (آمين) إذا كان اسماً لـ (استجب) كان دعاءً مثله ، ولا يكون بذلك من كلام الآدميين ، فلا يضرّ الإتيان به بالصَّلاة .

نعم ، إذا قصد به الجزئية للصلاة بطلت الصَّلاة للزيادة ، لقول أبي عبد الله (عليه السَّلام) في موثقة أبي بصير (من زاد فلي صلاته فعلهي الإعادة ) وسيأتي إن شاء الله تعالى الميزد من التفصيل عند تعرض المصنف (رحمه الله) له .

 

قوله : (ويجوز الدُّعاء فيه ، وفي سائر الصَّلاة للدِّين والدُّنيا ، ما لم يكن محرماً)

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز الدُّعاء فيه ، وفي سائر أفعال الصَّلاة بما سنح للدِّين والدُّنيا ، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (يجوز الدُّعاء فيه للمؤمنين بأسمائهم ، والدُّعاء على الكفرة والمنافقين ، لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم ، وعلى آخرين بأعيانهم ، كما روي أنَّه قال : اللّهم أنجِ الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعيّاش بن ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ، واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان .

وقنت أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في صلاة الغداء ، فدعا على أبي موسى وعَمْرو بن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم ، قاله ابن أبي عقيل ... ) .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo