الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/03/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع :القِيام في الصَّلاة (21)
قوله : (وأن يقنت قبل الرٌّكوع في كلّ ثانيةٍ)[1]
يقع الكلام في أمرين :
الأوَّل : في وجوب القنوت ، أو استحبابه .
الثاني : في محلّه .
أمَّا الأمر الأوَّل : فالقنوت لغةً هو الطّاعة والسّكون والدّعاء والقيام في الصّلاة ، والإمساك عن الكلام ، كما في القاموس ، وذكر ابن الأثير معاني أخر : كالخشوع والصّلاة والعبادة والقيام وطول القيام ...
وهو في عرف الشّرع أو المتشرّعة ذِكْر مخصوص في موضع معيَّن .
والأقرب : اعتبار رفع اليدين فيه ، خلافاً لجماعة ، وسيأتي بيان ذلك - إن شاء الله تعالى - .
ثمَّ إنّه لا خلاف بين المسلمين في مشروعيّته في الصّلاة في الجملة :
أمَّا عند الإمامية الطائفة المحقِّة : فواضع .
وأمَّا عند العامَّة : فذكر ابن حزم (أنَّ القنوت حسن بعد الرّفع من الرّكوع في آخر ركعة من كلّ صلاة فرض الصّبح وغير الصّبح وفي الوتر)[2] ثمَّ قال : (قال أبو حنيفة : لا يقنت في شيء من الصّلوات كلّها إلّا الوتر ، فإنّه فيه قبل الرّكوع الستّة كلّها وقال مالك والشافعي : لا يقنت في شيء من الصّلوات المفروضة إلّا الصّبح خاصّة ... )[3] ؛ ولكنّهم عمليّاً لا يلتزمون ولا يقنتون كما رأيناهم كثيراً .
ومهما يكن ، فإنّ المشهور عندنا شهرةً عظيمةً كادت أن تكون إجماعاً على الاستحباب ، بل المصنّف رحمه الله في الذكرى ، بل المصنّف رحمه الله في الذكرى ادَّعى الإجماع ، حيث قال فيها : (إنّ الاستحباب ثابت بأخبار تكاد تبلغ التواتر ، وبإجماع الإماميّة ... )[4] .
وقال العلّامة رحمه الله في التذكرة : (هو مستحبّ في كلّ صلاة مرةً واحدةً فرضاً أو نفلاً ، أداءً أو قضاءً ، عند علمائنا أجمع)[5] ، وقال في موضع آخر منها : (القنوت سنَّة ليس بفرض عند علمائنا أجمع ، وقد تجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب والقصد شدَّة والاستحباب ... )[6] .
وقال المحقِّق رحمه الله في المعتبر : (اتَّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلاً مرةً ، وهو مذهب علمائنا كافَّة ... )[7] .
وبالمقابل حكي عن ابن أبي عقيل رحمه الله القول بوجوبه في الفرائض الجهريّة ، وربما نسب إليه القول بوجوبه مطلقاً ، كما هو ظاهر الشّيخ الصّدوق رحمه الله كما حكي عنه في الفقيه والهداية ، قال في الفقيه : (والقنوت سنّة واجبة ، من تركها متعمداً في كلّ صلاة فلا صلاةَ له ، قال الله عزوجل : ﴿ قوموا لله قانتين ﴾[8] يعني مطيعين داعين ، وقال في الهداية باب فريضة الصّلاة : (قال الصّادق (عليه السَّلام) - حيث سئل عمَّا فرض الله تعالى من الصّلاة - فقال : الوقت والطّهور والتّوجّه والقبلة والرّكوع والسّجود والدّعاء ، ومَنْ ترك القراءة في صلاته متعمِّداً فلا صلاة ، ومن ترك القنوت متعمداً فلا صلاة له ... )[9] ، وهو أصرح من كلامه في الفقيه .
وعن الشَّيخ البهائي رحمه الله في الحبل المتين ما يظهر منه الميل إلى الوجوب ، حكي عنه أنّه قال : (وممّا تلوناه عليك يظهر أنّ القول بما قال به ذانك الشّيخان الجليلان غير بعيد عن جادة الصّواب)[10] ، وفي الحدائق : (وإلى القول بوجوبه - كما هو ظاهر الصّدوق - مال شيخنا أبو الحسن الشّيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، وذكر أنَّه صنّف رسالةً في القول بالوجوب ، ولم أقف عليها)[11] .
والإنصاف : هو ما عليه المشهور من أنّه مستحبّ في كلّ صلاة ، جهريةً كانت أم إخفاتيَّةً ، فريضةً كانت أم نافلةً .
نعم ، يتأكّد استحبابه في الفرائض ، خصوصاً الجهريَّة منها .
ويدلّ على الاستحباب جملة من الرّوايات ، كادت أن تكون متواترةً :
منها : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرّضا (عليه السَّلام) (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) في القنوت : إن شئت فاقنت ، وإن شئت فلا تقنت ؛ قال أبو الحسن (عليه السَّلام) : وإذا كانت التقيّة فلا تقنت وأنا أتقلّد هذا)[12] ، ورواها في الوسائل أيضاً عنه بإسناده عن أحمد بن محمّد بطريقي آخر ، وهو صحيح أيضاً ، إلّا أنّه قال : (القنوت في الفجر) [13] .
والإنصاف : أنّهما صحيحتان ، لا صحيحة واحدة ، لاختلافهما سنداً ومتناً ، ولو في الجملة ، وهما صريحتان في جواز تركه في غير حال التقيّة ، واختصاص الصّحيحة الثانية بالفجر لا يقدح في الاستدلال بها ، إذ لا قائل بعدم وجوبه في الفجر ، ووجوبه فيما عداها .
وقوله : (وأنا أتقلّد هذا) يحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السَّلام) ، ويحتمل أن يكون من كلام الرّاوي .
ومنها : موثّقة سماعة (قال : سألتُه عن القنوت في الجمعة ، فقال : أمَّا الإمام فعليه القنوت في الرّكعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الرّكوع قبل السّجود - إلى أن قال : - ومن شاء قنت في الرّكعة الثانية قبل أن يركع ، وإن شاء لم يقنت ، وذلك إذا صلى وحده) [14] ، وهي صريحة في جواز تركه للمنفرد ، ومضمرات سماعة مقبولة ، كما تقدّم .
ومنها : رواية عبد الملك بن عمرو (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن القنوت قبل الرُّكوع أو بعده ، قال : لا قبله ولا بعده) [15] ، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عبد الملك بن عمرو ؛ والمدح الوارد فيه لا يؤخذ به ، لأنّه هو راويه .
ومنها : روايته الأخرى (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : قنوت الجمعة في الرّكعة الأولى قبل الرّكوع ، وفي الثانية بعد الرّكوع ، فقال لي : لا قبل ولا بعد ) [16] ، وهي ضعيفة أيضاً بما عرفت .
والظّاهر أنّ المقصود من الرّوايتين نفي اللزوم ، لا نفي المشروعيّة ، ويحتمل حملها على التقية ، لأنّ السّؤال إنّما هو عن محلّ القنوت ، لا عن استحبابه أو وجوبه ، فالإجابة عنه بالنفي المطلق بعد ثبوت مشروعيّته يكون للتقيّة .
وكذا غيرها من الرّوايات الكثيرة التي سيأتي بعضها أيضاً - إن شاء الله تعالى - .
هذا ، وقدِ استدّل للقول بالوجوب بالكتاب العزيز ، والسنّة الشريفة في إرادة القنوت بالمعنى المصطلح عليه ، إذ لم يثبت للقنوت حقيقة شرعيّة في زمان صدور الآية الشريفة .