< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (18)

والإنصاف : أنَّ من تجدّد عجزه في الأثناء تارة يعلم باستمرار عجزه إلى آخر الوقت ، وأخرى يعلم بزوال العجز قبل فوات الوقت ، وثالثة يشك في ذلك .

أمَّا في صورة استمرار العجز إلى آخر الوقت فلا إشكال في عدم وجوب الاستئناف ، وذلك لإطلاق أدلَّة البدليَّة الشامل للعجز الطارئ في الأثناء .

وبالجملة ، فإطلاق أدلَّة البدليَّة ، كما يشمل العجز الطارئ قبل الدخول في العمل كذلك يشمل العجز الطارئ في الأثناء .

أضف إلى ذلك أنَّ تجدَّد العجز في الأثناء ليس من قواطع الصَّلاة .

وعليه ، فلا موجب لإعادة ما صدر منه واجداً لشرطه ، بل يجب المضيّ فيه ، لأنّ الاستئناف موجب لتفويت الجُزء الاختياري المأتي به قبل طروء العجز ، وهو غير جائز .

وأمَّا إذا علم بزوال العجز قبل فوات الوقت فالمعروف بينهم عدم وجوب الاستئناف أيضاً ، حيث لم يفصلّوا بين الصّورتين .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّه يجب الاستئناف ، لأنَّ تجدّد القدرة قبل خروج الوقت كاشف عن عدم تعلّق الأمر بالفعل عند الدخول فيه ، فما أتى به من الأجزاء قاعداً إنَّما كان باعتقاد الأمر وتخيّله ، ولا ريب أنَّ إتيان الشَّيء بتخيّل الأمر ليس مجزياً عن المأمور به الواقعي .

وقد ذكرنا في مبحث الإجزاء في علم الأصول أنَّ العجز المسوِّغ للانتقال إلى البدل إنَّما هو العجز عن طبيعي الفريضة الاختياريَّة الذي هو المأمور به ، لا خصوص فرد منها ، وإنَّما يتحقّق العجز عن الطبيعي مع استيعاب العذّر لتمام الوقت .

والخلاصة : أنَّه لا بدّ من الاستئناف ، إلَّا إذا كان هناك تسالم بين الأعلم المتقدّمين والمتأخّرين على عدم وجوب الاستئناف ، فيكون ذلك استئنافاً من القاعدة .

وأمَّا الصُّورة الثالثة - أي الشكّ في زوال العذّر قبل خروج الوقت - : فيستصحب حينئذٍ بقاء العذر إلى آخر الوقت من باب الاستصحاب الاستقلالي ، فإنِ انكشف له خطأه بعد ذلك بأنْ زال العذّر قبل خروج الوقت فيستأنف ، وإلَّا فلا ، هذا كلّه إذا تجدَّد العجز في الأثناء .

وأمَّا إذا تجدَّدت القدرة - كما إذا كان قاعداً ، فتجددت قدرته على القيام - فالمعروف بينهم عدم وجوب الاستئناف ، بل يكمل .

ولكنَّ الإنصاف : هو التفصيل بين ضيق الوقت ، بحيث لا يسع للاستئناف ، وأخرى في سعته ، وحكمه في الصُّورة الأولى عدم وجوب الاستئناف ، ووجوبه في الصّورة الثانية لِما تقدّم بلا حاجة للإعادة ، إلَّا إذا كان هناك تسالم بين جميع الأعلام من المتقدّمين والمتأخّرين على عدم وجوب الاستئناف ، فيكون ذلك استئنافاً من القاعدة ، والله العالم .

الأمر الثاني : من عجز في أثناء القراءة ، أو الذّكر الواجب في الرّكوع ، فهل يقرأ ، أو يذكر في حال الانتقال إلى الحالة الدنيا ، أو يجب أن يسكت حتّى ينتقل ويستقرّ ؟

المعروف بين الأعلام أنَّه يقرأ ويذكر ، بل عن الرَّوض : نسبته إلى الأكثر ، بل عن المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : نسبته على الأصحاب ، قال : (قال الأصحاب : ويقرأ في انتقاله إلى ما هو أدنى ، لأنّ تلك الحالة أقرب إلى ما كان عليه ؛ ويشكل بأنَّ الاستقرار شرط مع القدرة ، ولم يحصل ، وتُنبِه عليه رواية السَّكوني عن الصَّادق (عليه السَّلام) في المصلّي يريد التقدّم ، قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتّى يتقدَّم ثمَّ يقرأ ، وقد عمل الأصحاب بمضمون الرّواية ... ) [1] [2] .

وعن جماعة من الأعلام أنَّه يترك القراءة حال الانتقال إلى الأدنى ، منهم المصنِّف ، كما عرفت ، والمحقِّق الكركي وصاحب المدارك والأردبيلي والسّيد محسن الحكيم وصاحب الجواهر والمحقّق الهمداني والسّيد الخوئي (رحمهم الله) ، وهو الصّحيح ، كما سيتضح لك .

وقد استدلّ المصنّف (رحمه الله) في الذكرى لمن ذهب إلى القراءة حال الانتقال : بأنَّ الهوي أقرب إلى القيام ، فيقرأ حاله بما تيسّر .

وفيه : أنّ الهوي مباين للقيام عرفاً .

وعليه ، فلا تشمله أدلّة القيام ولا أقلّ من انصرافها عنه .

وأمَّا كونه أقرب إلى القيام من الجلوس فإنّ مجرد الأقربيّة لا تنفع ما لم يدخل الهوي في مفهوم القيام ، بل حتّى لو قلنا بقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ، فإنّه بنظر العرف لا تكون هذه الحالة من المراتب الميسورة ، فإنّ الانحناءات غير القارّة المتدرجّة الوجود حال الهوي ليست لدى العرف من مصاديق القيام ، ولا من مراتبه الميسورة التي لا تسقط بمعسوره حتّى في أوائل الأخذ في الهوي ؛ فلو كان له نوع استقرار لعدّ عرفاً من مصاديقه ، لِعدم ملحوظيّة شيءٍ منها لدى العرف من حيث هو على سبيل الاستقلال كي يطلق عليه اسم القيام ، بل الهوي مجموعه لدى العرف فعل واحد مباين بالنوع للقيام .

وعليه ، فالإنصاف : أنّه لا يقرأ حال الانتقال ، وذلك لاعتبار الاستقرار الذي هو شرط في المقام ، وهو غير حاصل حال الانتقال .

وأمَّا رواية السَّكوني[3] التي ذكرها المصنِّف (رحمه الله) فهي وإن كانت معتبرةً إلّا أنّها تصلح للتأييد فقط ، لأنّ موردها المشي ؛ هذا كلّه في القراءة حال الانتقال إلى الأدنى .

وأمَّا في حال الانتقال إلى الأعلى - كما لو كان يقرأ جالساً ، ثمَّ قوي على القيام - فلا يقرأ حال الانتقال قطعاً ، بل لم ينقل عن أحد القراءة حال الانتقال إلى الأعلى ، وذلك لأنّ الوجه الذي ذكر للقراءة حال الانتقال إلى الأدنى لا يجري هنا ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (ولو خفّ بعد القراءة قام للرّكوع ، والأحوط : وجوب الطمأنينة ثمَّ الهوي ، ولو خفّ في ركوعه قاعداً قبل الطمأنينة كفاه أن يقوم راكعا ، ولو خفّ بعد الطمأنينة قام للاعتدال من الرّكوع ، ولو خفّ بعد الاعتدال قام للطمأنينة فيه ، ولو خفّ بعد الطمأنينة قام للهوي إلى السّجود)[4]

هذه جملة من التفريعات ذكرها المصنّف (رحمه الله) هنا ، وفي الذكرى ، وكذا غيره من الأعلام ، والكلام فيها تارةً مع ضِيق الوقت ، بحيث لا يسع للاستئناف ، وأخرى مع سعته ، أمَّا في حال الضيق فمن جملة التفريعات ما لو خفّ بعد القراءة والمعروف أنَّه يجب القيام للرّكوع قطعاً ، لما عرفت سابقاً من وجوب القيام المتصل بالرّكوع ، بل ذهب المشهور إلى ركنيّته ، وقد ناقشناه في ذلك ، فراجع .

ولا يجب عليه إعادة القراءة ، لمكان ضيق الوقت .

وعليه ، فهي صحيحة ، وهل يجب الطمأنينة في هذا القيام للرّكوع ، أو لا فيه ؟ قولان ، أشهرهما العدم.

 


[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، أبواب القيام، باب44، ح3، ط الإسلامية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo