< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (16)

 

ومنها : مرسلته الأخرى ( قال : وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال : - ومروه فليؤم برأسه إيماءً ، ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع ... )[1] ، ولكنّهما ضعيفتان بالإرسال .

ويدلّ على ذلك أيضاً جملة من الرّوايات الواردة في سائر مواقع الضّرورة التي يصلّي فيها مومياً في أبواب متفرقة من الفرائض والنوافل ، مع عدم الخصوصيّة للنافلة ، والتي منها رواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليه السَّلام) ( أنَّه قال : من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلِّي حتَّى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً ، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يُومِئ إيماءً ، يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعةً تباعدوا في المجالس ، ثمّ صلّوا كذلك فرادى ) [2] ، وهي ضعيفة بأبي البختري .

ومنها : موثَّقة سماعة ( قال : سألتُه عن الصَّلاة في السَّفر - إلى أن قال : - وَلْيتطوع بالليل ما شاء إن كان نازلاً ، وإن كان راكباً فَلْيصل على دابّته وهو راكب ، وَلْتكن صلاتُه إيماءً ، وَلْيكن رأسه حيث يريد السّجود أخفض من ركوعه ) [3] ، ومضمرات سماعة مقبولة .

ومنها : صحيحة يعقوب ابن شعيب ( قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرّجل يصلّي على راحلته ، قال : يُومِئ إيماءً ، يجعل السُّجود أخفض من الرُّكوع ) [4] .

ومنها : صحيحته الأخرى )قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن الصَّلاة في السفر ، وأنا أمشي ، قال : أومِ إيماءً ، واجعل السُّجود أخفض من الرُّكوع ( [5] وكذا غيرها من الرّوايات الكثيرة .

ثمّ إنّه حكي عن جملة من الأعلام ، منهم ابن حمزة وسلار وابن سعيد والمحقِّق والشَّهيد الثانيان (رحمهم الله) ، وغيرهم ، وجوب التفرقة بين الإيمائين في التغميض أيضاً فأوجبوا كونه للسُّجود أكثر منه للرُّكوع .

وقد يستدلّ لهم بالرّوايات الآمرة بالإيماء ، فإنَّ قضية إطلاق الأمر بكونه للسُّجود أخفض شموله للتغميض أيضاً .

ومعنى الأخفضية في التغميض : هي أكثريَّة الغمض ، إذ لا معنى له بالنسبة إليه إلَّا هذا .

وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّ هذا ليس من معنى الأخفضيَّة بشيء .

وعليه ، فاعتبار الأخفضيَّة فيه قرينة لصرف إطلاق الإيماء إلى الإيماء بالرّأس ، بل ذكرنا سابقاً أنَّه منصرف في حدِّ ذاته إليه ، مع قطع النَّظر عن القرينة .

والخلاصة : أنَّ الأقوى عدم اعتبار التفرقة بين الإيماءين في التغميض إلَّا بالقصد ، والله العالم .

الأمر الرابع : لو تعذَّر عليه الإيماء والتغميض أيضاً فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا يوجد بدل غيرهما ينتقل إليه ، بل يكتفي بجريان الأفعال على قلبه - أي : تصوّرها - والأذكار على لسانه إن تمكن ، وإلَّا أخطرهما جميعاً بالبال ، واكتفى به كما صرّح به بعضهم ، وهذا ما تقتضيه القواعد ، والله العالم بحقائق أحكامه .

الأمر الخامس : هل يجب على المومِئ للسّجود وضع شيء فيما يصحّ السّجود عليه على جبهته حال الإيماء ، أو أنَّه مخيَّر بين الإيماء والوضع ، أو أنَّ الوضع بدل عنه عند تعذّر الإيماء ، أو يتعيَّن عليه الوضع فقط ؟ وجوه ، بل أقوال .

أمَّا القول الأخير - وهو تعيَّن الوضع عليه فقط - فيدلّ عليه روايتان :

الأولى : موثّقة سماعة ( قال : سألتُه عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فَلْيصلِّ وهو مضطجع ، وَلْيضع على جبهته شيئاً إذا سجد ، فإنَّه يجزي عنه ، ولم يكلِّف الله ما لا طاقة له به ) [6] .

الثانية : مرسلة الفقيه ( قال : وسئل عن المريض ، لا يستطيع الجلوس ، أيصلِّي وهو مضطجع ، ويضع جبهته شيئاً ؟ قال : نعم ، لم يكلّفه إلّا طاقته ) [7] [8] .

وفيه : أمَّا المرسلة فهي أوَّلا : ضعيفة بالإرسال .

وثانياً - مع قطع النظر عن ضعف السّند - : لا تدلّ على الوجوب ، لأنّ جواب الإمام (عليه السَّلام) ليس إلّا عن صحّة هذه الصّلاة التي وقع السّؤال عنها ، وهذا قرينة على أنّ السّؤال إنّما هو عن جواز الاجتزاء بذلك .

وأمّا الموثّقة فالالتزام بدلالتها على تعيَّن الوضع فقط مستلزم لطرح الأخبار التي ورد فيها الأمر بالإيماء ، أو تأويلها بالحمل على صورة العجز عن وضع شيء على الجبهة ، مع أنَّها أصحّ سنداً وأكثر عدداً ، بل هي متواترة إجمالاً ، لورودها في الأبواب المتفرقة من النافلة والفريضة للقائم والقاعد والماشي والراكب والمضطجع والمستلقي والعاري ، وغير ذلك من الموارد التي لا تحصى ، كما أنَّها أوضح دلالة على بدليّة الإيماء مطلقاً من هذه الموثّقة .

أضف إلى ذلك : أنّ المراد بقوله في الموثّقة : (وَلْيضع على جبهته شيئاً إذا سجد) ، أي : إذا أومأ للسَّجود - حيث السّجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض - فتكون الموثّقة حينئذٍ بنفسها شاهدة على عدم تعيّن الوضع .

وأمَّا القول الثالث - وهو أنَّ الوضع بدل عن الإيماء عند تعذّره - : فيدلّ عليه ما دلّ على الوضع ، بعد حمل الرّوايات الدّالة على الوضع على صورة العجز عن الإيماء ، بشهادة رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن المريض الذي لا يستطيع القعود ، ولا الإيماء ، كيف يصلّي وهو مضطجع ؟ قال : يرفع مروحة إلى وجهه ، ويضع على جبينه ، ويكبر هو) [9] .

وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .

وثانياً : أنَّه لا ربط لها بالمقام ، لأنَّها ظاهرة في أنَّ وضع المروحة على الجبين إنَّما هو حال التكبير ، ومحلّ الكلام هو وضع ما يصحّ السّجود عليه على الجبهة حال الإيماء للسّجود .

وأمَّا القول الأوَّل - وهو وجوب الجمع بين الوضع والإيماء - : فيدلّ عليه موثّقة سماعة المتقدّمة ، بعد تقييد إطلاق الإيماء بالرّوايات المتقدّمة بها .

وأمَّا مرسلة الفقيه فقد عرفت أنَّها ضعيفة سنداً ودلالةً .

والإنصاف : أنَّ موثّقة سماعة محمولة على الاستحباب ، لأنَّ الوضع لو كان واجباً لأشير إليه في الرّوايات الدَّالة على الإيماء ، فإنَّه على كثرتها ، بل تواترها إجمالاً ، وورودها في الأبواب المتفرّقة من النافلة والفريضة للقائم والقاعد والماشي والراكب والمضطجع والمستلقي والعاري ، ونحو ذلك ، لا إشعار فيها أصلاً بالوضع فضلاً عن الظهور ، وكذا كلمات الأعلام المتقدّمين ، فإنّها خالية عن ذلك ، وهذا بحدّ ذاته قرينة على حمل الموثّقة على الاستحباب .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo