< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (15)

الخامس : هل يجب على المومي للسّجود وضع شيءٍ ممَّا يصحّ السّجود عليه على جبهته حال الإيماء ، أو أنّه مخيّر بين الإيماء والوضع ، أو يتعيّن عليه الوضع فقط دون الإيماء ، أو أنّ الوضع بدل عند تعذّر الإيماء ؟

أمّا الأمر الأوَّل - أي وجوب الإيماء بالرأس عند تعذر الرّكوع والسّجود - : فيدلّ عليه - مضافاً إلى الأخبار المتقدّمة ، كموثّقة عمّار ومرسلتي الفقيه والدُّعاء وخبر عبد السَّلام ، والعمدة موثّقة عمار ، والباقي ضعيف السّند كما عرفت - عدَّة من الرِّوايات :

منها : مرسلة الفقيه (قال : وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من الأنصار ، وقد شبكته الرّيح ، فقال : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! كيف أصلّي ؟ فقال : إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ، وإلّا فوجّهوه إلى القبلة ، ومروه فليؤم برأسه إيماء ، ويجعل السُّجود أخفض من الرّكوع ، وإن كان لا يستطيع أن يقرأ فاقرؤوا عنده وأسمعوه ... )[1] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : رواية غبراهيم بن أبي زياد الكرخي (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى خلاء ، ولا يمكنه الرّكوع والسّجود ، فقال : ليؤمّ برأسه إيماءً ، وإن كان له من يرفع الخمرة فَلْيسجد ، فإن لم يمكنه ذلك فليؤمّ برأسه نحو القبلة إيماءَ) [2] ، وهي ضعيفة بجهالة إبراهيم بن أبي زياد الكرخي ، وعدم وثاقة محمّد بن خالد الطيالسي .

ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده إلى إبراهيم ، وإسناده إليه وإن كان صحيحاً إلَّا أنَّ إبراهيم الكرخي مجهول الحال .

ومنها : حسنة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسّجود ، قال : يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ) [3] ، فإن قوله : (لم يستطع القيام والسّجود) مطلق يشمل ما لو كان مستطيع الجلوس وعدمه ، فنقول : على أنَّ الجالس يومئ لهما ، ويستفاد منها حكم المضطجع والمستلقي ، وسائر مواقع الضّرورة بتنقيح المناط .

ومنها : موثّقة سماعة على نسخة الفقيه (قال : سألته عن الرّجل يكون في عينيه الماء ، فينتزع الماء منها ، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوماً ، أو أقلّ ، أو أكثر ، فيمتنع من الصّلاة الأيام إلَّا إيماءً ، وهو على حاله ، فقال : لا بأس بذلك ، وليس شيء ممّا حرّم الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر إليه ) [4] ، هذا على نسخة الشّيخ الصّدوق (رحمه الله) في الفقيه .

وأمّا على نسخة الشّيخ في التهذيب (رحمه الله) فلا يوجد فيها لفظ (إلّا إيماءً) فالاستشهاد بها حينئذٍ إنّما هو على نسخة الفقيه ، وهي مقدّمة على نسخة التهذيب في مقام التعارض ، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .

ثمّ إنّ المتبادر من إطلاق الإيماء في النصوص والفتاوى إنّما هو كونه بالرأس ، كما وقع التصريح فيه في جملة من الأخبار المتقدّمة ، فلا يضرّ بالاستشهاد عدم تقييده بالرأس في موثّقة سماعة .

الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أنّه عند تعذّر الإيماء بالرأس يقوم التغميض مقامه ، بل هو المشهور بينهم .

 

ويدلّ عليه بعض الرِّوايات :

منها : مرسلة الفقيه (قال : وقال الصَّادق (عليه السَّلام) : يصلّي المريض قائماً ، فإنْ لم يقدر على ذلك صلّى جالساً ، فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً ، يكبِّر ثمَّ يقرأ ، فإذا أراد الرُّكوع غمض عينيه ، ثمّ سبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الرّكوع ، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ، ثمّ سبّح ، فإذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السّجود ، ثمّ يتشهد وينصرف) [5] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : مرسلة محمّد بن إبراهيم عمّن حدّثه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، وهي مثل المرسلة السَّابقة ، إلَّا أنَّه قال : (يصلّي المريض قاعداً ، فإن لم يقدر صلَّى مستلقياً ) [6] ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة محمَّد بن إبراهيم ، ومورد المرسلتين خصوص المستلقي .

ومن هنا قد يقال : إنَّ وظيفة المستلقي هي التغميض فقط ، دون الإيماء بالرأس ، وربما ظهر ذلك من القواعد والنهاية والمبسوط والوسيلة والسّرائر ، حيث لم يذكر في هذه الكتب أنَّ الإيماء بالرأس مقدَّم على تغميض العينين ، بل اقتصر على ذكر تغميض العينين بدلاً عن الرّكوع والسّجود .

وفي الحدائق : (أنَّ مورد مرسلة محمّد بن إبراهيم الاستلقاء ، ومورد الإيماء بالرأس في الرّوايات المتقدّمة الاضطجاع على أحد الجانبين ، والأصحاب قد رتَّبوا بينهما في كلٍّ من الموضعين ، والوقوف على ظاهر الأخبار أَوْلى ... )[7] .

ويرد عليه : أنَّه ليس في شيءٍ من الأخبار التي وقع التصريح بالإيماء بالرأس إشعار بورودها في خصوص المضطجع ، فضلاً عن الظّهور ، بل قد عرفت أنّ حسنة الحلبي المتقدّمة شاملة بإطلاقها للجالس ، فضلاً عن المضطجع والمستلقي .

وبالجملة ، فإنّ النصوص كما اشتملت على الإيماء بالرأس في المضطجع كذلك أمرت به في المستلقي .

نعم ، الرّوايات الورادة بتغميض العين موردها المستلقي ، إلّا أنّه لا يضرّ بعد وضوح المناط ، وعدم مدخليّة خصوصيّة المستلقي في بدليّته عنهما ، وما فيها من إطلاق الأمر بالتغميض فنزِّل على الغالب من كون الإيماء بالرأس فيه مشقة عليه .

أقول : الرّوايات الواردة بتغميض العين في المستلقي كلّها ضعيفة بالسّند والرّوايات التي أطلق فيها الإيماء منصرفة إلى الإيماء بالرأس .

وعليه ، فالتغميض إنّما ثبت بالتسالم بين الأعلام ، والقدر المتيقّن منه إنّما هو بعد تعذّر الإيماء بالرأس ، فتكون النتيجة هي الترتيب بينهما ، فالمضطجع يجب عليه أوَّلاً الإيماء بالرّأس - وقد عرفت أنّ الرّوايات الواردة بالإيماء بالرّأس ليست مختصّة بالمضطجع ، بل تشمل غيره - فإنَّ تعذَّر فبالتغميض ، والله العالم بحقائق أحكامه .

الأمر الثالث : ذكر جماعة من الأعلام أنَّه متى أومأ للرّكوع والسّجود فَلْيجعل سجوده أخفض من ركوعه ، بل عن المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، وهو مشعر باتّفاق الأعلام عليه.

ومهما يكن ، فقدِ استُدلّ بجملة من الأخبار تقدَّم بعضها :

منها : مرسلة الصَّدوق (رحمه الله) (قال : وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المريض يصلِّي قائماً - إلى أن قال : - وجعل سجوده أخفض من ركوعه) [8] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo