الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/02/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع :القِيام في الصَّلاة (27)
وأمَّا عند النهوض فيظهر من بعض الأعلام ، منهم المصنِّف في الذكرى ، والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد (رحمهما الله) إلحاقه بالقيام ، ولعلَّه لإطلاق قوله (عليه السَّلام) في صحيحة ابن سنان المتقدِّمة (لا تُمسِك بخمرك وأنت تصلّي) ، باعتبار أنّ قوله (عليه السَّلام) : (وأنت تصلّي شامل للنهوض أيضاً) .
وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّ النهوض خارج عن ماهية الصَّلاة ، وهو من المقدِّمات لها ، كما في النهوض للقيام في الركعة الأولى ، فيكفي تحقّقه ولو من غير قصد ، فضلاً عمَّا لو أوجده مستعيناً بشيءٍ .
أضف إلى ذلك : أنَّ ذيل صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة صريح في جواز الاستعانة حال النهوض ، والله العالم .
ومنها : الاستقرار ، إذ المعروف بين الأعلام اعتبار الاستقرار في القيام .
واستدل له بعدّة أدلّة :
منها : أنّه مأخوذ في مفهوم القيام .
وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ المضطرب ، بل الماشي ، يصدق عليه القائم بلا إشكال .
ومنها : رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : لا يقيم أحدكم الصّلاة - إلى أن قال : - وَلْيتمكن في الإقامة ، كما يتمكّن في الصّلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصّلاة )[1] .
والمراد من التمكُّن - بحسب الظاهر - الاستقرار والاطمئنان ، وبما أنَّ اعتباره في الصّلاة أمر مفروغ عنه فأراد الإمام (عليه السَّلام) اعتباره في الإقامة أيضاً ، ولكن على نحو الاستحباب فيها ، لقيام الأدلّة على عدم لزوم الاطمئنان في الإقامة .
وأمَّا في الصَّلاة فيبقى الأمر بالاطمئنان فيها على لزومه ، ولكنّك عرفت سابقاً أنّها ضعيفة بجهالة صالح بن عقبة ، واشتراك سليمان بن صلاح بين الثقة وغيره .
ومنها : معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قال في الرَّجل : يصلِّي في موضع ، ثمَّ يريد أن يتقدَّم ؟ قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتَّى يتقدَّم إلى الموضع الذي يريد ، ثمَّ يقرأ) [2] .
وفيه : أنَّ موردها القراءة ، فتدلّ على اعتبار الاستقرار في القيام حال القراءة ، ولا تدلّ على اعتبار الاستقرار في القيام في جميع أفعال الصّلاة .
ومنها : رواية هارون بن حمزة الغنوي (أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الصّلاة في السّفينة ، فقال : إن كانت محمّلة ثقيلة - إذا قمت فيها لم تتحرك - فصلّ قائماً ، وإن كانت خفيفةً تكفأ فصلّ قاعداً) [3] .
وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة ، لعدم وثاقة يزيد بن إسحاق .
وتوثيق بعض المتأخّرين له كالشّهيد الثاني (رحمه الله) في الدراية ، والعلّامة (رحمه الله) في الخلاصة - حيث صحّح طريق الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) إلى هارون بن حمزة الغنوي ، والذي فيه يزيد بن إسحاق - غير مفيد ، لما عرفت من أنَّ توثيقات المتأخِّرين مبنية على الحدس ، فلا تشملها أدلّة حجّية خبر الواحد .
وثانياً : أنّها لا تدلّ على تقديم الاستقرار جالساً على القيام متحرّكاً حتّى يفهم منها اعتبار الاستقرار في القيام ، إذ المراد من قوله (عليه السَّلام) : (لم تتحرك) أي إنَّها لا تكفأ ، فتدلّ على ترجيح الجلوس بلا انكفاء على القيام مع الانكفاء .
وعليه ، فلا دلالة لها على المطلب ، بل تكون خارجةً عمَّا نحن فيه .
والمراد من تكفأ ، أي إنَّها تكفأ من قام فيها ، لا أنَّها هي تنكفئ ، إذ من المعلوم عدم انقلاب السَّفينة بقيام واحد فيها .
ومنها : الإجماع ، حيث ادَّعى غير واحد الإجماع على اعتبار الاستقرار في القيام .
والظاهر أنَّ اعتبار الاستقرار في القيام أمر متسالم عليه بين الأعلام ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه ، وبما أنَّ التسالم دليل لبِّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو في حال العمد ، فلو أخلّ به سهواً أو اضطراراً ، ولو في حال التكبير فضلاً عن غيره ، لم تبطل صلاته على الأقوى ، والله العالم .
قوله : (ولو عجز عن الانتصاب لمرض أو كبر أو خوف وشبهه صلَّى منحيناً ، ولو إلى حدّ الرّكوع)
قال المصنّف (رحمه الله) في الذّكرى : (أمَّا مَنْ تقوَّس ظهره لبكر أو زمانة ، فإنَّه يجزئه تلك الحالة ، بل يجب عليه القيام كذلك ، ولا يجوز له القعود عندنا)[4] .
أقول : لا إشكال في المسألة ، لأنَّ أدلَّة اعتبار الانتصاب إنَّما هي فيما لو أمكن ذلك ، أي هي شرط في حال الاختيار ، وأمَّا مع الاضطرار فإطلاقات أدلَّة القيام محكمة .
ويدّل عليه بالخصوص صحيحة عليّ بن قطين عن أبي الحسن (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن السّفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلّي فيها ، وهو جالس يؤمي أو يسجد ؟ قال : يقوم وإن حنى ظهره) [5] ، فالمراد من قوله : لم يقدر صاحبها على القيام ، أي القيام مع الانتصاب .
قوله : (ولو عجز عن الإقلال استند)
ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ الأقوى جواز الاعتمد اختياراً .
وأمَّا على القول بالمنع فلا إشكال في الجواز مع الاضطرار ، وفي الجواهر : (نعم ، لا تأمُّل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطيَّة الإقلال ، أمَّا لو اضطر إليه جاز ، بل وجب ، وقدم على القعود بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه من غير فرق بين الآدمي وغيره ، ولا بين خشبة الأعرج ، وغيرها ، لصدق القيام والصَّلاة ، وعدم سقوط الميسور بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ... )[6] .
أقول - بناء على القول بالمنع اختياراً - : يكفي في الحكم بالجواز بعد التسالم بين الأعلام هو كون الجواز طبق القاعدة ، لما عرفت من أنَّ الإقلال ليس مأخوذاً في مفهوم القيام .
وعليه ، فلو قلنا : بأنَّ الأدلَّة منصرفة إلى القيام الاستقلالي ، وقلنا : إنَّ الانصراف مختصّ بحال الاختيار أيضاً ، ففي صورة الاضطرار نتمسَّك بإطلاقات القيام .
ويدلّ عليه بالخصوص أيضاً صحيحة بن سنان المتقدّمة ، حيث ورد في ذيلها : (ولا تستند إلى جدار وأنت تصلّي ، إلَّا أن تكون مريضاً) [7] .
وخبر الراوندي في دعواته (قال : وروي عنهم (عليهم السَّلام) أنَّ المريض تلزمه الصَّلاة إذا كان عقله ثابتاً ، فإن لم يتمكّن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة ... ) [8] ، ولكنَّه ضعيف بالإرسال .