< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(25)

ويرد عليه أيضاً : أنّ لازم ما ذكره هو أنّه لو كبر جالسا ساهياً ، ثمَّ قام وقرأ ، ثمَّ جلس وركع وهو جالس ساهياً لم تفسد صلاته ، لعدم فقد القيام أصلاً ، مع أنَّه لم يلتزم بذلك أحد من الأعلام .

والإنصاف : أنَّ الرُّكن عند أكثر الأعلام هو القيام حال تكبير الإحرام ، والقيام المتّصل بالرّكوع .

وأمَّا القيام في غير هاتين الصورتين فليس بركن ، لأنَّ عمدة ما ذكروه دليلاً للركنيَّة هي ظهور الأدلَّة في اعتبار وجوب القيام مطلقاً ، أي الشَّامل لحال السَّهو .

وفيه : أنَّ قوله (عليه السَّلام) في صحيحة زرارة (لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة ... )[1] حاكم على مثل هذه المطلقات ، حيث يدلّ على صحّة الصّلاة مع الإخلال بكلّ جزء أو شرط غير هذه الخمسة المستثناة .

وعليه ، فهذه الصّحيحة تقيِّد تلك المطلقات بصورة العمد .

وأمَّا القيام حال تكبيرة الإحرام فقد عرفت أنّ تركه عمداً وسهواً يوجب بطلان الصَّلاة ، وهذا من خصائص الركنيَّة ، أما تركه عمدا يوجب البطلان فواضح .

وأمَّا تركه سهواً يوجب البطلان فلما تقدم من موثّقة عمّار ، حيث ورد في ذيلها (وكذلك إن وجبت عليه الصّلاة من قيام فنسيَ حتَّى افتتح الصَّلاة وهو قاعد فعليه أن يقطع صلاته ، ويقوم ، فيفتتح الصَّلاة وهو قائم ، ولا يقتدي ( ولا يعتدي) بافتتاحه وهو قاعد)[2] .

وأمَّا الكلام عن أنَّ القيام ركن مستقلّ فيكون في عرض تكبيرة الإحرام ، أو أنَّه شرط فيها ومقوم لركنيّتها فلا ينبغي الخوض فيه لعدم الفائدة العمليّة .

بقي الكلام في القيام المتّصل بالرّكوع - أي القيام الذي يركع عنه - فقدِ استُدل لركنيّته بدليلين :

الأوَّل : الإجماع المدَّعى في كلام جماعة من الأعلام .

وفيه : أنَّه ليس إجماعاً تعبديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السَّلام) ، أو من المحتمل أن يكون مستند المجمعين هو الدليل الثاني الذي سنذكره ، فيكون إجماعا مدركيّاً أو محتمل المدركيَّة .

أضف إلى ذلك : أنَّه قد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ أدلّة حجيّة خبر الواحد لا تشمل الإجماع المحكي بخبر الواحد .

الدليل الثاني : ما ذكره جماعة من الأعلام منهم النّراقي (رحمه الله) ، وهو أنّ القيام المتّصل داخل في مفهوم الرّكوع ، لأنّه الانحناء عن قيام ، وإلَّا فبمجرد الانحناء غير المسبوق بالقيام ، كما لو نهض متقوّساً إلى هيئة الرّكوع القيامي فلا يطلق عليه الركوع .

وفيه : أنَّ الرّكوع من الجالس ركوع عند العرف لا إشكال .

وبالجملة ، فلا يعتبر القيام في الركوع فلو نهض متقوِّساً حتَّى وصل إلى هيئة الرّكوع القيامي فيسمَّى حينئذٍ ركوعاً حقيقةً ؛ ويظهر ذلك أيضاً من بعض اللغويين كصاحب القاموس .

والخلاصة : أنَّه لم تثبت ركنيّة القِيام المتّصل بالركوع بدليل معتبر .

وعليه ، فبطلان الصّلاة بتركه سهواً مبنيّ على الاحتياط اللزومي ، والله العالم .

المراد بالإقلال أي الاستقلال ، بمعنى أن يكون غير مستند إلى شيء ، بحيث لو رفع السّناد سقط .

ثمَّ اعلم أنَّه يعتبر في القيام عدّة أمور :

منها : الانتصاب .

ويدلّ عليه صحيحتان :

الأُولى : صحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) - في حديث - : وقم منتصباً فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : مَنْ لم يقم صلبه فلا صلاة له)[3] .

الثانية : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : مَنْ لم يقم صلبه في الصَّلاة فلا صلاة له)[4] ، والصّلب - كما في المجمل ومختصر النهاية - هو الظهر ، وفي الحدائق : (هو عظم من الكاهل إلى العجز ، وهو أصل الذنب ... )[5] .

ولا يخفى أنَّ إقامته يستلزم الانتصاب ، وقد حدّه جماعة من الأعلام بأنّه نصب فَقار الظّهر بفتح الفاء ، أي خرزه .

والإنصاف : أنَّ هذه التعاريف لا تخلو من مسامحة ، إذ ليس نصب فَقار الظُّهر هو تمام معنى القيام ، وإلَّا لأشكل عليهم بالجالس فإنّ فقرات ظهره منصوبة .

ومن هنا قيل : إنَّ المرجع في القيام إلى العرف ، كما في سائر الألفاظ التي لم يعلم فيه للشّرع إرادة خاصّة .

وعليه ، فقد يقال : إنّ الانتصاب الذي يراد به نصب فَقار الظَّهر مأخوذ في مفهوم القيام عرفاً ، إذ ليس القيام عرفاً ولغةً إلّا الاعتدال المقابل للانحناء .

ولكن الإنصاف : أنّه ليس مأخوذاً في مفهوم القيام ، إذ هو كالقعود والجلوس والاضطجاع من المفاهيم الواضحة عند العرف ، وصدق القيام على بعض المصاديق غير البالغة حدّ الانتصاب غير قابل للتشكيك أصلاً .

ثمَّ إنَّه لو قلنا : بكونه مأخوذاً في مفهومه إلَّا أنّه في حقّ القادر فقط ، فالشّخص العاجز المنحني بالذات اعتداله واستقامته إنَّما هو بحسب حاله من الإتيان بما يمكنه من القيام ، فهو بالنسبة إليه مصداق حقيقي للقيام ، وإن لم يكن كذلك بالنسبة للقادر .

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ إطراق الرأس لا ينافي الانتصاب ، وفي الجواهر (وأما إطراق الرأس وانحراف العنق يميناً أو شمالاً - كما يفعله بعض الأتقياء - فلا أرى فيه إبطالاً للصَّلاة لِصدق القيام ... )[6] .

ونقل عن أبي الصلاح (رحمه الله) استحباب إرسال الذقن إلى الصّدر ، وذهب الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى القول ببطلان الصَّلاة بالإطراق .

وقد يستدل له بمرسلة حريز عن رجلٍ عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : قلت له : {فصلّ لربّك وانحر } قال النحر : الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره ... )[7] ، فإنّ إقامة النحر تنافي إطراق الرأس ، فإنّه وإن فسّر النحر في اللغة بأعلى الصّدر ولكنَّ المراد بإقامته في المرسلة بحسب الظاهر نصب العنق .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo