< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(24)

قوله : ((درس 39)

وثالثها : القيام ، وهو ركن في الصَّلاة ، أو بدله)[1]

بدل القيام هو الجلوس ، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (الواجب الثالث : القيام ، وإنَّما أُخِّر عن النيَّة والتكبير ليتمحضّ جزءاً من الصَّلاة ، إذ هو قبلهما شرط محض ، وفي أثنائها متردّد بين الشَّرط والجُزء ... )[2] .

ثمَّ إنَّه لا ريب في وجوب القيام ، ويدلّ عليه الإجماع والكتاب والسّنة :

أمَّا الإجماع : فقدِ استفاض نقله ، بل لا يبعد تواتر نقله في المقام ، بل في الواقع هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه .

وأمَّا الكتاب العزيز : فقوله تعالى : {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ... }[3] المفسَّرة في الأحاديث الشَّريفة بأنَّ الصَّحيح يصلّي قائماً :

منها : حسنة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (في قول الله عزوجل : {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} قال : الصَّحيح يصلّي قائماً وقعوداً ، المريض يصلّي جالساً ، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلِّي جالساً)[4] .

ومنها : ما رواه عليّ بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه ، نقلاً من تفسير النعماني بإسناده عن عليٍّ (عليه السَّلام) - في حديثٍ قال فيه - : (وأمَّا الرّخصة فهي الإطلاق بعد النهي - إلى أن قال : - ومثله قوله عزّوجل : {فإذا قضيتم الصَّلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم} ، ومعنى الآية أنَّ الصّحيح يصلّي قائماً والمريض يصلّي قاعداً ، ومَنْ لم يقدر أن يصلّي قاعداً صلّى مضطجعاً ويُومِئ بإيماء ، فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة) [5] .

ولكن الإسناد ضعيفة بجهالة أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ، وضعيف أيضاً بالحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، وبأبيه عليّ .

ومنها : ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : سمعته يقول في قول الله : {الذي يذكرون الله قياما الأصحاء وقعودا المرضى ، وعلى جنوبهم قال : أعلّ ممَّن يصلِّي جالساً وأوجع) [6] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

وأمَّا السُّنة فعدَّة من الرّوايات :

منها : صحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) - في حديثٍ - وقم منتصباً فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : مَنْ لم يقم صلبه فلا صلاة له) [7] .

ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : مَنْ لم يقم صلبه في الصَّلاة فلا صلاة له) [8] .

ثمَّ المعروف بين الأعلام أنَّ القيام ركن في كلّ ركعة من ركعات الصَّلاة ، فمَنْ أخلّ به فيها ، فجاء بها بدونه عمداً أو سهواً بطلت صلاته ، وفي الجواهر : (إجماعاً محصّلاً ومنقولاً مستفيضاً أو متواتراً ... )[9] .

ثمَّ إنَّه اختلفوا في تعيين الموضع الركني من القيام ، فحكي عن العلَّامة (رحمه الله) الحكم بركنيَّته كيف اتّفق ، وفي المواضع التي لا تبطل بزيادته يكون مستثنى بالنصّ كغيره ، وقيل : إنَّ الرُّكن منه ما اتصل بالرُّكوع ، وحكي عن المصنّف (رحمه الله) في بعض فوائده : (أنّه تابع لِمَا وقع فيه ، فالقيام إلى النيّة شرط ، والقيام في النيّة مردّد بين الركن والشّرط ، كحال النية ، والقيام في التكبير ركن كالتكبير ، والقيام في القراءة واجب غير ركن ، والقيام المتّصل بالركوع - وهو الذي يركع عنه - ركن قطعاً والقيام من الرّكوع واجب غير ركن والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب) .

ووافقه جماعة من الأعلام ، منهم الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في جملة من كتبه ، قال (رحمه الله) في الروض : (واعلم أنَّ إطلاق القول بركنيّة القيام - بحيث تبطل الصَّلاة بزيادته ونقصانه سهواً - لا يتمَّ لأنَّ القيام في موضع القعود وعكسه سهواً غير مبطل اتفاقاً ، بل التحقيق أن القيام ليس بجميع أقسامه ركناً ، بل هو على أنحاء)[10] ، ثمَّ ذكر ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في بعض فوائده .

أقول - قد أشرنا سابقاً - : إنّه لا يوجد لفظ الرّكن في الرّوايات ، وإنّما هو اصطلح صدر من الأعلام بعد ملاحظة الأدلّة .

وعليه ، فتفسيره بما تبطل به الصّلاة بزيادته ونقصانه عمداً وسهواً في غير محلّه ، إذ لا تبطل صلاة من قيام في محلّ القعود سهواً مثلاً ، ولا من نسي القراءة فركع ، حيث فاته القيام مقدار وقعت القراءة ، أو قرأ وهو جالس ، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ الزَّيادة غير معتبرة في مفهوم الرّكن عند كثير من الأعلام .

قال المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر في مبحث التسليم : (إنَّما نعني بالرّكن ما تبطل الصّلاة بالإخلال به عمداً وسهواً)[11] ، وقال الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوضة : (ولم يذكر المصنِّف حكم زيادة الرّكن مع كون المشهور أنّ زيادته على حدّ نقيصته تنبيهاً على فساد الكليّة في طرف الزيادة لتخلّفه في مواضع كثيرة لا تبطل بزيادته سهواً ... )[12] ، قال في الجواهر : (ويمكن أن يقال هنا : إنّ المراد بزيادة الرّكن المبطلة أن يراد تمام الركن كالرّكوع والسّجدتين ، بناءً على أنَّ المراد مجموع القيام ركن ، إذ لا يحصل حينئذٍ إلَّا بزيادة تمام القيام حتّى المتّصل منه بالرّكوع وحده ، أو مع التكبير المستلزم لزيادتهما ، وإلَّا ففي الفرض زيادة قيام لا القيام المحكوم بركنيّته ، وأمَّا النقيصة فقد سمعت أنَّ المراد بقولنا القيام ركن نحو قولهم السُّجود ركن والرّكوع ركن ، أي إذا فقدت الرّكعة القيام أصل أو الرّكوع أصلاً أو السّجود أصلاً بطلت الصَّلاة ، وهو كذلك هنا إجماعاً محصّلاً ومنقولاً ، إذ من سها وركع من جلوس بلا قيام أصلاً بطلت صلاته عمداً وسهواً وإن كان في حال الرّكوع قام منحنيّاً ... )[13] .

ويرد عليه : أنَّه لا إشكال في عدم بطلان الصَّلاة بزيادة تمام القيام حتَّى المتّصل منه بالرّكوع ما لم يستلزم زيادة الرّكوع .

ويدلّ على ما قلناه وجوب تدارك القراءة والسّجدة المنسيتين ما لم يركع ، فإنَّه يجب عليه ذلك ، وإن هوى إلى الرّكوع ، ولم يبلغ حدّه ، مع أنَّه لم يترك في الفرض شيئاً من القيام المعتبر في الرّكعة إلَّا وقد أتى به ، وعند تدارك السجدة المنسيّة تتحقّق زيادة جميعه حتّى القيام المتّصل بالرّكوع بأن هوى إلى الرّكوع ، ولم يبلغ حدّه .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo