< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/02/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(23)

= ومن هنا نصّ الأعلام على أنّ دعاء التوجُّه بعدها ، وقد عرفت سابقاً أنَّ المستفاد من الرِّوايات أنَّ تكبيرة الإحرام لها عنوان خاصّ به تمتاز عمَّا عداها ، وهو عنوان الإحرام والافتتاح ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (يكبِّر ثلاثاً ويدعو ، ثمَّ اثنتين ويدعو ، ثمَّ اثنتين ويتوجَّه)[1]

 

أي يقرأ دعاء التوجُّه ، ويدلّ على ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا افتتحت الصَّلاة فارفع كفَّيك ثمَّ ابسطهما بسطاً ، ثمَّ كبِّر ثلاث تكبيرات ، ثمَّ قل : اللهمّ أنت الملك الحقّ لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي ، إنَّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت ، ثمّ تكبّر تكبيرتين ، ثمَّ قل لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، والشّرّ ليس إليك ، والمهدي من هديت ، ولا ملجأ فيك إلّا إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت ، ثمّ تكبّر تكبيرتين ، ثمَّ تقول : وجهت وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض ، عالم الغيب والشَّهادة حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، ثمَّ تعوَّذ من الشَّيطان الرجيم ، ثم اقرأ فاتحة الكتاب) [2] ، ولبيك : أي إجابتي لك يا رب ! ، ولم يستعمل إلَّا على لفظ التشبيه في معنى التكرير ، أي إجابة بعد إجابة ، وسعديك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة ، أو إسعاد بعد إسعاد .

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : يجزيك في الصَّلاة من الكلام في التوجّه إلى الله أن تقول : وجّهت وجهي للذي فطر السّماوات والأرض على ملّة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، ويجزيك تكبيرة واحدة) [3] .

وروى السَّيد عليِّ بن طاووس (رحمه الله) في فلاح السَّائل : (رويت بعدّة طرق إلى هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن معمّر عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن ابن أبي نجران عن الرّضا (عليه السَّلام) (قال : تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كلّ صلاة : اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التامّة والصّلاة القائمة بلّغ محمّداً (صلى الله عليه وآله) الدّرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، وبالله أستفتح وبالله أستنجح ، وبمحمّد رسول الله وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) أتوجّه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين) [4] .

وفيه : أنَّها ضعيفة ، إذ لم يذكر طريقه إلى هارون ، فهي كالمرسلة .

وذكر أيضاً في فلاح السَّائل ما رواه بن أبي عمير عن بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) - في حديث هذا المراد منه - قال : (قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) لأصحابه من أقام الصَّلاة ، وقال - قبل أن يحرم ويكبّر - : يا محسن ! قد أتاك المسيء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء وأنت المحسن وأنا المسيء ، فبحق محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني ، فيقول الله تعالى : ملائكتي اشهدوا أنّي قد عفوت عنه و، أرضيت عنه أهل تبعاته) [5] ، وهو ضعيف أيضاً بالإرسال ، أو شبه الإرسال ، لعدم ذكر طريقه إلى ابن أبي عمير .

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (إنه قد ورد هذا الدّعاء عقيب السّادسة) ، إلّا أنّه لم يذكر فيه (فبحق محمد وآل محمد ) وإنّما فيه (وأنا المسيء فصلّ على محمد وآل محمّد ... )[6] انتهى .

 

قوله : (وروي إحدى وعشرون )

كما في صحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) : إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ، ثمَّ نسيت التكبير كلّه ، ولم تكبّر ، أجزأك التكبير الأوَّل عن تكبير الصَّلاة كلّها) [7] .

 

قوله : (ويجوز الولاء )

أي ذكر التكبيرات بلا دعاء بينها ، ففي موثَّقة زرارة أو صحيحته (قال : رأيتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) - أو قال سمعته - استفتح الصَّلاة بسبع تكبيرات ولاءً) [8] .

 

قوله : (والاقتصار على خمس أو ثلاث )

يستفاد ذلك من بعض الرّوايات :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : أدنى ما يجزي من التكبير في التوجُّه إلى الصَّلاة تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات ، وخمس ، وسبع أفضل) [9] .

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا افتتحت الصَّلاة فكبّر إن شئت واحدة ، وإن شئت ثلاثاً ، وإن شئت خمساً ، وإن شئت سبعاً ، وكل ذلك مجزٍ عنك غير أنَّك إذا كنت إماما لم تجهر إلَّا تكبيرة) [10] ، ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة ، وبجهالة القاسم بن محمّد الجوهري .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : التكبيرة الواحدة في افتتاح الصَّلاة تجزي ، والثلاث أفضل ، والسَّبع أفضل كلّه) [11] .

 

قوله : (والتوجّه عام في جميع الصَّلوات حتَّى النوافل )

المعروف بين الأعلام عدم اختصاص استحبابها في اليوميّة ، بل تستحبّ في جميع الصّلوات الواجبة والمندوبة ، خلافاً لبعض الأعلام ، كالسّيد المرتضى (رحمه الله) في المسائل المحمديّة ، حيث خصّها بالفراض دون النوافل ، وخلافاً أيضاً لصاحب الحدائق (رحمه الله) ، حيث خصّها بالفرائض اليوميَّة .

والإنصاف : ما عليه الأعلام من الشّمول لجميع الصّلوات الواجبة والمندوبة لإطلاق بعض الأخبار ، والتي منها صحيحة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : أدنى ما يجزي من التكبير في التوجّه إلى الصَّلاة تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات ، وخمس ، وسبع أفضل) [12] ، وهي مطلقة تشمل جميع الصّلوات .

ومنها : رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا افتتحت الصَّلاة فكبّر إن شئت واحدةً ، وإن شئت ثلاثاً ، وإن شئت خمساً ، وإن شئت سبعاً ، وكل ذلك مجزٍ ... ) [13] ، ولكنّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني ، وبجهالة القاسم بن محمّد الجوهري .

وأمّا القول : بأنّ الإطلاق في الرّوايات منصرف إلى الفرائض بل خصوص اليومية منها .

ففيه : أن بدوي يزول بالتأمل .

 

قوله : (ولا يختصّ بالمواضع السَّبعة على الأصحّ)

المواضع السَّبعة هي كلّ صلاة واجبة ، وأوَّل ركعة من صلاة الليل ومفردة الوتر ، وأوَّل ركعة من صلاة الإحرام والوتيرة ، وأوّل ركعة من نافلة الظّهر ، وأوّل ركعة من نافلة المغرب .

هذا ، وقد حكي القول بالاختصاص بالمواضع السّبعة عن الشيخين والقاضي والعلَّامة في التحرير والتذكرة (رحمهم الله) .

وقد يستدلّ لذلك بما في الفِقه الرَّضوي قال : (ثمَّ افتتحِ بالصَّلاة ، وتوجّه بعد التكبيرة ، فإنَّه من السنَّة الموجبة في ستّة صلوات ، وهي أوَّل ركعة من ركعتي الإحرام ، وأوَّل ركعة من نوافل المغرب ، وأوَّل ركعة من ركعتي الزّوال ، وأوَّل ركعة من ركعتي الإحرام ، وأوَّل ركعة من ركعات الفرائض) [14] .

وفيه أوَّلاً - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : من عدم ثبوت الكتاب للرّضا (عليه السَّلام) ، بل لعله فتاوى لابن بابويه (رحمه الله) .

وثانياً : أنّه يحتمل قويّاً أن يراد بالتوجّه بعد التكبير هو دعاء التوجه ، أعني قوله : (وجهت وجهي للذي فطر السّماوات والأرض ... ) لا توجّه بمعنى تكبيرات الافتتاح ، فتكون خارجة عن محلّ الكلام .

أضف إلى ذلك أنّها اقتصرت على ستّة مواضع ، حيث لم يذكر فيها الوتيرة .

وقد يستدلّ أيضاً : بما رواه ابن طاووس (رحمه الله) في فلاح السّائل بإسناده عن زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجّه والتكبير ، في الزَّوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوّع أن تكبّر تكبيرةً لكلّ ركعتين) [15] .

وفيه أوَّلاً : أنّه ضعيف السَّند بمحمَّد بن الحسن بن شمون .

مضافاً لِمَا تقدَّم من عدم ذكر ابن طاووس (رحمه الله) طريقه إلى هارون بن موسى .

وثانياً : أنَّه ضعيفة الدَّلالة ، لاحتمال كون المراد من التوجّه هو دعاء التوجّه ، لا تكبيرات الافتتاح .

وثالثاً - لو قطعنا النَّظر عن كلّ ذلك - : فإنَّ المذكور في الرّواية ثلاثة مواضع فقط ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo