الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/02/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(22)
وأمَّا قوله (عليه السَّلام) في ذيل الصَّحيحة (فجرت بذلك السُّنة) فهو ناظر إلى أصل تشريع السَّبع ، وليس ناظراً إلى الكيفيَّة المذكورة في القضيَّة في وقوع الافتتاح بالأُولى ، ولا أقلّ من احتمال ذلك المانع من صحّة الاستدلال به ، والله العالم .
مع معارضتها ببعض النصوص المعلّلة للسَّبع باختراق الحجب وغيره ، مثل رواية هشام بن الحكم المرويَّة في العِلل عن أبي الحسن موسى (عليه السَّلام) (قال : قلتُ له : لأيّ علَّة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل - إلى أن قال : - قال : يا هشام ! إنَّ الله خلق السَّماوات سبعاً والأرضين سبعاً ، فلمَّا أُسري بالنَّبيّ (صلى الله عليه وآله) فكان من ربَّه كقاب قوسين أو أدنى رُفِع له حجاب من حجبه ، فكبَّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجعل يقول الكلمات التي تُقال في الافتتاح فلمَّا رُفع له الثاني كبَّر ، فلم يزل كذلك حتَّى بلغ سبعَ حجبٍ ، فكبَّر سبع تكبيرات ، فلذلك العلَّة يكبَّر للافتتاح في الصَّلاة سبع تكبيرات)[1] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص .
وفي رواية الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السَّلام) (قال : إنَّما صارت التكبيرات في أوَّل الصَّلاة سبعاً لأنَّ أصلَ الصَّلاةِ ركعتان ، واستفتاحهما بسبع تكبيرات تكبيرة الافتتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتي السَّجدتين ، وتكبيرة الرُّكوع في الثانية ، وتكبيرتي السَّجدتين ، فإذا كبَّر الإنسان في أوَّل الصَّلاة سبع تكبيرات ، ثمَّ نسي شيئاً من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته) [2] ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ إسناد الصَّدوق (رحمه الله) إلى الفضل بن شاذان فيما رواه عن الرِّضا (عليه السَّلام) ضعيفة بجهالة أكثر من شخص .
والخلاصة : أنَّ ما ذهب إليه صاحب الحدائق (رحمه الله) ليس بتامّ .
وأمَّا القول بتعيُّن الأخيرة فقدِ استُدلّ له ببعض الرِّوايات :
منها : الأخبار المتضمنة لإخفات الإمام بستّ والجهر بواحدة ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إذا كنت إماماً فإنَّه يجزيك أنْ تكبِّر واحدة ، وتسرّ ستّاً) [3] ، وكذا غيرها .
ومن المعلوم أنَّ النَّبيّ التي يجهر بها هي تكبيرة الإحرام لإعلام المأمومين الدّخول في الصَّلاة ، والظاهر أنّها الأخيرة ، لأنَّه لو كان يقدِّم تكبيرةَ الإحرامِ لم يكن وجه لسرّه الباقي ، لأنَّ التكبيرات المتأخِّرة تكون من الصَلاة ، والسّرّ بها منافِ لما دلّ على استحباب إسماع الإمام المأمومين كلّ ما يقوله في الصَّلاة - وقد تقدَّمت الرِّواية الدَّالة على ذلك - وهذا بخلاف ما لو أخّر تكبيرة الإحرام ، فإنَّه لا يلزم منه تخصيص عموم استحباب إسماع الإمام المأمومين كلّ ما يقوله في الصَّلاة ، لأنَّ التكبيرات المتقدِّمة على تكبيرة الإحرام تكون خارجةً عن الصَّلاة .
وعليه ، فأصالة عدم التخصيص مقدّمة ، وبها يحكم بكون التكبيرة الأخيرة هي تكبيرة الإحرام .
وفيه : أنَّه لا يمكن التمسُّك هنا بأصالة عدم التخصيص - أي العموم - لأنَّ أصالة العموم مستفادة من الأوضاع اللغوية ، ومرجعها إلى الظُّهورات ، ودليل حجيتها سيرة العقلاء ، وهو دليل لُبّي يقتصر فيه على القدر المتيقَّن ، وهو حال إحراز العنوان ، إذ لم يعلم استقرار سيرتهم على العلم بكلّ اللوازم ، فلو ورد أكرم كلّ عالم ، وأحرزنا عالميَّة زيد ، ولكن شككنا في مراد المولى ، وأنَّه هل يريد إكرام حصّة خاصَّة من العلماء ليس زيد من أفرادها ، أم يريد إكرامهم جميعاً ، فهنا نتمسَّك بأصالة العموم .
أمَّا في صورة الشكّ في كيفيَّة الإرادة مع العلم بالمراد ، وهو عدم إكرام زيد ، ولكن في أنَّ عدم إكرامه لجهالته ، أم لا فلا يمكن التمسُّك بالعموم ، وبالتالي نفي العالميَّة عن زيد .
وبالجملة ، فإنَّ ما قِيل من أنَّ مثبتات الأمارات حجّة في مدلولها الالتزامي إنَّما هو لو كان الدليل على حجّيتها دليلاً لفظيّاً ، لا ما إذا كان الدليل عليها لبيِّنةٍ ، كما فيما نحن فيه .
وفي المقام لا شكّ في الحكم ، لأنّنا نعلم بإخفات الستّ ، وأنّها خارجة عن دليل الإجهار بها في الصّلاة ، ولكنّنا نشكّ في أنّها من الصّلاة كي يكون خروجها عن ذلك الدّليل من باب التخصيص ، أم ليس منها ، لكون التكبيرة الأخيرة هي تكبيرة الإحرام ، فيكون خروجها من باب التخصُّص .
وعليه ، فلا يصحّ التمسّك بأصالة عموم ما دلّ على إسماع الإمام المأمومين كلّ ما يقوله في الصَّلاة لإثبات كون التكبيرة الأخيرة هي تكبيرة الإحرام .
ومن جملة الأدلّة على تعيّن الأخيرة مرسلة الفقيه (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتمّ النَّاسِ صلاةً وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر ، بسم الله الرحمان الرحيم) [4] .
وفيها أوَّلاً : أنَها ضعيفة بالإرسال .
وثانياً : لا دلالة فيها على تعدّد التكبير ، بل لو سلّمنا الدّلالة على التعدّد ، وأنّ الإخفات كان قبل التكبير الذي يجهر به ، إلَّا أنها حكاية لفعل مجمل .
ومن جملة الأدلّة ما في الفِقه الرّضوي (واعلم أنَّ السَّابعة هي الفريضة ، وهي تكبير الافتتاح ، وبها تحريم الصَّلاة) [5] .
وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : أنَّ كتاب الفِقه الرضوي لا يصلح للاستدلال به ، لِعدم ثبوت كونه رواية عن الإمام (عليه السَّلام) ، بل لعلّ الثابت كونه فتاوى لوالد الصّدوق (رحمه الله) .
والخلاصة إلى هنا : أنَّ القول بتعيّن الأخيرة ليس بتام ، والله العالم .
وقدِ اتَّضح من بطلان الأقوال المتقدّمة صحّة القول بالتخيير الذي هو المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة ، بل بعض الأعلام نفي الخلاف فيه .
ويدلّ عليه : إطلاقات الأمر بالتكبير وافتتاح الصَّلاة به ، حيث لم يتقيد بالسّبق على الستّ ، ولا اللحوق بها .
ويدلّ عليه أيضاً : روايات استحباب الجهر بالواحدة للإمام ، والسرّ بالستّ ، ومن المعلوم أنَّ التي يجهر بها هي تكبيرة الإحرام لإعلام المأمومين الدّخول في الصَّلاة .
ومن هنا اتَّفق الأعلام على استحباب الجهر بها .
ومقتضى ظهورها في الإطلاق عدم الفرق في إيقاع تلك التكبيرة مسبوقةً بالستّ أو ملحوقةً أو متخللةً .
نعم ، الأفضل جعلها الأخيرة .
ومن هنا صرّح جماعة من الأعلام الأجلاء - ومنهم المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى - باستحباب جعلها الأخيرة .
وقد يظهر ذلك من حسنة الحلبي الآتية المشتملة على دعاء التوجّه الظّاهرة بكون الأخيرة تكبيرة الإحرام .