الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/01/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : التكبيرة في الصَّلاة(16)
وأمَّا بالنسبة للصغرى فهو أنَّه قد لا يتحقَّق عنوان التشريع في المقام ، كما لو أتى بها ثانيةً من باب الاحتياط والرَّجاء ، أي أرجو من الله تعالى أن تكون التكبيرة الثانية مطلوبةً لاحتمال بطلان الأُولى واقعاً .
وعليه ، فقصد الاحتياط والرَّجاء ينافي التشريع .
والخلاصة : أنَّ ما ذكره الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) ليس بتامّ .
ثمَّ إنَّه قدِ استدلّ المحقق الهمداني (رحمه الله) لبطلان زيادتها مطلقاً بعدم بقاء الهيئة الاتصاليَّة المعتبرة في الصَّلاة .
وحاصله : أنَّ التكبيرة الثانية (لا تقع بقصد الافتتاح إلَّا بعد رفع اليد عن الأُولى والعزم على استئناف الصَّلاة ، وهذا العزم وإن لم نقل بكونه من حيث هو موجباً لبطلان الأجزاء السَّابقة ، وإلَّا لاتَّجه صحَّة الثانية كما سنشير إليه ، ولكنِ اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استيناف الصَّلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتصاليَّة المعتبرة في الصَّلاة بين التكبيرة الأولى وبين ما بعدها بنظر العرف ، كما هو الشَّأن في جميع الأفعال العاديَّة التي يعتبر في صدق كونه عرفاً فعلاً واحداً بقاء الهيئة الاتصاليَّة - إلى أن قال : - وقد جعل الأصحاب نظر العرف مناطاً في الفعل الكثير الماحي لصورة الصَّلاة ؛ ومن الواضح أنَّ إعادة تكبير الإحرام التي هي عبارة عن اسئناف الصَّلاة أشدّ تأثيراً لدى العرف في محو الصَّلاة القائمة بالأُولى مع ما بعدها من تأثير ، مثل الطفرة ونحوها ممَّا مثَّلوا بها لمحو الصَّورة ...)[1] .
وفيه : أنَّ الإتيان بالتكبيرة ثانياً مع العزم على رفع اليد عن الأولى لا يكون مانعاً عن بقاء الهيئة الاتصاليَّة ، لا يكون ماحياً لصورة الصَّلاة .
والغريب أنَّه جعل الإتيان بالتكبيرة الثانية أشدّ تأثيراً في محو صورة الصَّلاة من الطَّفرة ونحوها ، مع أن!ًه لا يصدق المحو عند العرف إلَّا بالفعل الكثير الخارج عن ماهية الصَّلاة ، أو الفصل الطويل بين الأجزاء الماحي للصُّورة ، كما لو كبَّر ، ثم بعد عشرين دقيقة قرأ ، وهكذا .
وأمَّا مجرد التكبيرة الثانية مع العزم على رفع اليد عن الأُولى لا يكون ماحياً لصورة الصَّلاة وإلَّا لزم منه الالتزام بذلك في سائر موارد تكرار الأجزاء الصلاتيَّة من الأفعال والأقوال ، لا سيَّما إذا صدرت منه غفلةً ، مع أنَّه لا يمكن الالتزام بذلك .
والإنصاف : أنَّه لا إشكال في بطلان الصَّلاة إذا أتى بها مرةً ثانيةً بقصد الجزئيَّة ، وذلك للتسالم بين الأعلام من جهة .
ومن جهة أخرى لموثَّقة أبي بصير (قال : قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) من زاد في صلاته فعليه الإعادة)[2] ، هذا إذا أتى بها بقصد الجزئيَّة .
وأمَّا إذا أتى بها احتياطاً وبقصد الرَّجاء فلا إشكال حينئذٍ لعدم صدق الزيادة حينئذٍ ، هذا كلّه إذا أتى بها عمداً .
وأمًّا لو أتى بها مرةً ثانيةً سهواً فالإنصاف حينئذٍ : عدم البطلان ، وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (أنَّه قال : لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسةٍ الطَّهور والوقت والقبلة والرُّكوع والسُّجود ... ) [3] [4] ، وزيادة تكبيرة الإحرام سهواً داخلة في المستثنى منه .
وهذه الصَّحيحة حاكمة على موثَّقة أبي بصير (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) ، وموجبة لتخصيص البطلان بالزيادة العمديَّة ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (ولا يجوز مدّ همزة الله فيصير استفهاماً)[5]
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (ولو مدَّ همزة (الله) صار بصورة الاستفهام ، فإن قصده بطلت الصَّلاة وإلَّا ففيه وجهان ، البطلان لخروجه عن صيغة الأخبار ، والصّحَّة لأنَّ ذلك كإشباع الحركة ، والأوَّل أولى)[6] .
أقول : لا يخلو الثاني من وجه ، لأنَّه قد ورد الإشباع في الحركات إلى حيث ينتهى إلى الحروف في لغة العرب ، ولم يخرج بذلك عن الوضع .
وعليه ، فلا يكون لحناً ، وفي الحدائق : (أنَّ الإشباع بحيث يحصل به الحرف شايع في لغة العرب ... ) .
إلَّا أنَّ الإنصاف : هو الجواز إذا لم يصل إلى حد الحرف ، والله العالم .
قوله : (ولو مدَّ باء أكبر فيصير جمع كبَّر)
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (ويأتي بلفظ أكبر على زنة أفعل ، فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كبر - بفتح الكاف والباء - وهو الطبل له وجه واحد ، فإن قصده بطلت ، وإلَّا فالوجهان ، أمَّا لو كان الإشباع يسيراً لا يتولّد منه ألِف لم يضرّ) .
أقول : قد عرفت أنَّه مع عدم القصد لا يضرّ الإشباع ، لأنَّه شايع في لغة العرب ، ويشهد له سيرة المؤذّنين .
نعم ، لا إشكال في أنَّ الأَولى ترك الإشباع .
نعم ، إذا تولَّد منه حرف فالأقرب هو المنع .
قوله : (ولا وصل الهمزيتن فيهما)
قد تقدَّم أنَّه يجوز وصل التكبيرة بما سبقها من الدُّعاء أو لفظ النيَّة ، كما يجوز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما ، وإن كان الأَولى الترك ، والله العالم .
قوله : (ويستحبّ فيها أن يرفع يديه حال التكبير)
المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للمصلِّي أن يرفع يديه عند التكبير ، وفي الجواهر : (على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً ، بل نفي الخلاف بين العلماء عن المعتبر ، وبين أهل العلم عن المنتهى ، وبين علماء أهل الإسلام عن جامع المقاصد ، بل عن الآمالي أنَّ من دين الإماميَّة الإقرار به ... )[7] .
وحُكي عن السَّيد المرتضى (رحمه الله) وجوبه في جميع تكبيرات الصَّلاة مدعياً عليه إجماع الطَّائفة ، قال في محكي الانتصار : (وممَّا انفردت به الإماميَّة القول بوجوب رفع اليدين في كلّ تكبيرات الصَّلاة ، لأنَّ أبا حنيفة وأصحابه والثوري لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلَّا في الافتتاح للصَّلاة - إلى أن قال : - والحجَّة فيما ذهبنا إليه طريقة الإجماع وبراءة الذمَّة )[8] .