< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التكبيرة في الصَّلاة (15)

 

ويدلّ عليه : في خصوص المأموم صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قال : في الرجل إذا أدرك الإمام ، وهو راكع ، وكبر الرَّجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام برأسه ، فقد أدرك الركّعة)[1] ، ومفهومها أنَّ مَنْ كبَّر ، ولم يقم صلبه ، وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ، فهو غير مدرك للرِّكعة .

ومعنى ذلك هو بطلان الصَّلاة ، ونحوها رواية أبي أسامة زيد الشحَّام (أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرَّجل انتهى إلى الإمام وهو راكع ، قال : إذا كبَّر وأقام صلبه ، ثمَّ رَكَع فقد أدرك)[2] ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ في طريق الشَّيخ (رحمه الله) إلى أبي أسامة أبا جميلة المفضَّل بن صالح ، وهو ضعيفة .

ثمَّ إنَّه يستفاد من إطلاق النصوص المتقدِّمة أيضاً عدم الفرق في الحكم بين العمد والنسيان ، فلو ترك القيام في تكبير الإحرام عمداً أو سهواً بطلت صلاته ، وهذا من خصائص الرُّكن .

ويدلّ عليه في خصوص النسيان موثَّقة عمَّار - في حديث - (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ وجبت عليه صلاة من قعودٍ ، فنسي حتَّى قام وافتتح الصَّلاة ، وهو قائم ، ثمَّ ذكر ، قال : يقعد ويفتتح الصَّلاة وهو قاعد ، ولا يعتد بافتتاحه الصَّلاة وهو قائم ، وكذلك إن وجبت عليه الصَّلاة من قيام ، فنسي حتَّى افتتح الصَّلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ، ويقوم فيفتتح الصَّلاة وهو قائم ، ولا يقتدي (ولا يعتدي) بافتتاحه وهو قاعد)[3] .

قوله : (ولو نوى بها الافتتاح والرُّكوع بطلت ، إلَّا على رواية)[4]

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (يشترط القصد إلى الافتتاح ، فلو قصد به تكبير الرُّكوع أو لم يقصد أحدهما بطل ، ولو قصدهما معاً - كما في المأموم - فالإجزاء مذهب ابن الجنيد والشَّيخ في الخلاف محتجّاً بإجماعنا ،[5] ورواه معاوية بن شريح عن الصَّادق (عليه السَّلام) (إذا جاء الرَّجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع)[6] ، ويمكن حمل كلام الشَّيخ والرِّواية على أنَّ المراد سقوط تكبير الرُّكوع هنا ، ويكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عن الرُّكوع ، لا على أنَّ المصلِّي قصدهما معاً ، لأنَّ الفعل الواجد لا يكون له جهتا وجوبٍ وندبٍ ... ).

أقول : المشهور بين الأعلام هو عدم صحة قصدهما معاً لأنَّ الفعل الواحد لا يتَّصف بالوجوب والاستحباب.

وأمَّا دعوى الإجماع على الصّحَّة ، كما عن الشَّيخ في الخلاف ، ففي غير محلِّها ، إذ كيف يتحقّق الإجماع مع ذهاب المعظم إلى الخلاف ، مع أنَّك قد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ؟

وأمَّا الرِّواية المشار إليها فهي ضعيفة بطريق الشَّيخ (رحمه الله) بجهالة عبد الله بن معاوية بن شريح وأبيه ، كما أنها ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بجهالة معاوية بن شريح .

نعم ، رواها البرقي في المحاسن بطريق معتبر ، وهي موثقة ، حيث رواها عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضَّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمَّار ، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ، وأمَّا الموجود في الوسائل من أنَّ البرقي رواها عن أحمد بن الحسين عن عليّ بن فضَّال ... ) ، فهو اشتباه .

ثمَّ إنَّه لا بأس بالتأويل الذي ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى ، لعدم صحة الأخذ بظاهرها ، لأنَّ التكبيرات الواردة في الصَّلاة من قبيل التكاليف المسبَّبة .

 

ثمَّ إنَّه لا بأس بالتأويل الذي ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى ، لعدم صحة الأخذ بظاهرها ، لأن التكبيرات الواردة في الصَّلاة من قبيل التكاليف المسبَّبة عن الأسباب المختلفة التي يعتبر تعيينها بالقصد في مقام الإطاعة ، وحينئذٍ لو قصدهما معاً فالأقرب عدم تحرمه بالصَّلاة ، لعدم تمحُّض القصد إليها ولا تنعقد صلاته نَفْلاً أيضاً لعدم نيَّته .

اللهمَّ إلَّا أن يُقال : إنَّه لا مانع من الإتيان تكبيرة واحدة للافتتاح وللرُّكوع ، لأنَّ الأصل وإن كان عدم تداخل المسبَّب مع اختلاف الأسباب إلَّا أنَّ الرِّواية المشار إليها دلَّت على التداخل ، كما في تداخل الأغسال .

وقد مال إلى المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى ، وقد عرفت ما هو الصَّحيح ، ولا أقلّ من أنَّ الاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بذلك ، والله العالم .

    

قوله : (ولو كبَّر ثانياً للافتتاح بطلت وصحَّت الثالثة ، وهكذا كلّ فرد صحيح ، وكلّ زوج باطل ، إلَّا أن ينوي الخروج فيصحّ ما بعده)[7]

المشهور بين الأعلام أنَّه لو كبَّر ونوى الافتتاح ، ثمَّ كبر ونوى الافتتاح ، بطلت صلاته ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخِّرين ، كما اعترف به بعضهم صريحاً وآخر ظاهراً ... )[8] ؛ ويظهر من كثير من العلماء أنَّه لا فرق في الحكم بين العامد والناسي .

وقد يُستدلّ للبطلان مطلقاً : بأنَّ تكبيرة الإحرام ركن ، وقد فسِّر الرُّكن بما تقدَّم زيادته عمداً وسهوا ً، كنقيصته.

وفيه : أنَّ هذا التفسير غير ثابتٍ لاختلافهم في تفسير الرُّكن ، بل فسَّره جماعة من الأعلام بما كان نقصه عمداً وسهواً موجباً للبطلان من دون تعرُّض لزيادته .

وعليه ، فالاستدلال على المسألة بالإجماع على أنَّ تكبيرة الإحرام ركن ، وأنَّ الرُّكن وإن كان نقصه وزيادته عمداً وسهواً موجباً للبطلان ليس بتامّ .

وإنَّما القدر المسلّم الذي يمكن دعوى الاتفاق عليه إنَّما هو كونه ركناً ، بمعنى كون نقصه عمداً وسهواً موجباً للبطلان ، وأمَّا كون زيادته كذلك فلا .

نعم ، سنذكر أنَّ زيادة التكبيرة عمداً موجب للبطلان ، ولكن لا ربط لذلك بكون التكبيرة ركناً .

ثمَّ لا يخفى أنَّ أصل النِّزاع - وهو أنَّ زيادة التكبيرة موجب للبطلان أم لا - مبنيّ على إمكان تحقُّق الزِّيادة في المقام ، وإلا فلو قلنا بمخالفة المشهور من بطلان الصَّلاة بمجرد نيَّته الخروج فلا تتحقّق الزِّيادة ، ولا تكون التكبيرة الثانية موجبة للبطلان ، إذ قصد الافتتاح بها مستلزم لنيَّة الخروج عمَّا مضى من صلاته ، فتبطل الصَّلاة في رتبة سابقة على فعلها .

وعليه ، فلا تتصور الزيادة .

نعم ، تصوُّر الزيادة مبنيّ على القول الذي اخترناه ، وهو أنَّه لا تبطل الصَّلاة بمجرد نيَّته الخروج .

إذا عرفت ذلك فقدِ استُدلَّ للبطلان بالزيادة العمديَّة بما ذكره الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله) من أنَّها زيادة واقعة على جهة التشريع ، فتبطل الصَّلاة بها مع العمد اتّفاقاً .

وفيه : أنَّه ممنوع كبرًى وصغرًى .

أمَّا من جهة الكبرى : فإنَّ مجرد التشريع في نفسه لا يوجب البطلان ، فالبطلان حينئذٍ يكون من جهة الدَّليل على أنَّ الزيادة في الصَّلاة مبطلة ، وسنتعرض له إن شاء الله تعالى .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo