< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(14)

 

وفيه : أنَّ الرِّواية الواردة في تحريمها التكبير ، وهي رواية ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) : افتتاح الصَّلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم) [1] ، هي ضعيفة بسهل بن زياد ؛ ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال .

وأمَّا رواية (مفتاح الصَّلاة التكبير)[2] ، فهي أيضاً ضعيفة بجهالة ناصح المؤذِّن .

وأمَّا رواية المجالس بإسناد في - حديث - (جاءَ نفرٌ من اليهودِ إلى رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) ، وأمَّا قوله : الله أكبر - إلى أن قال : - لا تفتح الصَّلاة إلَّا بها) [3] ، فقد تقدَّمت ، وهي ضعيفة سنداً ودلالةً .

أمَّا سنداً : فبجهالة الحسن بن عبد الله بن الحسن ، وبعليّ بن الحسين البرقي .

وأمَّا دلالة : فالموجود في النسخة الأصليَّة (والله أكبر) بالواو .

والإنصاف : أنَّه يمكن التمسُّك بإطلاق ذَيْل موثَّقة عمَّار المتقدِّمة (ولا صلاة بغير افتتاح) [4] ، والمراد من الافتتاح تكبيرة الإحرام .

وقد يُستدلّ أيضاً بفحوى موثَّقة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ( قال : تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصَّلاة تحريكُ لسانِه وإشارته بإصبعه)[5] .

ولا يخفى أنَّ الاكتفاء بتحريك اللسان مع الإشارة بالإصبع يدلَّ بالأولويَّة على الاكتفاء بالتكبير الملحون .

وقدِ استدل السَّيد الخوئي (رحمه الله): بموثَّقة أخرى للسَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال النَّبي (صلى الله عليه وآله) أنَّ الرَّجل الأعجمي من أمتي لَيَقرأ القرآن بعجميَّة فترفعه الملائكة على عربيته)[6] ، بعد القطع بعدم خصوصيةٍ للقرآن ، فيعمّ التكبيرة وغيرها .

وفيه : أنَّ هذا يحتاج إلى دعوى علم الغيب ، ومن أين لنا أن نعلم أنَّه لا خصوصيَّة للقرآن الكريم ، مع أنَّ احتمال الخصوصيَّة فيه ممَّا لا يمكن إنكارهما ، كما لا يخفى على المتتبع .

وقد يُستدلّ أيضاً : برواية مسعدة بن صدقة (قال : سمعتُ جعفر بن محمَّد (عليه السَّلام) يقول : إنَّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصَّلاة والتشهُّد ، وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم ، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلِّم الفصيح ... )[7] ، والمحرم هو الأعرابي الجافّ الذي لم يخالط الحضر .

وقد ذكر السَّيد محسن الحكيم (رحمه الله)أنَّ هذه الرِّواية لا تدلُّ على المطلب ، وإنَّما هي تدلّ على نفي وجوب التيمّم ، لا إثبات وجوب الناقص .

أقول : يرِد على الرِّواية أنَّها ضيعفة السَّند ، فإن مسعدة بن صدقة عامِّي غير موثَّق ، فالتعبير عنها بالموثَّقة - كما عن بعض الأعلام - في غير محلِّه .

وأمَّا بالنسبة لدلالتها فلا بأس بها ، لأنَّه يظهر منها أنَّ الذي يراد من المحرم غير ما يراد من العالم الفصيح ، والذي يراد من العالم الفصيح هو العمل التامّ ، وأمَّا المحرم وكذا العجم فإنَّه يكفيه الناقص ، لأنَّه هذا يقدر عليه ، ولا يكلَّف فوق طاقته .

وأمَّا الاستدلال على المطلب برواية (لا يترك الميسور بالمعسور)[8] ، وبما رواه أحمد بن محمَّد بن فهد الحليّ (رحمه الله)في عدَّة الدَّاعي عنهم (عليهم السَّلام) (إنَّ سين بلال عند الله شين)[9] .

ففيه : أنَّ رواية (لا يترك المسيور بالمعسور) ضعيفة بالإرسال ، وقد رواها ابن أبي جمهور الأحسائي (رحمه الله)في كتاب غوالي اللآلئ ، وقد طعن على المؤلِّف والمؤلَّف مَنْ ليس دأبه الطعن على الرِّواية ، كصاحب الحدائق (رحمه الله).

وأمَّا الرِّواية الثانية فهي أيضاً ضعيفة بالإرسال ، بل أصلها من العامَّة ، ولم ترد في مصادرنا المعتبرة .

ومن هنا لم يتعرَّض لها صاحب الوسائل (رحمه الله)، والله العالم بحقائق أحكامه .

الأمر الرابع : المعروف بين الأعلام أنَّه إذا لم يقدر على الإتيان باللغة العربيَّة ولو ملحونةً يأتي بترجمتها من سائر اللغات ، وفي المدارك : (وهذا مذهب علمائنا وأكثر العامَّة ، وقال بعضهم : يسقط التكبير عمَّن هذا شأنه كالأخرس ، وهو محتمل ... )[10] .

أقول : علَّل عدم السُّقوط بعضهم بأنَّ تكبير الإحرام ركن عجز عنه فلا بدَّ له من بدل ، والترجمة أَوْلى ما يجعل بدلاً منها ، وبأنَّ المعنى معتبر مع اللفظ ، فإذا تعذَّر اللفظ وجب اعتبار المعنى ، يعني أنَّه يجب التلفُّظ بالعبارة المعهودة في تأدية المعنى فإذا لم يتيسَّر ذلك اللفظ لم يسقط المعنى ، بل يؤدِّي بعبارة أخرى .

أقول : هذه الأمور تصلح للتأييد لا للاستدلال ، إذ القول بأنَّه ركن ، ومع العجز لا بدَّ له من بدل يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، وكذا التعليل الآخر يحتاج إلى ما يدلّ عليه .

وإلَّا قد يقال : إنَّه إذا لم يمكن بالصيغة الخاصَّة المعهودة ، ولو مع اللحن ، فأصل البراءة عن وجوب الترجمة محكم .

هذا ، وقد يُستدلُّ لوجوب الترجمة : بإطلاق ما دلَّ على أنَّ مفتاح الصَّلاة التكبير ، وأنَّ تحريمها التكبير الشَّامل للترجمة .

وأما تقييده بالصِّيغة الخاصَّة - أي : الله أكبر - فإنَّما هو للإجماع ، أو للانصراف إلى المعهود ، وهو مختصّ بحال القدرة ، وأمَّا مع العجز فيبقى مشمولاً للإطلاق .

وفيه أوَّلاً - ما ذكرناه سابقاً - : من أنَّ الرِّوايات الواردة بأنَّ مفتاح الصَّلاة التكبير ، وأنَّ تحريمها التكبير ضعيفة السَّند .

وثانياً - مع قطع النظر عن ذلك - : فإنَّ الإطلاق منصرف إلى ما كان باللغة العربيَّة فلا يشمل الترجمة .

أضف إلى ذلك : أنَّ التكبير بالصِّيغة الخاصَّة المعهودة ولو مع اللحن هي كالحوقلة والحيعلة من المصادر الجعليَّة التي يراد بها التلفُّظ بالعبارة المخصوصة ، فلا تشمل الترجمة أصلاً ، إذ لا يُقال لها مع الترجمة : إنَّها تكبيرة .

والإنصاف : أنَّه يجب الإتيان بالترجمة لأمرَيْن :

الأوَّل : للتسالم بين الأعلام مع موافقة أكثر العامَّة فيمكن القول : إنَّ هذا مذهب علماء الإسلام قاطبةً إلَّا مَنْ شذَّ من بعض العامَّة .

الثاني : ذَيْل موثَّقة عمَّار المتقدِّمة (ولا صلاة بغير افتتاح)[11] ، ولا يوجد فيها تقييد بالتكبيرة ، فتشمل بإطلاقها الترجمة .

وعليه ، فما دلَّ على التقييد بالصِّيغة الخاصَّة من الإجماع أو الانصراف إنَّما هو مختصّ بحال القدرة ، ومع العجز يبقى الإطلاق على حاله فيشمل الترجمة ، ولا يخيَّر بينها وبين سائر الأذكار ، فضلاً عن أن تقدَّم عليها وإن فرض عربيّتها ، لأنَّ الترجمة هي البدل عن التكبير لغةً وعرفاً ، ضرورة مرادفتها للعربيَّة في إفادة المعنى دون غيرها ، والله العالم .

الأمر الخامس : المعروف بين الأعلام أنَّ الألسنة متساوية ، ولا يلزم أن تكون الترجمة بلغته ، إذ لا دليل على التعيين .

وقد عرفت أنَّ قوله (عليه السَّلام) في ذَيْل موثَّقة عمَّار (لا صلاة بغير افتتاح) مطلق يشمل جميع اللغات ، والتقييد بالصِّيغة الخاصَّة المعهودة جاء من قبل الإجماع أو الانصراف ، وهو مقصود على حال القدرة ، فمع العجز يرجع إلى الإطلاق ، ومع فرض عدم وجود الإطلاق فيرجع إلى أصالة البراءة عن التقييد بلغته .

واحتمل بعضهم تقديم السِّريانيَّة والعِبرانيَّة ، لأنَّ الله تعالى أنزل بهما كُتُباً ، والفارسيَّة على التركيَّة والهندية ، لنزول كتاب المجوس بها .

وقيل : إنَّ الفارسية لغة حملة العرش .

ولا يخفى عليك أنَّه قد عرفت أنَ الإطلاق محكم ، وهذه الاحتمالات مجرد استحسانات لا دليل عليها .

ثمَّ إنَّ المعروف في الترجمة بالفارسَّية (خدا بزركتر) بفتح الراء الأخيرة أو كسرها ، وهو لغة بعض الفارسيين ، وفي لغة أخرى : (بزركتر است ) ، لا (بزرك) لعدم التفضيل فيه .

وفي كشف اللثام : (أنَّ لفظ خداي ليس مرادفا لله ، وإنَّما هو مرادف للمالك ، والربّ بمعناه ، وإنَّما المرادف له (يزد) و (يزدان) ... )[12] .

    

قوله : (ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في الصَّلاة من الطَّهارة والقيام وغيره ، فلو كبَّر وهو آخذ في القيام ، أو منحيناً في الأصح ، أو كبَّر المأموم آخذا في الهوي ، لم يجزئ)[13]

قال المصنِّف (رحمه الله)في الذكرى : (يشترط فيها جميع شروط الصَّلاة من الاستقبال والقيام وغيرهما تحقيقاً للجزئيَّة ، فلو كبَّر وهو آخذ في القيام ، أو وهو هاوٍ إلى الرُّكوع ، كما يتَّفق للمأموم فالأقرب البطلان ، لأنَّ الانحناء ليس قياماً حقيقيًّا ، وهل تنعقد نافلةً ، الأقرب المنع لعدم نيَّتها ، ووجه الصّحَّة حصول التقرُّب والقصد إلى الصَّلاة ، والترحيم بتكبيرة لا قيام فيها ، وهي من خصائص النافلة ... )[14] .

وفيه : أنَّه لا وجه لصحّتها نافلةً لعدم قصدها ، ولا يكفي القصد إلى مطلق الصَّلاة ، كما لا يخفى .

وفي المدارك : (أجمع علماؤنا وأكثر العامَّة على أنَّ هذا التكبير جُزء من الصَّلاة فيجب فيه كما يجب فيها من الطَّهارة والسِّتر والاستقبال والقيام ، وغير ذلك ... ) .

أقول : لا يخفى ما في الاستدلال بالإجماع المنقول بخبر الواحد ، فإنَّه يصلح للتأييد فقط .

والإنصاف : هو الاستدلال على المسألة بجملة من الرِّوايات دلَّت على اعتبار القيام في الصَّلاة الواجبة ، ومن أجزائها تكبيرة الإحرام ، بل هي أوَّل الأجزاء ، فيعتبر القيام حينئذٍ والطَّهارة والاستقبال ، ونحوها فيها .

ومن جملة الرِّوايات الدَّالة على اعتبار القيام في الصَّلاة حسنة أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) في قول الله ¸ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}[15] (قال : الصَّحيح يصلِّي قائماً وقعوداً ، المريض يصلِّي جالساً ، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلِّي جالساً)[16] .

ومنها : صحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر (عليه السَّلام) - في حديثٍ - وقم منتصباً ، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : مَنْ لم يقم صلبه فلا صلاة له)[17] .

ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام) : مَنْ لم يقم صلبه في الصَّلاة فلا صلاة له)[18] .

ثمَّ إنَّ مقتضى إطلاق النصوص المتقدِّمة عدم الفرق بين المنفرد والإمام والمأموم ، وذهب إلى ذلك أيضاً أغلب الأعلام .

نعم ، حكي عن الشَّيخ (رحمه الله)في المبسوط والخلاف (أنَّه إنْ كبر المأموم تكبيرةً واحدةً للافتتاح والركوع ، وأتى ببعض التكبير منحنيناً ، صحَّت صلاته)[19] .

واستدلَّ عليه : (بأنَّ الأصحاب حكموا بصحَّة هذا التكبير وانعقاد الصَّلاة به ، ولم يفصِّلوا بين أن يكبِّر قائماً ، أو يأتي به منحيناً ، فمنِ ادَّعى البطلان احتاج إلى الدليل)[20] .

وفيه : أنَّ الدليل قد تقدَّم وهو إطلاق النصوص المتقدِّمة ، حيث دلَّت على اعتبار القيام في الصَّلاة ومن أجزائها تكبيرة الإحرام ، ولم تفصِّل بين المنفرد والإمام والمأموم ، فيعتبر حينئذٍ في الكلّ .

ويدلّ عليه : في خصوص المأموم صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قال : في الرجل إذا أدرك الإمام ، وهو راكع ، وكبر الرَّجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام برأسه ، فقد أدرك الركّعة)[21] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo