< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/01/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(10)

قوله : (وثانيها تكبيرة الافتتاح)

وتسمَّى تكبيرة الإحرام أيضاً، لأنَّ بها يحرم ما كان محلَّلاً قبلها من الأكل والشرب والضُّحك، ونحوها من منافيات الصَّلاة، كالتلبيَّة بالإحرام بالحجِّ، وهي أوَّل الأجزاء الواجبة للصَّلاة، كما يفهم ذلك من النصوص الدَّالة على أنَّ افتتاحها التكبير أو تحريمها التكبير، ونحو ذلك، كما سيأتي بعضها إن شاء الله تعالى .

إن قلت : إنَّ القيام حال التكبير مقارن لها، فيكون أوَّل الأجزاء .

قلت : سنذكر - إن شاء الله تعالى - أنَّ القيام حالها شرط للتكبيرة، لا أنَّه جزء .

نعم، بناءً على جزئيَّته يشكُل حينئذٍ كون التكبيرة أوَّل الأجزاء .

ومهما يكن، فلا إشكال في كونها جزءاً من الصَّلاة، قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (التكبير جُزء من الصَّلاة عندنا وعند الأكثر ، لقول النَّبي (صلى الله عليه وآله) : (إنَّما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن)[1] ، وقال شاذّ من العامَّة ليس التكبير من الصَّلاة ، بل الصَّلاة ما بعده لقوله (صلى الله عليه وآله) : (تحريمها التكبير)[2] ، والمضاف مغاير للمضاف إليه ، قلنا : كلّ جُزء يغاير كلّه ، ويصحّ إضافته إليه ، كما يقال : ركوع الصَّلاة وسجود الصَّلاة ، ووجه زيد ... ) [3] ، وما ذكره رحمه الله رداً على بعض العامةَّ في غاية الصحَّة والمتانة .

قوله : (وهي ركن تبطل الصَّلاة بتركها سهواً في أشهر الرِّوايات ؛ وعليه انعقد الإجماع)[4]

قال المصنف رحمه الله في الذكرى : (هي ركن في الصَّلاة بمعنى بطلان الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً إجماعاً ... )[5] ، وفي الجواهر : (إجماعاً محصَّلاً ومنقولاً مستفيضاً كالنصوص ... ) .

أقول : لا بدَّ من التكلُّم في مقامين :

الأول : في نقصانها عمداً وسهواً .

الثاني : في زيادتها كذلك ، ثمَّ قبل الشُّروع في ذلك نقول : إنَّ تسميتها بالرُّكن جاء من قِبل الفقهاء ، وإلَّا فالرِّوايات الواردة في المقام خالية عن هذه التسمية .

وعليه ، فلا بدَّ من البحث عن المسألة من حيث مقتضى القاعدة ، وأخرى من جهة الروايات ، وبذلك نكون قد تكلَّمنا عن المسألة من جميع جهاتها .

أمَّا المقام الأوَّل : فالكلام فيه تارةً من حيث النقصان عمداً وأخرى سهواً .

أمَّا من حيث نقصانها عمداً فمقتضى القاعدة هي البطلان قطعاً ، لانتفاء المركَّب بانتفاء أحد أجزائه ، وكذلك الحال من جهة النقصان سهواً ، فإنَّ القاعدة تقتضي البطلان لما عرفت من انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه .

هذا مضافاً للتسالم بين الأعلام على البطلان بنقصانها عمداً وسهواً .

والخلاصة : أنَّ القاعدة تقتضي البطلان في حال نقصانها عمداً وسهواً .

وأمَّا من حيث الرِّوايات فهناك جملة كثيرة منها دلَّت على البطلان إذا تركها نسياناً وسهواً :

منها : صحيحة زرارة (قال : سألتُ أبا جعفرٍ (عليه السَّلام) عن الرُّجل ينسى تكبيرةَ الافتتاحِ ، قال : يعيد)[6] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (في الذي يذكر أنَّه لم يكبَّر في أوَّل صلاته ، فقال : إذا استيقن أنَّه لم يكبِّر فَلْيُعد ، ولكن كيف يستيقن ؟ ) [7] .

ومنها : موثَّقة عبيد بن زرارة (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ أقام الصَّلاة فنسي أن يكبِّر حتَّى افتتح الصَّلاة ، قال : يعيد الصَّلاة) [8] .

ومنها : حسنة ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن الرُّجل ينسى أن يكبِّر حتَّى قرأ ، قال : يكبِّر) [9] .

ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن (عليه السَّلام) عن الرَّجل ينسى أن يفتتح الصَّلاة حتَّى يركع ، قال : يعيد الصَّلاة) [10] .

ومنها : موثَّقة عمَّار (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ سها خلف الإمام فلم يفتتح الصَّلاة ، قال : يعيد الصَّلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح) [11] .

وبالمقابل هناك جملة من الرِّوايات يظهر منها المنافاة لهذه الرِّوايات المتقدِّمة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن رجلٍ نسيَ أن يكبِّر حتَّى دخل في الصَّلاة ، فقال : أليسَ كانَ مِنْ نيّته أن يكبِّر ؟ قلت : نعم ، قال : فَلْيمضِ في صلاته) [12] .

ومنها : موثَّقة أبي بصير (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ قامَ في الصَّلاة فنسيَ أن يكبِّر فبدأ بالقراءة ، فقال : إن ذكرها - وهو قائم - قبل أن يركع فَلْيكبِّر ، وإن ركع فَلْيمضِ في صلاته) [13] .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : قلتُ له : الرُّجل ينسى أوَّل تكبيرةٍ من الافتتاح ، فقال : إن ذكرها قبل الرُّكوع كبَّر ثمَّ قرأ ثمَّ ركع ، وإن ذكرها في الصَّلاة كبرَّها في مقامه ، في موضعِ التكبير قبل القراءة وبعد القراءة ، قلت : فإن ذكرها بعد الصلاة ؟ قال : فَلْيقضها ، ولا شيء عليه) [14] .

ومنها : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السَّلام) (قال : قلتُ له : رجل نسيَ أن يكبِّر تكبيرة الافتتاح حتَّى كبَّر للرُّكوع ، فقال : أجزأه) [15] .

ثمَّ إنَّه ذُكِرت عدَّة وجوهٍ للتوفيق بين الطَّائفتين :

منها : ما ذكره الشَّيخ بحمل الطَّائفة الثانية - غير صحيحة زرارة - على الشاكِّ دون من حصل له العلم بالترك ، ولا بأس به ، إذ نسيان التكبيرة التي هي افتتاح الصَّلاة كما يكون ممتنعاً في العادة بالنسبة إلى المنفرد المستقل بصلاته ، كما أشار إليه الصَّادق (عليه السَّلام) في مرسلة الصَّدوق رحمه الله في الفقيه .

قال : (روي عن الصَّادق (عليه السَّلام) أنَّه قال : الإنسان لا ينسى تكبير الافتتاح) [16] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ثمَّ إنَّه على تقدير تحقُّق النسيان لا يكاد يحصل الجزم به بعد دخوله في الصَّلاة ، خصوصاً مع تذكُّره لنيَّته السَّابقة المقتضية للإتيان تكبيرة الإحرام بحسب العادة من غير التفات تفصيلي ، وفي قوله (عليه السَّلام) في صحيحة محمَّد المتقدِّمة (ولكن كيف يستيقن ؟) إشارة إلى ذلك .

وأمَّا صحيحة زرارة فقد حمل قوله (عليه السَّلام) : (فَلْيقضها) على قضاء الصَّلاة ، فكأنَّه حمل قوله (عليه السَّلام) : (كبرَّها في قيامه في موضع التكبيرة) على إرادة استئناف الصَّلاة والإتيان بالتكبيرة قائماً في موضعها .

ولا يخفى عليك بُعْد هذا الحمل ، وأبعد منه ما ذكره صاحب الوسائل رحمه الله ، وجماعة من الأعلام منهم السَّيد محسن الحكيم رحمه الله من حمل قول السَّائل - أي زرارة - (الرَّجل نسي أوَّل تكبير من الافتتاح ... ) على أوَّل تكبيرة من تكبيرات الافتتاح السبع ، وقد حمل صاحب الوسائل رحمه الله أيضاً القضاء على الاستحباب .

وفيه : أنَّه لا يصحّ هذا الحمل ، لأنَّ الأمر بالقضاء والإعادة في الرِّوايات محمول على الإرشاد إلى الفساد ، ولا معنى لاستحباب الفساد .

ومنها : ما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله من حمل الطائفة الثانية على التقيَّة ، قال : (والوجه على ما ظهر في ذلك إنَّما هو الحمل على التقيَّة وإن لم يعلم به قائل ، منهم كما حقَّقناه في المقدِّمة الأُولى من مقدِّمات الكتاب - إلى أن قال : - على أنَّ القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين ، منهم - الزُّهري والأوزاعي وسعيد بن المسيَّب والحسن وقتادة والحَكم ، فلعلَّ لمذهب هؤلاء شهرةً وصيتاً في ذلك الوقت أوجب خروج هذه الأخبار موافقة لهم .. . )[17] .

أقول : الحمل على التقيَّة - لذهاب جماعة منهم إلى عدم الإعادة في حال النسيان - إنَّما يصحّ لو كانت الطَّائفة الثانية حجَّة في حدِّ نفسها ، ولكنَّها لمخالفتها للسنَّة القطعيَّة تسقط عن الحجيَّة ، إذ من المعلوم الذي لا شكَّ فيه هو بطلان الصَّلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح .

ومن هنا سمِّيت ركناً لبطلان الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً كباقي الأركان .

وقد ذكرنا في مبحث حجيَّة خبر الواحد أنَّه يشترط في حجيَّة خبر الثقة أن لا يكون مخالفةً للسنَّة القطعيَّة ، وما ذكرناه هو الإنصاف في المسألة ؛ هذا تمام الكلام في المقام الأوَّل .

وأمَّا المقام الثاني - وهو زيادة تكبيرة الافتتاح عمداً أو سهواً ، فسيأتي الكلام عنه عند قول المصنف رحمه الله الآتي : (ولو كبَّر ثانياً للافتتاح بطلت وصحت الثالثة ... ) .

قوله : (ويتعيَّن فيها (الله أكبر) مراعياً لهذه الصيغة مادةً وصورةً ، ويجب فيها الموالاة والعربيَّة)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (يتعيَّن فيها (الله أكبر) مرتّباً ، فلو عكس الترتيب أو عرف (أكبر) أو نكره أو قال : (الله أكبر) بطلت ، لأنَّ الذي وقع بياناً من النبي (صلى الله عليه وآله) هو الصيغة المخصوصة ، فلا يجوز العدول عنه ، وأبعد من الإجزاء قوله الله العظيم أو الجليل ، وقال ابن الجنيد رحمه الله : (ينعقد بقوله : (الله الأكبر) وإن كان فعلاً مكروهاً ... ) .

أقول : المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً ، بل عند أغلب علماء العامَّة أيضاً هو كون الصيغة (الله أكبر) ، وحكي عن ابن الجنيد رحمه الله أنَّه ينعقد بقوله : (الله الأكبر) بالتعريف ، كما حُكي عن الشَّافعي أنَّه قال : (الله أكبر ، والله الأكبر ، الّلفظان كلاهما يجزي به) ، وقال أبو حنيفة : (يجزي عن لفظ التكبير كلّ لفظ في معناه مثل الله الأعظم والله الأجل) [18] .

ومهما يكن ، فيكفينا دليلاً للمسألة هو التسالم بين علمائنا وأغلب علماء العامَّة ، ومع ذلك فقد استُدلّ ببعض الأدلَّة :

منها : مرسلة الفقيه (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتمّ صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر بسم الله الرَّحمان الرحيم) [19] بضميمة قوله (صلى الله عليه وآله) : (صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي) [20] .

وفيه أوَّلاً : أنَّ المرسلة ضعيفة بالإرسال .

وثانياً : أنَّها غير ظاهرة في المنع عن غير هذه الكيفيَّة ، بل لعلَّها ظاهرة في جواز أي كيفيَّة مثل الله الأكبر أو الله الأعظم أو الله تعالى أكبر ، ونحو ذلك .

غاية الأمر : أنَّه لا يكون ذلك من الموجز ، وأمَّا حديث (صلُّوا كما رأيتموني أصلي) فهو نبويّ لم يرد من طرقنا ، فهو ضعيفة جدّاً .

أضف إلى ذلك أنَّ المشار إليه بقوله : (كما رأيتموني أصلي) هو الصَّلاة لخارجيَّة الصَّادرة من النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولا يصحّ أن يكون المراد منها الصّلاة المشتملة على جميع الخصوصيّات من كونها في المسجد النبويّ ، وكونها جماعة ، وفي فصل الشِّتاء أو الصَّيف مع الثوب الفلاني ، والعمامة الفلانيَّة ، والنعل العربية ، ونحو ذلك من الخصوصيات المشتملة عليها الصَّلاة ، بل لابدّ أن يكون منها البعض المعيَّن من تلك الخصوصيَّات ، وحيث أنّ هذا البعض غير معلوم فتصبح الدَّلالة مجملة لا يمكن الاستدلال بها .

ومنها : رواية المجالس بإسناده - في حديثٍ - (جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأما قوله : الله أكبر - إلى أن قال : - لا تفتح الصَّلاة إلَّا بها)[21] .

وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة السَّند بجهالة الحسن بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) فهو وإن كان من السَّادة الكرام والسَّلالة العلوية الطيَّبة ، ولكن ليس كل مَنْ كان نسبه عظيماً يكون ثقةً وعدلاً ومعروفاً .

نعم ، والده عبد الله بن الحسن من شهداء كربلاء وكفى به عظمة ومنزلة رفيعة .

وأيضاً الرِّواية ضعيفة بجهالة علي بن الحسين البرقي .

وأمَّا محمَّد بن عليّ ماجيلويه شيخ الصَّدوق فهو من المعاريف الكاشف ذلك عن حسنه ووثاقته .

 


[19] كنز العمال، ج، 4 ص62، ح1196.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo