< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/12/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

27 / 12 / 1437

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : النية في الصَّلاة(8)

 

قوله : (الرابع : لو نوى الرِّياء، أو غير الصَّلاة ببعض الأفعال بطلت)

قلنا في مبحث الوضوء : إنَّه لو ضمَّ إلى نيَّة التقرُّب إرادة شيءٍ آخر محرَّماً كان، كالرِّياء ونحوه، أم مباحاً كالتبرُّد، أو التسخين، أم راجحاً شرعاً، كضمِّ قصد الحجيَّة في الصَّوم مثلاً، فهل يبطل العمل العبادي في جميع تلك الصُّور، أم لا يبطل إلَّا في الضميمة المحرَّمة دون المباحة، فضلاً عن الرَّاجحة، أو تقول بالتفصيل، فإن كانت الضَّميمة تابعة في القصد - أي : كان الباعث الأصلي على الفعل هو قصد الامتثال، بحيث استند الفعل إليه لا غير - فإنَّه يصحّ حينئذٍ مطلقاً، أو أنَّه يصحّ في غير الضَّميمة المحرَّمة، وأمَّا فيها فلا يصحّ مطلقاً، فيه وجوه، بل أقوال، إلى آخر ما ذكرناه هناك1[1] ، فإنَّه قد ذكرنا المسألة، وبيَّنا حكمها من جميع الجهات فراجعه، فإنَّه مهمّ، ولا حاجة لإعادتها هنا .

قوله : (الخامس : يجوز النقل إلى الفائتة)

مقتضى القاعدة عدم جواز النقل، لأنَّ لكلِّ صلاةٍ أمراً يخصُّها، فالإتيان ببقيَّة الأجزاء بداعي ذلك الأمر، كما أنَّها لا تقع امتثالاً للأمر الثاني المتعلِّق بالصَّلاة المعدول إليها لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السَّابقة بداعي هذا الأمر، هذا مقتضى القاعدة .

ولكن ثبت النقل من صلاة إلى أخرى في بعض الموارد لدليل خاص، فيقتصر عليه، وهو النقل من الحاضرة إلى الحاضرة، ومن الحاضرة إلى الفائتة، ولم يثبت من الفائتة إلى الحاضرة .

وأمَّا من الفائتة إلى الفائتة فالأحوط لزوماً عدم النقل، لأنَّ الأخبار الدَّالة عليه من حسنة زرارة، وصحيحة الحلبي، ورواية عبد الرَّحمان البصري، موردها العدول عن الحاضرة إلى سابقتها الحاضرة أو الفائتة، فالتعدِّي عنها يحتاج إلى دليل، وهو مفقود .

وعليه، فلو لم يكن الأقوى عدم الجواز فلا أقلّ من التنزُّل إلى الاحتياط، وأمَّا الرِّوايات المشار إليها فقد تقدَّم بعضها لحسنة زرارة، ورواية عبد الرَّحمان في مبحث المواقيت2[2] ، ورواية عبد الرَّحمان ضعيفة لِعدم وثاقة معلَّى بن محمَّد .

قوله : (ويجب إلى السَّابقة من الأداء والقضاء)

وجوب النقل إنَّما هو من الحاضرة إلى الحاضرة، فإذا دخل في صلاة العصر، ثمَّ تذكر في الأثناء أنَّه لم يصلِّ الظُّهر فإنَّه يعدل بها، ويتمّها ظهراً، ثمَّ يصلِّي العصر، وذلك لوجوب الترتيب بينها، وأمَّا من الحاضرة إلى الفائتة فلا يجب العدول .

نعم، يستحبّ، كما تقدَّم سابقاً .

 

قوله : (ومن الفرض إلى النفل)

كما في موثَّقة صباح بن صبيح (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل أراد أن يصلِّي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد، قال : يتمّ ركعتين، ثمَّ يستأنف)3[3] .

وكما في صحيحة سليمان بن خالد (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصَّلاة، فبينما هو قائم يصلِّي، إذ أذَّن المؤذِّن، وأقام الصَّلاة، قال : فَلْيصلِّ ركعتين، ثمَّ ليستأنف الصَّلاة مع الإمام، ولْيكن الرِّكعتان تطوُّعاً)[4] ، ونحوها موثَّقة سماعة5[5] .

قوله : (دون العكس في الأصحّ)

قال المصنِّف قدس سره في الذكرى : (ولا يجوز النقل من النفل إلى الفرض، لأنَّ القوي لا يبنى على الضعيف، وللشَّيخ قول بجوازه في الصَّبي يبلغ في أثناء الصَّلاة) .

أقول : إنَّ التعليل الذي ذكره المصنِّف قدس سره لِعدم جواز النقل عليل، والأصحّ في عدم جواز النقل إنَّما هو لأجل عدم ورود الدليل بذلك، لما عرفت أنَّ مقتضى القاعدة عدم الجواز إلَّا ما ورد به الدَّليل، ولم يروَ هنا .

وأمَّا ما حكاه عن الشَّيخ فهو ليس من هذا الباب، بل لا عدول فيه في الحقيقة، لأنَّه هنا يجدِّد نيَّة الفرض بالباقي، والعدول معناه جعل الجميع - ما مضى منه وما بقي - على ذلك الوجه، والله العالم .

قوله : (السَّادس : لو نوى الفريضة، ثمَّ ذهب وهمه إلى النافلة، فأتمَّها بنيَّة النافلة، أجزأت للرِّواية عن الصَّادق عليه السَّلام)

قال المصنف قدس سره في الذكرى : لو نوى الفريضة، ثمَّ عزبت النيَّة،لم يضرّ، ولو نوى النفل حينئذٍ ببعض الأفعال، أو بجميع الصَّلاة خطأ، فالأقرب الإجزاء الاستتباع نيَّة الفريضة باقي الأفعال فلا يضرّ خطؤه في النيَّة ....

أقول : يقع الكلام في أمرين :

الأول : مقتضى القاعدة في المقام .

الثاني : في النصوص الواردة في المسألة .

أمَّا الأمر الأوَّل : فقد يُقال : إنَّ مقتضى القاعدة هو الصّحَّة لو نوى الفريضة، ثمَّ ذهب وهمه إلى النافلة فأتمَّها بنيَّة النافلة، وكذا العكس، وذلك من باب الخطأ في التطبيق، وهذا لا ينافي كون العمل صادراً عن النيَّة الأُولى، فالاستدامة الحقيقيَّة للنيَّة أو الحُكميَّة المعتبرة في صحَّة العمل، لا تنخرم فيما لو اشتبه، وأتمَّ العمل بنية أخرى .

وقد يُقال : إنَّ هذا ليس من باب الخطأ في التطبيق، لأنَّ الخطأ في التطبيق مورده ما إذا أتى بذات المأمور به في الخارج، واشتبه في خصوصيَّاته وكيفياته، كما إذا كانت الصَّلاة مستحبَّةً في حقِّه فأتى بها بقصد وجوبها أو بالعكس، فإنَّه اشتباه في التطبيق .

وأمَّا إذا كان المأتي به مغايراً لما هو المأمور به فهو من باب الخطأ في أصل المأمور به واشتباهه بغير المأمور به، لا أنَّه خطأ في التطبيق، وهذا كما لو كان مديوناً لزيد بدرهم فأعطاه لعمرو، فإنَّه لا يكون مجزياً لعدم كونه إتيانا للمأمور به، ومن ذلك الأداء والقضاء والنافلة والفريضة والظُّهر والعصر وغيرها، فإذا دخل في الصَّلاة قاصداً بها الظُّهر، ثمَّ انكشف إتيانه بها قبل ذلك وأنَّ الواجب عليه هو العصر، فإنَّ صلاته لا تقع عصراً، وكذا الحال في الفجر والنافلة والأداء والقضاء .

ومسألتنا من هذا القبيل فإنَّ المأموره به هنا - وهي الفريضة - متقوِّمة بالقصد، بحيث لا واقع لها وراء ذلك فقصد الخلاف، وهو النافلة قادح في مثله لعدم انطباق المأمور به على المأتي به، فلوِ اعتقد الإتيان بنافلة الفجر، فصلَّى فريضته، فلا تقع نافلةً، كما لا تقع فريضة.

وفيه : أنَّ هذا هذا يتمَّ لو كان مأموراً بشيئين متغايرين، كما لو كان مأموراً بالنافلة والفريضة، وكان كلّ منهما ثابتاً في ذمَّته، وأمَّا إذا كان الثابت في ذمَّته شيئاً واحداً لإتيانه بالآخر فهنا يكون من باب الخطأ في التطبيق، لأنَّ قصد الوجه ليس من مقوِّمات المأمور به ، وهذا بخلاف ما لو دخل في الصَّلاة قاصداً بها الظُّهر، ثمَّ انكشف إتيانه بها قبل ذلك، وأنَّ الواجب عليه هو العصر، فإنَّ صلاته لا تقع عصراً، وذلك لأنَّ العصر من الجهات التقييديَّة التي لا بدّ من قصدها في صحَّة العمل، فقصد العصر مقوِّم لها، وبهذا اختلفت عن مسألتنا .

والخلاصة : أنَّ مقتضى القاعدة هنا هي صحة الصَّلاة على ما نواها أوَّلاً، وهذا لا يضرّ باستدامة النيَّة .

وأمَّا الأمر الثاني : فهناك بعض الرِّوايات دلَّت على صحَّة العمل المأتي به على حسب ما نواه :

منها : حسنة عبد الله بن المغيرة قَالَ فِي كِتَابِ حَرِيزٍ أَنَّه قَالَ : إِنِّي نَسِيتُ أَنِّي فِي صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ (حَتَّى رَكَعْتُ خ ل) وأَنَا أَنْوِيهَا تَطَوُّعاً، قَالَ : فَقَالَ عليه السَّلام : هِيَ الَّتِي قُمْتَ فِيهَا إِنْ كُنْتَ قُمْتَ وأَنْتَ تَنْوِي فَرِيضَةً، ثُمَّ دَخَلَكَ الشَّكُّ، فَأَنْتَ فِي الْفَرِيضَةِ، وإِنْ كُنْتَ دَخَلْتَ فِي نَافِلَةٍ فَنَوَيْتَهَا فَرِيضَةً فَأَنْتَ فِي النَّافِلَةِ، وإِنْ كُنْتَ دَخَلْتَ فِي فَرِيضَةٍ، ثُمَّ ذَكَرْتَ نَافِلَةً كَانَتْ عَلَيْكَ فَامْضِ فِي الْفَرِيضَةِ (1) .

وقد يستشكل في صحَّة الرِّواية من جهتين :

الأُولى : أنَّ عبد الله بن المغيرة لم يروها مباشرة عن حريز، وإنَّما أخذها من كتاب حريز، وليس له طريق إليه .

الثانية : أنَّها مضمرة، إذ لم يسندها حريز إلى الإمام عليه السَّلام، وكلمة (عليه السلام) بعد قوله : (فَقَالَ عليه السَّلام : هِيَ) من صاحب الوسائل قدس سره، أو من النسَّاخ، وليست موجودةً في كتاب الكافي المأخوذة الرِّواية منه .

والجواب : عن الجهة الأُولى أنَّ حريزاً بقي إلى زمن الإمام الكاظم عليه السَّلام، قال النجاشي في ترجمة حريز أبو محمَّد الأزدي من أهل الكوفة، أكثر السَّفر والتجارة إلى سجستان فعرف بها، وكانت تجارته في السَّمن والزيت، قيل روى عن أبي عبد الله عليه السَّلام، وقال يونس : لم يسمع من أبي عبد الله عليه السَّلام إلا حديثين ، وقيل : روى عن أبي الحسن موسى عليه السَّلام، ولم يثبت ذاك، وكان ممَّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في حياة أبي عبد الله عليه السَّلام ... .

وعليه ، فإذا كان في زمن أبي الحسن عليه السَّلام، وعبد الله بن المغيرة من أصحاب الإمام الكاظم عليه السَّلام، فمن القريب جدّاً أن يكون عبد الله قد أخذ الرِّواية من كتاب حريز عن طريق معتبر، لا سيَّما وأنَّ كتاب حريز معروف بين الرُّواة، وبالأخصّ المعاصرون له، فهو واصل إليهم يداً بيد، فلا إشكال من هذه الجهة .

وأمَّا الجهة الثانية : فالإنصاف أنَّ جلالة حريز وتقواه تمنع أن يكون الكلام من غير المعصوم، ولا يشير إلى ذلك .

فمن هنا نطمئنُّ أن يكون المسؤول هو الإمام عليه السَّلام، والله العالم .

ومنها : رواية معاوية قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السَّلام عن رجلٍ قام في الصَّلاة المكتوبة فسها، فظنَّ أنَّها نافلة، أو قام في النافلة فظنَّ أنَّها مكتوبة، قال : هي على ما افتتح الصَّلاة عليه(2) .

ومنها : رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السَّلام قال : سألتُه عن رجل قام في صلاة فريضة، فصلَّى ركعة وهو ينوي أنَّها نافلة، فقال : هي التي قمت فيها ولها، وقال : إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشكّ بعدُ فأنت في الفريضة على الذي قمت له، وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة، ثمَّ إنَّك تنويها بعدُ فريضة فأنت في النافلة، وإنَّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوَّل صلاته(3) .

وهما ضعيفتان، لأنَّ الشَّيخ قدس سره يرويها بإسناده إلى محمَّد بن مسعود العياشي، وإسناده إليه ضعيف في المشيخة والفهرست .

أمَّا في المشيخة فبالإرسال، حيث لم يذكر طريقه إليه، وأمَّا في الفهرست فلِوجود أبي المفضل محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن عبيد الله البهلول، وهو مجهول، كما أنَّ فيه جعفر بن محمد بن مسعود العياشي ابنه وهو مجهول أيضاً .

وهذه الرِّوايات واضحة جدّاً في صحَّة العمل الذي نواه أوَّلاً، وأنَّ نيّته خلاف النيَّة الأُولى خطأ، لا تضرّ أصلاً، والله العالم .

كان الانتهاء منه عصر يوم الأحد في التاسع والعشرين من شهر شعبان المعظم سنة 1437 هـ ، الموافق لـ 5 حزيران سنة 2016 مـ ، وذلك في مسقط رأسي المجادل ، الأقل حسن بن علي الرميتي العاملي عامله الله بلطفه الجلي والخفي

 


[1] المجلد الأول من كتاب الطهارة، ج1 ص546.
[2] المجلد الأول من كتاب الصلاة، ص459 و464.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo