الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/08/09
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (37)
ومنها : رواية زكريا بن آدم (قال : قلتُ لأبي الحسن الرِّضا (عليه السَّلام) : جعلتُ فداك ! كنتُ في صلاتي فذكرت في الرِّكعة الثانية - وأنا في القراءة - أنِّي لم أقم ، فكيف أصنع ؟ قال : اُسكت موضع قراءتك ، وقل : قد قامتِ الصَّلاة ، قد قامتِ الصَّلاة ، ثمَّ امضِ في قراءتك وصلاتك ، وقد تمَّت صلاتك)[1]
وهذه الرِّواية وإن كانت منافية لِصحيحة الحلبي إلَّا أنَّه لا يمكن العمل بها لأمرين :
أوَّلهما : أنَّها ضعيفة بإسحاق بن آدم ، فإنَّه مهمل ، وبأبي العبَّاس الفضل بن حسَّان الدَّالاني ، فإنَّه مجهول .
ثانيهما : أنَّها اشتملت على قول : (قد قامتِ الصَّلاة) مرتين أثناء الصَّلاة ، وهو مشكل ، لأنَّه كلام ليس من الصَّلاة ، ولا من الأذكار ، والله العالم .
بقي في المقام شيء ، وهو ما ذكره صاحب الجواهر (قدِّس سره) قال : ( ثمَّ إنَّ المتيقَّن من النصِّ والفتوى الرُّخصة في الرُّجوع عند الذكر ، أمَّا إذا عزم على تركه وإن لم يقع منه فعل لم يجز له الرُّجوع ، اقتصاراً في حرمة الإبطال على المتيقَّن ، بل الأحوط له ذلك إذا مضى له زمان في التردُّد في الرُّجوع وعدمه بعد الذِّكر ... )[2] .
أقول : لا يشترط في الحكم الرُّجوع عند الذكر ، بل لو عزم على ترك الرُّجوع ، ولم يقع منه فعل ، جاز له الرُّجوع ، لإطلاق النصّ ، وإنما يقتصر على القدر المتيقَّن لو كان الدَّليل لُبّياً أو لفظيّاً مجملاً .
وأما مع الإطلاق فلا موجب للاقتصار على القدر المتيقِّن ، وإلَّا لم يبقِ عندنا إطلاق المتيقَّن في معظمها ، والله العالم .
الأمر الثالث : فيما لو نسي أحدهما .
أمَّا بالنسبة للأذان فقد قال المحقِّق (قدِّس سره) في الشَّرائع : (ولو صلَّى منفرداً ، ولم يؤذِّن ساهياً ، رجع إلى الأذان ... )[3] ، واحتمل صاحب الجواهر (قدِّس سره) إرادة الأذان والإقامة ، قال : (بل يمكن إرادة المصنِّف (قدِّس سره) الأذان والإقامة من الأذان بقرينة معروفيَّة موضوع المسألة بين الأصحاب بذلك ... )[4] ، وفي المسالك : (وكما يرجع ناسي الأذان يرجع ناسيهما بطريق أَوْلى دون ناسي الإقامة لا غير على المشهور ، اقتصاراً في إبطال الصَّلاة على موضع الوفاق ... ) .
وعن الحسن بن أبي عقيل : (إنَّ من نسي الأذان في الصُّبح أو المغرب قطع الصَّلاة وأذَّن وأقام ، ما لم يركع ... ) .
والغريب في الأمر أنَّه يظهر من الشَّهيد (قدِّس سره) في المسالك أنَّ جواز القطع في ناسي الأذان وفاقي ، مع أنَّه صرَّح جماعة بالعدم ، بل عن الإيضاح ، وغاية المرام ، وشرح الشَّيخ نجيب الدين الإجماع على عدم جواز القطع .
ومهما يكن ، فلا دليل أصلاً على جواز قطع الصَّلاة فيما لو نسي الأذان وحده ، فعدم جواز القطع هو الموافق لِمَا دلَّ على حرمة الإبطال ، بناءً على القول بها ، حيث ذكرنا في بعض المناسبات أنَّه لا دليل على حرمة الإبطال إلَّا الإجماع ، وقد عرفت ما فيه .
ومن هنا ، احتطنا وجوباً في المسألة .
وأمَّا الإقامة فالإنصاف : أنَّه يجوز القطع لو نسيها وحدها ، وذلك لحسنة الحسين بن أبي العلاء المتقدِّمة الواردة في ناسي الإقامة .
وأمَّا التفصيل فيها فيما لو تذكَّر قبل القراءة فيرجع ، وما لو تذكّر بعدما قرأ بعض السّورة فلا يرجع ، فقد أجبنا عنه سابقاً ، وقلنا : يجوز الرُّجوع مطلقاً ، وحملنا الاختلاف على مراتب الفضل .
ويدلّ أيضاً على جواز الرُّجوع فيها صحيحة بن يقطين المتقدِّمة الدَّالة على جواز الرُّجوع ما لم يفرغ من صلاته .
وأمَّا قول صاحب الجواهر (قدِّس سره) : (إني لم أجد عاملاً بها على إطلاقها غير الشَّيخ ... ) فقد عرفت جوابه ، فلا حاجة للإعادة ، والله العالم .
قوله : (ومَنْ أحدث في أثنائهما تطهَّر وبنى ، والأفضل إعادة الإقامة)[5]
ذكرنا سابقاً عند قول المصنِّف (قدِّس سره) : (والطَّهارة ، وفي الإقامة آكد)[6] أنَّه يشترط الطَّهارة في الإقامة فتبطل بدونها .
وعليه ، فلو أحدث في الأثناء فيعيد لأنَّ الحدث الواقع في الأثناء مانع ، وهذا بخلاف الأذان ، فإنَّه لا يشترط في صحّته الطهارة .
نعم ، هي مستحبَّة فيه ، فلو أحدث في أثنائه أعاد استحباباً ، فراجع ما ذكرنا ، فإنَّه مهمّ .
قوله : (ولو أحدث في الصَّلاة أعادها ، ولا يعيد الإقامة إلَّا مع الكلام)
إذا أحدث في أثناء الصَّلاة فلا بدّ من إعادتها بعد الطَّهارة ، لِما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وأمَّا الإقامة ، فلا موجب لإعادتها .
اللهمَّ إلَّا أن يُقال : بعدم الفرق بين الحدث في أثناء الإقامة وأثناء الصَّلاة ، إلَّا أنَّ الفرق بينهما ظاهر ، كما لا يخفى .
نعم ، إذا تكلّم أعاد الإقامة استحباباً ، كما ذكرناه سابقاً ، لا وجوباً ، إذ التكلّم ليس مانعاً من صحّة الإقامة .
وأمَّا الأمر بالإعادة في صحيحة ابن مسلم (لا تتكلّم إذا أقمت الصَّلاة فإنَّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة)[7] ، فقد حملناه على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما دلّ على جواز التكلُّم في الأثناء وبعدها ، وكذا يستحبّ إعادتها مع الفصل المعتدّ به بينها وبين الصَّلاة ، بل يستحبُّ أيضاً إعادة الأذان مع الفصل كذلك ، والله العالم .
قوله : (ويستحب الأذان في المواضع الموحشة)
قال المصنِّف (قدِّس سره) في الذكرى : (روى ابن بابويه عن الصَّادق (عليه السَّلام) إذا تغوَّلت بكم الغّول فأذِّنوا [8] ، وفي الجعفريَّات عن النبي (صلى الله عليه وآله) : إذا تغوَّلت بكم الغِيلان فأذِّنوا بأذان الصَّلاة [9] ، ورواه العامّة [10] ، وفسّره الهروي : بأنَّ العرب تقول : إنَّ الغيلان في الفلوات تراءى للنَّاس ، تتغول تغوَّلاً ، أي تلوَّن تلوناً فتضلّهم عن الطّريق وتهلكم .
ورُوي في الحديث : لا غول ، وفيه إبطال لكلام العرب ، فيمكن أن يكون الأذان لدفع الخيار الذي يحصل في الفلوات ، وإن لم يكن له حقيقة انتهى كلام المصنِّف (قدِّس سره) في الذكرى .
أقول : رواية ابن بابويه (قدِّس سره) في الفقيه ضعيفة بالإرسال ، كما أنَّ حديث الجعفريات ضعيف بجهالة موسى ووالده إسماعيل .
ومثل خبر الجعفريات خبر جابر الجعفي[11] ، ولكنَّه أيضاً ضعيف بجهالة أغلب رجاله .
قوله : (وفي أذان من ساء خلقه)
ففي حسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : اللحم ينبت اللحم ، ومَنْ تركه أربعين يوما ساءَ خلقه ، ومَنْ ساءَ خُلُقه فأذِّنوا في أذنه) [12] ، وفي رواية أبي حفص الأبار عن أبي عبد الله عن آبائه عن عليّ (عليه السَّلام) (قال : كلوا اللحم فإنَّ اللحم من اللحم ، واللحم ينبت اللحم ، ومَنْ لم يأكل اللحم أربعين يوماً ساء خلقه ، وإذا ساءَ خلق أحدكم من إنسان أو دابَّة فأذِّنوا في أذنه الأذان كلَّه) [13] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة أي حفص الأبار .
قوله : (وفي أذان المولود اليمين ، ويقام في اليسرى)
كما ورد في عدة أخبار منها معتبرة السُّكوني عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ولد له مولود فليؤذّن في أذنه اليمنى بأذان الصَّلاة ، وليقم في أذنه اليسرى ، فإنَّها عصمة من الشَّيطان الرُّجيم) [14] ، قال صاحب الجواهر (قدِّس سره) : ( وقد شاع في زماننا الأذان والإقامة خلف المسافر حتَّى استعمله علماء العصر فعلاً وتقريراً ، إلَّا أنِّي لم أجد به خبراً ، ولا من ذكره من الأصحاب) .
قوله : (وفي الأذان والإقامة ثواب كثير أوردنا طرفا منه في الذكرى)
ذكرنا جملة منها في أوَّل المسألة ، فراجع .