< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (36)

 

ومنها : رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : رجلٌ نسيَ الأذان والإقامة حتَّى يكبِّر ، قال : يمضي على صلاته ولا يعيد)[1] ، وهي ضعيفة بسلمة بن الخطَّاب ، وتردّد من روى عنه سلمة بن الخطاب بين أبي جميلة الضعيف وبين ابن جبلة الثقة .

والإنصاف : أنَّه لا تنافي بين هذه الرِّوايات وبين صحيحة الحلبي ، لأنَّ الأمر بالمضيّ في صحيحة زرارة والمضي وعدم الإعادة في روايته الثانية ، وإن كان ظاهراً في الوجوب ، ولكنَّه محمول على الجواز ، لنصّ صحيحة الحلبي على جواز الرّجوع .

وأمَّا القول : بأنَّ هذه الرِّوايات لا تدلّ على وجوب المضي ، لكون الأمر فيها مسوقاً لتوهُّم الوجوب فلا تُنافي صحيحة الحلبي حتَّى نحتاج إلى الجمع بينها بما ذكرناه .

فإنَّه يُقال : لا دليل قويّ على كونها مسوقةً لِتوهم الوجوب .

وبالجملة ، ماذكرناه من الجمع بين هذه الرِّوايات وبين صحيحة الحلبي هو الأقرب للواقع لكونه جمعاً عرفيّاً .

وأما الجمع بينها بحمل هذه الرِّوايات الدَّالّة على المضيّ على ما إذا دخل في الرّكوع ، ويكون مورد صحيحة الحلبيّ قبل الركوع ، فإنَّه بعيد عن مساق الرِّوايات .

ثمَّ إنَّه قد ينافي صحيحة الحلبي بعض الرِّوايات أيضاً منها رواية محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : في الرّجل ينسى الأذان والإقامة حتَّى يدخل في الصَّلاة ، قال : إنْ كان ذَكَر قبل أن يقرأ فليصلِّ على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وليقم ، وإن كان قد قرأ فليتمّ صلاته)[2] ، وهي ضعيفة بجهالة محمَّد بن إسماعيل البندقي النيشابوري ، وليس هو محمَّد بن إسماعيل ابن بزيع ، كما لا يخفى .

ومثلها رواية زيد الشحَّام ، إلا أنَّه قال فيها : (وإن كان قد دخل في القراءة ... ) [3] ، وهي أيضاً ضعيفة ، لأنَّ في طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى زيد الشحَّام أبا جميلة المفضَّل بن صالح ، وهو ضعيف .

ومثلها أيضاً حسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن الرَّجل يستفتح صلاته المكتوبة ، ثمَّ يذكر أنَّه لم يُقِم ، قال : فإنْ ذَكَر أنَّه لم يقم قبل أن يقرأ فَلْيسلِّم على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ثمَّ يقيم ويصلِّي ، وإن ذَكَر بعدما قرأ بعض السُّورة فليتمّ على صلاته) [4] ، والرِّواية حسنة ، لأنَّ الحسين بن أبي العلاء ممدوح مدحاً معتداً به .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى (قلتُ : أشار بالصَّلاة على النبيّ أوَّلاً وبالسَّلام في هذه الرِّواية إلى قطع الصَّلاة ، فيمكن أن يكون السَّلام على النبيّ قاطعاً لها ، ويكون المراد بالصَّلاة هناك السَّلام ، وأن يراد الجمع بين الصَّلاة والسَّلام ، فيجعل القطع بهذا من خصوصيَّات هذا الموضع ، لأنَّه قد رُوي : أنَّ التسليم على النبيّ آخر الصَّلاة ليس بانصراف .

ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصَّلاة إمَّا استدبار أو كلام ، ويكون التسليم على النبيّ مبيحاً لذلك ... )[5] .

أقول : مهما يكن المراد من الصَّلاة أو التسليم هنا فإنَّ هذه الأخبار - مع قطع النَّظر عن ضعف بعض إسنادها - يجمع بينها وبين صحيحة الحلبي بالحمل على الاستحباب ، كما عن جماعة من الأعلام ، والاختلاف الواقع بينها ينزَّل على اختلاف مراتب الاستحباب ، بأنْ يكون الانصراف فيما إذا كان التذكّر قبل الركوع أفضل ، وأفضل منه فيما إذا كان قبل الشُّروع في القراءة .

وعليه ، فلا منافاة .

ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرَّجل ينسى أن يقيم الصَّلاة وقد افتتح الصَّلاة ، قال : إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمَّت صلاته وإن لم يكن فرغ من صلاته فَلْيعد) [6] .

وجمع بعض الأعلام بينها وبين صحيحة الحلبيّ بحمل قبل الفراغ من الصَّلاة على ما قبل الركوع لتتلاءم مع صحيحة الحلبي .

وذكر المحقِّق الهمداني رحمه الله أنَّ هذا الجمع أسوأ من طرح الرِّواية وردّ علمها إلى أهلها .

أقول : مقتضى الجمع حمل صحيحة الحلبي على جواز المضيّ لو تذكَّر بعد الرُّكوع ، وحمل هذه الصَّحيحة على جواز الرُّجوع قبل الفراغ من الصَّلاة ، أي وإن كان التذكُّر بعد الرُّكوع ، وعن الشَّيخ رحمه الله في التهذيب والاستبصار القول به .

وفي الجواهر : ( فالقول باستحباب الانصراف أو جوازه مطلقاً لصحيحة ابن يقطين في غاية الضعف ، بل لم أعرفه لأحد من الأصحاب ، عدا الشَّيخ في كتابي الأخبار الموضوعين لمجرد الجمع بين الآثار ولو بذكر الاحتمالات التي لا يفتي بها ؛ وعن المعتبر : أنَّ ما ذكره الشَّيخ محتمَل ، لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر ، قلتُ : بل هو لا يقاوم غيره سنداً وعدداً وعملاً ، فما عن المفاتيح من العمل به تبعاً للشَّيخ كما ترى ، بل طرحه أو حمله على ما قبل الركوع وإن بعُد متِّجه ... )[7] .

أقول : ما ذكره الشَّيخ رحمه الله في التهذيب والاستبصار ليس لمجرد الجمع بين الآثار ولو بذكر الاحتمالات ، بل هو قول له .

وعليه ، فالمشهور أعرض عنها فقط ، ولم يعرض عنها الكلّ ، وقد عرفت أنّ إعراض المشهور لا يوجب وهنا .

نعم ، لو ثبت إعراض الكلّ لكان ذلك موجباً لضعفها ، ولكنَّه لم يثبت .

وعليه ، فما ذكرناه من الجمع العرفي هو الصَّحيح .

ومنها : رواية النعمان الرَّازي (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذِّن ويقيم حتَّى كبَّر ، ودخل في الصَّلاة ؟ ، قال : إن كان دخل المسجد ومن نيَّته أن يؤذِّن ويقيم فليمضِ في صلاته ، ولا ينصرف) [8] .

وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة لِعدم وثاقة نعمان الرازي .

لا يقال : إنَّه ثقة ، لأنَّ جعفر بن بشير روى عنه ، وقد قال النجاشيّ رحمه الله في حقِّه : (إنَّه روى عن الثقات ورووا عنه)[9] .

فإنَّه يُقال : إنَّ هذه العبارة لا تدلّ على أنّه لا يروي إلَّا عن الثقات ، بل المراد أنَّه غالباً ما يروي عن الثقات ، فراجع ما ذكرناه في مسائل علم الرجال.

وثانياً : أنَّ هذه الرِّواية - مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند - لا تصلح لتقييد صحيحة الحلبي بما إذا لم يسبقه العزم على الأذان والإقامة ، لأنَّه تقييد بالفرد النادر لأنَّه غالباً عندما دخول الإنسان المسجد للصَّلاة يكون من نيَّته الأذان والإقامة ، فتقييد صحيحة الحلبي بما إذا لم يكن من نيَّته الأذان والإقامة تقييد بالفرد النادر ، وهو قبيح عرفاً.

ثمَّ إنَّه قد أشرنا سابقاً أنَّ المصنِّف رحمه الله في الذكرى احتمل أن يكون أحد تفسيري هذه الرِّواية دليلاً للشَّيخ رحمه الله في النهاية من أنَّه إنَّما يقطع الصَّلاة لتدارك الأذان والإقامة إذا تركهما عمداً لا نسياناً.

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى - بعد ذكره لرواية نعمان الرازي - قيد المضي بأن يكون من نية الناسيّ ذلك فيعلم أنَّه لو لم يكن من نيَّته فعلهما قطع الصَّلاة ، وهو يحتمل أمرين :

أحدهما : أنَّه يكون قد تعمَّد تركهما .

الثاني : أن لا يخطر بباله ، فإن أريد الأوَّل أمكن جعله حجَّة للشَّيخ رحمه الله في النهاية ، فإنَّا لم نقف له على حجَّة هنا)[10] .

وما ذكره المصنِّف رحمه الله في الذكرى وإن كان وجيهاً إلَّا أنَّه متوقِّف على تماميَّة الدَّلالة ، وقد عرفت ما هو الإنصاف في المقام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo