< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (32)

 

واختار صاحب الجواهر (قدس سره) هذا الدليل ، إلَّا أنَّه خصَّه بما إذا صلَّى الجمعة ، لا الظُّهر ، حيث لم تثبت السِّيرة على الترك فيما لو كانت الصَّلاة يوم الجمعة هي الظُّهر.

والإنصاف : أنَّ هذا الدليل قوي أيضاً ، سواء كانت السِّيرة مستقرَّة فيما لو صلَّى يوم الجمعة الجمعة ، أو الظهر ، فهذا يكشف عن أنَّ العلَّة في السُّقوط هي مجرد الجمع بينهما ، ولا خصوصيَّة لا للزَّمان ولا للمكان .

هذا ، وقد وردت بعض الرِّوايات في سقوط الأذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر ، وسقوطه لصلاة العشاء ليلة المزدلفة إذا جمعت مع المغرب ، كما في صحيحة بن سنان عن أبي عبد الله - عليه السلام - (قال : السُّنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذِّن ويقيم للظُّهر ، ثمَّ يصلِّي ، ثمَّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة)[1] (1) ، وكما في مرسلة الفقيه (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظُّهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين)[2] (2) ، وجمع هي المزدلفة ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ويدلُّ على السُّقوط في خصوص العشاء : ليلة مزدلفة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله - عليه السلام - (صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلِّ بينهما ، وقال - عليه السلام - : هكذا صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) )[3] (3) ، وكذا غيرها .

والخلاصة إلى هنا : أنه إذا جمع بين الفرضين يسقط الأذان للثانية ، ولا خصوصيَّة لا للزَّمان ولا للمكان ، والله العالم .

الأمر الثاني : اختلف الأعلام في حكم السُّقوط في حال الجمع مطلقاً ، وخصوص عصري الجُّمعة وعرفة وعشاء المزدلفة ، هل هي على سبيل الرخصة - وإن كان مستحباً - أو الكراهة كما في سائر مكروهات العبادات ، أم أنَّ السُّقوط عزيمة ، أي يحرم الإتيان به في تلك الحالات ، فذهب جمع من الأعلام ، منهم العلَّامة (قدس سره)إلى التحريم في الثلاثة الأخيرة ، وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع .

وذهب كثير من الأعلام إلى أنَّه رخصة ، ونفوا التحريم ، منهم المصنِّف (قدس سره)هنا وفي الذكرى ، بل نفى الكراهة ، وجزم بانتفاء التحريم فيها ، وببقاء الاستحباب في الجمع بغير الثلاثة المذكورة ، قال فيها : (وهل يكره الأذان هنا ؟ لم أقِفْ فيه على نصّ ولا فتوى ، ولا ريب في استحباب ذكر الله على كلِّ حال ، فلو أذَّن من حيث إنَّه ذِكْر فلا كراهية - إلى أن قال (قدس سره): - واحتجَّ الشَّيخ على الكراهيَّة بما ذكرناه من جمع النبي (صلى الله عليه وآله) وآله ، وظاهر أنَّه لا تصريح فيه بالكراهة .

والأقرب : الجزم بانتفاء التحريم ، وأنه يكره في مواضع استحباب الجمع ، أمَّا لوِ اتَّفق الجمع مع عدم استحبابه فإنَّه يسقط أذان الإعلام ، ويبقى أذان الذكر والإعظام)[4] .

وقال (قدس سره)في البيان : (الأقرب أنَّ الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيَّته ، وتوقّف في غير الثلاثة ... )[5] .

أقول : أمَّا ما ذكره المصنِّف (قدس سره)في الذكرى - من أنَّ السَّاقط مع الجمع غير المستحبّ أذان الإعلام ، ويبقى أذان الذِّكر والإعظام ، وما سيذكره أيضاً هنا في الدروس من قوله : (ويجتزئ القاضي بالأذان لأوَّل ورده والإقامة للباقي وإن كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عمَّن جمع في الأداء ، إلَّا أن يقول : السُّقوط فيه تخفيف ، أو أنَّ السُّقوط أذان الإعلام ، لحصول العلم بأذان الأُولى لا الأذان الذكري ، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري ، وهذا متِّجه ... )[6] .

ففيه : ما تقدَّم من أنَّ الأذان على نوعَيْن :

أحدهما : المقصود به الإعلام بدخول الوقت لكافَّة النَّاس .

ثانيهما : أذان الصَّلاة بالنسبة إلى كلِّ مكلَّف .

وقلنا : إنَّه مستحبّ عيناً ، وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأوَّل الوقت ، بل أيّ وقت صلَّى المصلِّي استحبّ له الإتيان به ، ولا تعلَّق لهذا بالإعلام ، لوقوعه في سائر أجزاء الوقت.

فقول المصنِّف (قدس سره): (إنَّ السَّاقط في صورة الجمع في الثانية أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأُولى ، لا الأذان الذكري) لا معنى له ، لأنَّه لا يلزم أن تكون صلاته في أوَّل الوقت حتَّى يكون أذان الأُولى أذان إعلام .

وبالجملة ، فإنَّ هذا الذي تعلَّق به الخطاب لهذا المكلَّف بخصوصه من حيث صلاته المخصوصة لا مدخل له في أذان الإعلام .

ثمَّ إنَّ الإنصاف في المقام : هو كون السُّقوط عزيمة في خصوص عصر عرفة إذا جمعها مع الظُّهر ، وعشاء المزدلفة خاصَّة إذا جمعها مع المغرب ، والرخصة في الباقي ، إذ لا دليل على التحريم في الباقي ، فإنَّ صحيحة الرهط الذي منهم الفضيل وزرارة ، وكذا صحيحة عبد الله بن سنان وغيرهما مما تقدَّم ، يستفاد منها أنَّ سقوط الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين هو على نحو الرخصة في تركه ، فلا ينافي ذلك جواز فعله ، بل أفضليَّته من تركه من حيث هو ضرورة أنَّه ربّما كان يصدر عن النَّبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ترك بعض المستحبَّات لغرض أهمّ ، كترك التطوُّع في تلك الموارد التي جمعوا فيها بين الصَّلاتين.

وعليه ، فلا تنافي بين هذه الأخبار الدَّالة على السُّقوط وبين ما دلَّ على استحبابه مطلقاً .

وأمَّا مَنْ ذهب إلى الحرمة لأصالة عدم المشروعيَّة بدعوى أنَّ هذه الأخبار الدَّالة على السُّقوط مقيِّدة لإطلاقات الأدلَّة على استحباب الأذان مطلقاً ، بحيث تصبح تلك الأدلَّة مخصوصة بصورة التفريق ففِعْله مع الجمع تشريع محرَّم .

وربَّما أيَّد بعضهم ذلك : باستقرار سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة ﭺ على ترك الأذان في الموارد التي صدر منهم الجمع ، أو أُمِروا فيها بالجمع .

فيرد عليه أوّلاً : أنَّه منتقض بترك التطوُّع في تلك الموارد المعلوم استحبابه .

وثانياً : أنَّهم لم يكونوا يأمرون بالجمع إلَّا في الموارد التي يناسبها التوسعة والتسهيل ، وكذا لم يكن يصدر منهم الجمع إلَّا أحياناً ، لبعض الأمور المقتضية له من الاستعجال ، أو بيان الرخصة ، أو غير ذلك ممَّا يناسبه الاكتفاء بأذان واحد للفرضين .

نعم ، قد يُقال : بأنَّ مواظبتهم على ترك أذان العصر يوم الجمعة مع استقرار السِّيرة على جمعهما مع الجمع أو الظُّهر يكشف عن مرجوحيَّته في يوم الجمعة ، وإلَّا لمَّا استقرَّت سيرتهم ﭺ على الترك .

ويمكن الجواب عنه - بعد تسليم مواظبتهم على الترك - : بأنَّ من الجائز أن يكون ذلك لأفضليَّة المبادرة إلى الخروج من عهدة الواجب ، أو الاستعجال ، رعايةً لحال ضعفاء المأمومين ، أو غير ذلك من العناوين الراجحة الحاصلة بالترك من فعل الأذان المسبوق بأذان يجوز الاكتفاء به ، فيكون فعله مرجوحاً بالإضافة إلى تركه ، المجامع مع فعل الصَّلاة ، لا مطلقاً ، كي ينافي مشروعيَّته ووقوعه عبادةً .

وعليه ، فهو في حدِّ ذاته راجح .

وأمَّا التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء المزدلفة خاصَّةً فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة (قال - عليه السلام - : السُّنة في الأذان يوم عرفة ... )[7] .

وظاهرها : أنَّ السُّنة هي إيقاع الصَّلاة الثانية بلا أذان ، فيكون ذلك تخصيصاً لعموم المشروعيَّة ، فيتعيَّن كون السُّقوط عزيمةً لانتفاء الأمر به ، فيكون الإتيان للثانية خلاف السُّنة وهو بدعة ، كما هو منتفٍ بالنسبة لغير الصَّلوات اليوميَّة ، والله العالم .

الأمر الثالث أقول : لا إشكال في حصول التفريق بين الفريضتين بالفصل المعتدِّ به ، سيَّما مع تخلُّلِ بعض العوارض الخارجيَّة غير المرتبطة بالصَّلاة .

ويقابله : الجمع الذي هو عبادة عن وصل الصَّلاة الثانية بالأُولى ، على نحو يصدق عرفاً إيقاعهما في زمان واحد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo