الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/07/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (27)
وقد يقال : إنَّه من أوَّل الأمر غير شامل لغير الفرائض ، لأنَّ الكلام بالنسبة للمريض ، فهل يسقط عنه الأذان والإقامة ، أو أنَّ مثله مثل الصَّحيح لا يسقطان عنه ، مع قطع النَّظر عن مورد ثبوتهما .
وأيضاً بالتسالم يرفع اليد عن إطلاق موثَّق عمَّار الآخر الشَّامل للفرائض غير اليوميَّة (إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذِّن وأقِم ... )[1] .
ثمَّ إنَّ الأعلام ذكروا أنَّه يقول في سائر الصلوات الواجبة : الصلاة ثلاث مرات ، واستدلّوا لذلك بمعتبرة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : أرأيتَ صلاةَ العيدين ، هل فيهما أذان وإقامة ؟ قال : ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى الصَّلاة ثلاث مرات ... )[2] ، والرِّواية معتبرة ، فإنَّ إسماعيل بن جابر هو نفسه إسماعيل بن جابر الخثعمي الذي وثَّقه الشَّيح رحمه الله في رجاله ، فالتعبير عنها بالرِّواية في غير محله .
ثمَّ إنَّ مورد المعتبرة صلاة العيدين ، فالتعدي عنها إلى سائر الصَّلوات الواجبة يحتاج إلى دعوى علم الغيب بأنَّه لا خصوصيَّة للعيدين ، ولو جاز التعدِّي عن موردها فلماذا لا تشمل النوافل أيضاً ؟! .
ثمَّ إنَّه يظهر منها أنَّ القول المذكور - وهو الصلاة ثلاث مرات - إنَّما يشرع بقصد الإعلام والتنبيه بفعل الصَّلاة المعلوم رجحانه شرعاً .
ومن هنا يختصّ ذلك بصلاة العيدين المأتي بها جماعةً ، لا فرادى ، والله العالم .
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ويسقطان عند ضِيق الوقت ، بحيث يلزم من فعلهما خروج وقت الصَّلاة ، أو بعضها ، لأنَّ الندب لا يعارض الفرض) ، وهو جيِّد .
المعروف بين الأعلام أنَّه لو صلَّيت الفريضة جماعةً في المسجد ، ثمَّ جاء آخرون وأرادوا الصَّلاة جماعةً أو فرادى ، لم يؤذِّنوا ولم يقيموا ، وبنوا على أذان الجماعة السَّابقة ، وإقامتها ، ما لم تتفرَّق الصُّفوف ، وإلَّا أذَّنوا وأقاموا ، وفي ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده في ذلك في الجملة ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... )[3] .
أقول : يدلّ على ذلك جملة من النصوص :
منها : موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : الرَّجل يدخل المسجد وقد صلَّى القوم ، أيؤذِّن ويقيم ؟ قال : إنْ كان دخلَ ، ولم يتفرق الصفُّ ، صلَّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرَّقَ الصفُّ أذَّن وأقام)[4] .
وذكر صاحب المدارك رحمه الله : (أنَّ الرِّواية ضعيفة لاشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف.
وفيه : أنَّ أبا بصير منصرف إلى ليث المرادي ويحيى بن القاسم ، وكلٌّ منهما ثقة ، فلا يضرّه الاشتراك .
وأمَّا انصرافه إلى غيرهما فيحتاج إلى قرينة ، لعدم معهودية غيرهما في الرِّوايات .
ومنها : روايته الثانية (سألتُه عن الرَّجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم ، قال : ليس عليه أن يعيد الأَذان فَلْيدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرَّقوا أعاد الأذان)[5] ، والرِّواية ضعيفة لاشتمالها على صالح المردَّد بين خالد الثقة وابن سعيد غير الموثَّق ، ولا مميِّز لأحدهما ، وأمَّا الإضمار فلا يضرّها ، لمعروفيَّة رواية أبي بصير عن الإمام عليه السلام .
ومنها : موثَّقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام (قال : دخل رجلان المسجد وقد صلَّى النَّاس ، فقال لهما عليّ عليه السلام : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ، ولا يؤذِّن ولا يقيم )[6] .