< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (26)

 

وفيه - مع قطع النَّظر عن عدم ثبوت حرمة قطع الصَّلاة ، وإنَّما احتطنا فيها فقط - أنَّه يجوز قطع الصَّلاة لفائدة دنيويَّة ، كحفظ المال ونحوه ، فلا مانع من أن يجوز ذلك لتحصيل فضيلة الأَذان والإقامة .

ومنها : موثَّقة عمَّار السَّاباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : إذا قُمْت إلى صلاةِ فريضةٍ فأذِّن وأقِم ، وافصِل بين الأَذانِ والإِقامةِ بقعود ، أو بكلام ، أو بتسبيح)[1] ، والأمر ظاهر في الوجوب .

نعم ، يرفع اليد عن الوجوب في الأَذان ، وفي الفصل بينهما ، لِمَا دلَّ على جواز الترك فيهما .

وعليه ، فيحمل الأمر فيهما على الاستحباب ، ويبقى في الإِقامة على ظاهره من الوجوب ، ولا مانع من التفكيك كما تقدم في أكثر من مناسبة .

وليس استعمال صيغة الأمر فيهما من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، لِمَا عرفت من أنَّ صيغة الأمر ليس موضوعةً لا للوجوب ولا للاستحباب ، بل استفادة الوجوب والندب إنَّما كان من حكم العقل ، راجع ما ذكرناه في علم الأصول .

والإنصاف : أنَّ هذه الموثَّقة يستفاد منها الوجوب .

نعم ، يرفع اليد عن ظهورها في الوجوب ، ويحمل على الاستحباب لِمَا سنذكره - إن شاء الله تعالى - من الأدلَّة الدَّالَّة على استحباب الإِقامة .

وذكر السَّيد أبو القاسم الخوئي (قدِّس سرُّه الشَّريف) أنَّ أحسن دليل يمكن أن يستدلّ به لوجوب الإقامة صحيحة زرارة الواردة في القضاء ، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث - (قال : إذا كان عليك قضاءُ صلواتٍ فابدأ بأوَّلهنّ فأذِّن لها وأقم ، ثمَّ صلِّها ، ثمَّ صلِّ ما بعدها ، فإقامة إقامة لكلِّ صلاة) [2] ، فإنَّه إذا وجبت الإقامة لصلاة القضاء ، كما هو ظاهر الصحيحة ففي الأداء بطريق أولى ، ولم أرَ من استدلَّ بها في المقام ، مع أنَّها أولى من كلِّ دليل ، وأحسن من جميع الوجوه المتقدِّمة ... ) .

أقول : لا ظهور في هذه الحسنة في الوجوب ، فضلاً عن أن تكون أحسن دليل ، وذلك لأنَّها واردة في كيفيَّة القضاء ، وأنَّه إذا أراد الإنسان أن يقضي ما عليه فيؤذِّن أذاناً واحداً لكلِّ ورد ، ثمَّ إقامة إقامة لكلِّ صلاة .

وأمَّا أنَّ الأَذان والإِقامة واجبَيْن أو مستحبَّيْن فهو غير منظور إليه .

وبالجملة ، فهي واردة في تعليم زرارة كيفيَّة القضاء ، وأنَّه هل يأتي في الورد الواحد بأذان وإقامة لكلِّ صلاةٍ ، أم يكفيه واحد ، هذا مع قطع النَّظر عن أنَّهما واجبان أو مستحبَّان .

ثمَّ إنَّه لو فرضنا دلالة الأدلَّة المتقدِّمة على الوجوب إلَّا أنَّها معارَضة بما دلَّ على الاستحباب :

منها : الرِّوايات الكثيرة الدَّالة على أنَّ مَنْ صلَّى مع الأَذان والإِقامة صلَّى خلفه صنفان من الملائكة ، ومَنْ صلَّى مع الإِقامة وحدها صلَّى خلفه صفّ واحد ، وقد تقدَّم بعضها فلا حاجة لإعادتها .

وهذه الرِّوايات لها ظهور قويّ ، بحيث تكون الصلاة مشتملةً مع اقتداء الملائكة على أجر عظيم .

وأمَّا إذا خلت منهما فتكون فاقدةً لصفة الكمال ، فكأنَّه قيل : ومَنْ صلَّى بلا إقامة لم يصلِّ خلفه أحد ، فلا موجب حينئذٍ لبطلان الصَّلاة .

والإنصاف : أنَّ هذا من أقوى الأدلَّة على عدم وجوب الإِقامة .

ومنها : ما ذكره صاحب المدارك من صحيحة حمَّاد بن عيسى المتضمنة لتعليم الإمام الصَّادق (عليه السلام) لحمَّاد الصَّلاة ، حيث إنَّه (عليه السلام) ( قام مستقبِل القبلة منتصباً ، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القِبلة ، وقال بخشوع : الله أكبر ، ثمَّ قرأ الحمد بترتيل ... ) [3] [4] .

ثمَّ قال صاحب المدارك رحمه الله : (ولو كان الأَذان والإقامة واجبَيْن لذُكِرا في مقام البيان) .

ويرد عليه : أنَّ الصَّحيحة واردة فيما يتعلَّق بنفس الصَّلاة من الأجزاء والمستحبات والآداب ، أي ما كان منها ما بين التكبير والتسليم ، وليست في مقام بيان الخارج عن الصَّلاة من الواجبات والمستحبات ، وإلَّا لما كان هناك عذر في ترك الأَذان والإقامة ، لاسيَّما الإِقامة ، فكيف يتركها الإمام (عليه السلام) بلا عذر ؟!

ومنها : زرارة المتقدِّمة (قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتَّى دخل في الصَّلاة ، قال : فليمضِ في صلاته فإنَّما الأذان سنَّة) [5] ، والمراد بالأذان في الجواب ما يشمل الإقامة بقرينة السؤال .

ثمَّ إنَّ المتبادِر من إطلاق السنَّة إرادة الندب .

إن قلت : يحتمل كون المراد بالسنَّة ما ثبت من سنَّة الرسول (صلى الله عليه وآله) مقابل ما ثبت بالكتاب العزيز ، فيُراد منها الأعمّ من الاستحباب .

ولا ينافيه جعلها علَّةً لنفي الإعادة ، حيث إنَّ السنَّة بهذا المعنى أيضاً لا يوجب الإخلال بها سهواً نقض الصَّلاة ، كما في صحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) (أنَّه قال : لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة : الطهور الوقت والقبلة والركوع والسُّجود ، ثمَّ قال : القراءة سنَّة ، والتشهُّد سنَّة ، ولا تبطل السّنُّة الفريضة) [6] [7] .

قلت أوَّلاً : إنَّ حمل السنَّة على المعنى المزبور خلاف ما يتبادر من إطلاقها .

وثانياً : أنَّ مقتضى ذلك حمل التعليل على التعبُّد ، وهو خلاف ظاهر التعليل .

ومنها : الإجماع المركب ، أي كلّ مَنْ قال بوجوب الإقامة قال بوجوب الأَذان ، وكل من قال باستحباب الأذان قال باستحبابها ، فالقول بوجوب الإقامة دون الأذان خَرْق للإجماع المركَّب .

وقد حكي هذا الإجماع عن العلَّامة رحمه الله في المختلَف .

وفيه أوَّلاً : أنَّه لم يثبت هذا الإجماع ، بل ثبت عدمه ، لذهاب البعض إلى وجوب الإِقامة دون الأَذان وثانياً لو سلَّمنا ذلك ، إلَّا أنَّه مدركيّ أو محتمل المدركيَّة ، فلا يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) .

والخلاصة : أنَّه لو كانت الإقامة واجبة لصار وجوبها مثل وجوب الفرائض الخمس من ضروريات الدِّين ، فضلاً عن أن تنعقد الشُّهرة على خلافه ، فاشتهار القول بالاستحباب بين الأعلام في مثل هذه المسألة العامة الابتلاء بنفسه قرينة كاشفة عن المراد عمَّا كان ظاهره الوجوب ، والله العالم .

(تنبيه) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يؤذِّن ، ولا يقام لشيء من النوافل ، ولا لشيء من الفرائض ، عدا الخمس ، بل عن المحقِّق رحمه الله في المعتبر : (أنَّه إجماع علماء الإسلام) ، وعن العلامة في المنتهى : (أنه قول علماء الإسلام) ، وفي الجواهر : (إجماعاً محصَّلاً ومنقولاً) .

والخلاصة : أنَّه متسالم عليه بين الأعلام ، حتَّى من العامَّة .

وبذلك نرفع اليد عن إطلاق موثَّق عمَّار الشامل لغير الفرائض (لا بدَّ للمريض أن يؤذِّن ويقيم - إلى أن قال : - لا صلاة إلَّا بأَذانٍ وإقامةٍ) [8] .


[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب11 من أبواب الأذان والإقامةح1.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب10 من أبواب الأذان والإقامةح5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo