الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/07/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (21)
قوله : (ولو لم يوجد متطوع جاز الرِّزق من بيت المال ، أو من الإمام ، أو من الرعيَّة)[1]
قال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : ( إذا وُجِد من يتطوع بالأَذان لم يجز تقديم غيره وإعطاؤه من بيت المال ، لحصول الغرض بالمتطوِّع ، ولو لم يوجد متطوِّع جاز رزقه من بيت المال ، قال الشيخ : من سهم المصالح ، ولا يكون من الصدقات ، ولا الأخماس ، لأنَّه لذلك أقواماً مخصوصِين ، ويجوز أن يعطيَه الإمام من ماله ... )[2] .
أقول : لا إشكال في جواز الارتزاق من بيت المال ، بل عن غير واحد من الأعلام نسبته إلى الأصحاب ، مشعِراً بدعوى الإجماع عليه ، بل عن العلَّامة (قدِّس سرُّه) - في جملة من كتبه - دعواه صريحاً عليه .
بل الإنصاف : هناك تسالم بين الأعلام في جميع الأعصار والأمصار .
نعم ، قيَّده جماعة من الأعلام ، ومنهم المصنِّف (قدِّس سرُّه) : بعدم وجود المتطوِّع ، بل لعلَّه متَّفق عليه بينهم ، ضرورة عدم المصلحة للمسلمين في ارتزاقه مع وجود المتبرِّع .
نعم ، إذا كان المتبرِّع فاقد بعض صفات الكمال التي في وجودها مصلحة للمسلمين ، كالعدالة ونحوها ، اتَّجه حينئذٍ الجواز .
قال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : ( لو احتيج إلى الزيادة على واحدٍ ، ولم يوجد متطوع ، جاز أن يرزق الزائد تحصيلاً للمصلحة ... ) ، وقد عرفت وجهه .
ثمَّ إنَّ بيت المال مركَّب من الزكاة والخمس والصدقات والخراج والمقاسمة ، ونحوها .
قوله : (وتحرم الأُجرة ، وكرهها المرتضى)
المشهور بين الأعلام حرمة أخذ الأُجرة على الأَذان ، وفي الجواهر : ( لكن خيرة الأكثر ، بل المشهور ، نقلاً وتحصيلاً ، الحرمة )[3] ، بل عن المختلف : ( هذا مذهب أصحابنا إلَّا مَنْ شذ ، بل في حاشية الإرشاد للكركي : لا خِلاف في تحريم أخذ الأُجرة عليه ، سواء من السلطان ، أو من طائفة من الناس ، كأهل محلّة ، أو قرية ... ) .
ثمَّ إنَّه لا فرق في الأُجرة بين كونها من أوقاف المسجد ، أو بيت المال المعدّ للمصالح ، أو من زكاة ، ونحوها ، أو من متبرِّع ، كلّ ذلك للإطلاق .
هذا ، وبالمقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى الكراهة ، منهم السَّيد المرتضى والكاشاني (رحمهما الله) .
وفي الذكرى والمحكي عن البحار وتجارة مجمع البرهان : أنَّ القول بالكراهة متِّجه .
وفي المدارك : (لا بأس به) ، وفي المحكي عن التحرير والمنتهى : (أنَّ في الأُجرة نظراً) .
أقول : يقع الكلام في أمرَيْن :
الأوَّل : في مقتضى القاعدة .
الثاني : في مقتضى الرِّوايات الواردة في المقام .
أمَّا بالنسبة للأمر الأوَّل : فتارةً نتكلم عن أَذان الصَّلاة ، وأُخرى عن أذان الإعلام .
أمَّا أذان الصَّلاة : فقد استُدل لحرمة أخذ الأُجرة عليه بدليلَيْن :
الأول : منافاة قصد الأُجرة لقصد الامتثال المعتبر في العبادة .
وفيه : أنَّ هذا الوجه إنَّما يتمّ بناءً على كون قصد أخذ الأُجرة لوحظ داعياً في عرض داعويَّة قصد امتثال الأمر .
وأمَّا لو كان قصد أخذ الأُجرة ملحوظاً في طول داعويَّة قصد الامتثال بنحو داعي الداعي فلا إشكال حينئذٍ ، وقد التزمنا به في قضاء الأجير .
الدليل الثاني : ما ذكره صاحب الجواهر (قدِّس سرُّه) من أنَّ (ظاهر الأدلَّة كون الخطاب بالأَذان الصَّلاتي ، كخطاب الصلاة وقنوتها وتعقيبها ، يراد منه المباشرة من المكلفِين) .
وعليه ، فلا يصحّ الإجارة عليه .
وفيه : أنَّ ذلك يتمّ لو وقعت الإجارة على الأَذان بعنوان النيابة .
أمَّا لو كانت على الأذان المأتي به لصلاة الأجير لغرض للمستأجر في ذلك ، كأن يريد أن يصلِّي بصلاته أو نحو ذلك من الأغراض