< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (20)

 

قوله : (ومع التَّشاح يقدَّم مَنْ فيه صفة كمال ، فالقرعة)[1]

اِعلم أنَّ التّشاح إنَّما يتصور في الارتزاق من بيت المال ، كما صرَّح به جماعة من الأعلام ، منهم المصنِّف رحمه الله في الذكرى .

وأمَّا في غير الارتزاق فلا موقع للتّشاح ، لجواز أن يؤذِّن الجميع للإعلام ، وللجماعة أيضاً ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى .

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه مع التّشاح يقدَّم الأعلم بأحكام الأَذان التي من جملتها الأوقات لأمن الغلط ، فإنْ تساووا في العلم أُقْرِع بينهم .

ومقتضى كلامهم عدم اعتبار غير العلم من الصفات المرجحة في الأَذان وغيرها ، بل مقتضى ما عن الشيخ رحمه الله في المبسوط عدم اعتبار العلم أيضاً ، لأنَّه أطلق القرعة مع التَّشاح .

وفيه : أنَّه منافٍ لقاعدة "قبح ترجيح المرجوح مع الراجح" .

ثمَّ إنَّ جماعة من الأعلام ذهبوا إلى عدم انحصار الترجيح بالأعلميَّة ، منهم المصنِّف رحمه الله في الذكرى ، حيث قال (لو أراد الإمام أو الحاكم نصب مؤذِّن يرزق من بيت المال فالأقرب اعتبار عدالته ، لأنَّ كمال المصلحة يتوقَّف عليه .

وكذا لو تشاح العَدْل والفاسق قدِّم العَدْل ، ولو تشاح العدول والفاسقون قدِّم الأعلم بالأوقات لأَمْن الغلط معه ، ولتقليد أرباب الأعذار له .

ومنه يعلم تقديم المبصر على المكفوف ، ثمَّ الأشدّ محافظة على الأَذان في الوقت ، ثمَّ الأندى صوتاً ، ثمَّ من يرتضيه الجماعة والجيران ، ومع التساوي فالقرعة ... )[2] .

وذكر نحو ذلك الشَّهيد الثاني رحمه الله في الرَّوض ، حيث قال : (والأَوْلى تقديم العَدْل على الفاسق ، والمبصر على الأعمى ، وجامع الصِّفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقلّ ، فإنْ استووا فالأشدّ محافظة على الوقت على مَنْ ليس كذلك ، والأندى صوتاً ، والأعفّ عن النَّظر ، ثمَّ مَنْ يرتضيه الجِيران ، ومع التساوي ... )[3] .

أقول : مقتضى الإنصاف هو لزوم مراعاة ما فيه مصلحة المسلمين ، وهي لا تنضبط بضابطة لاختلافها أشدّ اختلاف ، ضرورة عدم انحصارها في الصِّفات المرجِّحة في الأَذان ، بل ينبغي مراعاة قلَّة الارتزاق وكثرته ، وغير ذلك من المصالح .

ولعلَّه إلى ذلك أشار المصنِّف رحمه الله هنا ، حيث قال : (ومع التَّشاح يقدَّم مَنْ فيه صفة كمال) ، ولم يحصر ذلك بالأعلمية .

ثمَّ إنَّه مع فرض عدم حصول المرجّح لتعارض المرجِّحات أو تساويها يقرع بينهم ، إذ التخيير وإن كان ممكناً لكن لا ريب في أولويَّة القرعة منه ، لأنَّه أطيب لنفوس المتشاحِين ، وأعذر عندهم .

ويشير إلى القرعة في خصوص المقام ما رواه الشَّيخ رحمه الله في المبسوط عن النبي (صلى الله عليه وآله) (لو يعلم النَّاس ما في الأَذان والصفّ الأوَّل ، ثمَّ لم يجدوا إلَّا أن يُسهِموا عليه لفعلوا)[4] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ولكن لا نحتاج إلى هذه الرِّواية لإثبات القرعة ، إذ إطلاقات وعمومات أدلَّة القرعة تشمل المقام ، والله العالم .

 

قوله : (ويجوز تعدّده ، ومنع في الخلاف من الزيادة على اثنين ، فيؤذِّنون جميعاً ، ومع السِّعة يترتبون)

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز تعدّد المؤذِّنين للإعلام بالوقت مجتمعين في محلّ واحد أو محالّ متعدّدة أو مترتبين ، مع بقاء الوقت ، لإطلاق الأدلَّة والسِّيرة المستمرة .

واحتمال عدم المشروعيَّة في خصوص المترتّب عنه إذا فرض عدم فائدة له زائدة على الأوَّل ، لحصول الامتثال .

يدفعه : أنَّ ظاهر الأدلَّة كونه مستحبًّا عينيًّا ، كما هو الأصل لا كفائيًّا .

نعم ، قد يشكل تكراره من الشَّخص الواحد في المكان الواحد .

وأمَّا أذان الصَّلاة فلا ريب في عدم جواز تكراره للمنفرد إذا لم يحصل مقتضٍ له من فَصْل معتدّ به بينه وبين الصَّلاة ونحوه ، لعدم معقولية الامتثال عَقِيب الامتثال.

وأمَّا الجماعة فلا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق الأدلَّة استحباب الأَذان لكلِّ واحد منهم من غير فرق بين الإمام والمأمومين ، ولا معارِض له ممَّا يقتضي وحدة الأَذان للجماعة من حيث إنَّها جماعة .

نعم ، يجوز الاكتفاء بأذان واحد للجماعة لِجريان السِّيرة .

وأمَّا أصل الاستحباب لكلِّ شخص فهو باقٍ .

وأمَّا ما يحكى عن الشَّيخ أبي علي نجل الشَّيخ الطوسي رحمه الله في شرح نهاية والده من الإجماع على أنَّ الزَّائد على اثنين بدعة ، وفاقاً لِما ذكره والده في الخِلاف من إجماع الفرقة على ما رَوَوه من أنَّ الأَذان الثالث بدعة[5] [6] ، قال : (فدلَّ ذلك على جواز اثنين ، والمنع عمَّا زاد ... ).

وفيه : أنَّ الرِّواية الواردة في ذلك وإن كانت موثَّقةً ، حيث بنينا أخيراً على وثاقة حفص بن غياث ، لأنَّ الشَّيخ رحمه الله في العدة ذكر أنَّ الطَّائفة عملت برواياته .

وذكر أيضاً في بعض كتبه أنَّ له كتاباً معتمداً ، إلَّا أنَّ ما نحن فيه لا يعدّ ثالثاً ، كما اعترف به في جامع المقاصد ، ضرورة كون تكراره باعتبار تعدّد المكلّفين ، فكلّ منهم يؤذِّن لصلاته ، لا أنَّه أذان متعدّدة لصلاة واحدة ، فإنَّ الثاني حينئذٍ بدعة ، فضلاً عن الثالث ، على أنَّ الرِّواية المزبورة يُشار بها إلى بدعةٍ مخصوصةٍ من تعدّد الأَذان لصلاة الجمعة .

والرِّواية هكذا : (الأَذان الثالث يوم الجمعة بدعة) ، وسيأتي الكلام عنه - إن شاء الله تعالى - في صلاة الجمعة .

وعلى كلِّ حال فالرِّواية غير ما نحن فيه .

ثمَّ إنَّ الأعلام ذكروا أنَّ الترتيب أفضل مع سِعة الوقت ، ولكن لم نجد ما يدلّ على ذلك .

نعم ، علّل بأنَّه تكرير للإعلام ، أو إعلام لِمَنْ لم يسمع السَّابق .

وفيه : ما لا يخفى .

وعلى كلِّ حال ، فالمراد باتّساع الوقت عدم اجتماع تمام المطلوب في الجماعة ، كانتظار الإمام والمأمومين الذين يعتاد حضورهم ، لا المعنى المتعارف ، فإنَّ تأخير الصَّلاة عن أوَّل وقتها غير موظَّف مستبعد .

 

قوله : (ويكره التراسل)

قال الشَّيخ رحمه الله في المبسوط : (يجوز أن يكون المؤذِّنون اثنين اثنين إن أذَّنوا في موضعٍ واحد ، فإنَّه أذان واحد ، فأمَّا إذا أذَّن واحد بعد واحد فليس ذلك بمسنون ، ولا بمستحبّ ... )[7] .

وفسَّر المحقِّق رحمه الله في المعتبر ، والعلَّامة رحمه الله في المنتهى قوله : (واحداً بعد واحد) بأن يبني كلّ واحد على فصول الآخر ، وهو المعتبر عنه بالتراسل ، فإنَّه على هذه الكيفيَّة لا يصدق على واحد منهما أنَّه مؤذِّن .

أقول : قد لا تكون هذه الكيفيَّة مشروعة ، إذ لا يعهد الأَذان بهذه الطريقة .

 

قوله : (ويجوز أن يقيم غير المؤذِّن)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (يجوز أن يتولَّى الأَذان والإقامة واحد ، وأن يؤذِّن ويقيم غيره ، وهل يستحبّ اتِّحاد المؤذِّن والمقيم ؟ لم يثبت عندنا ذلك ...) .

أقول : مع فَقْد النصّ يجوز كلّ من الوجهَيْن ، مع عدم ثبوت الاستحباب لأحدهما بالخصوص.

 

قوله : (والإِقامة منوطة بإِذن الإمام)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (الظَّاهر أنَّ الإقامة منوطة بإذن الإمام صريحاً ، أو بشاهد الحال ، كحضوره عند كمال الصّفوف ، ورى العامَّة عن عليٍّ عليه السلام : المؤذِّن أَمْلك بالأَذن ، والإِمام أملك بالإقامة ) [8] .

أقول : لا دليل على إناطة الإقامة بالإمام ، والرِّواية التي ذكرها المصنِّف رحمه الله لا يعتمد عليها لضعفها جدّاً .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo