الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/07/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (18)
اســــــــــــــتكمال قول الشهيد رحمه الله : (ويستحبّ الفصل بينهما ركعتين في الظُّهرين من سنّتهما ، وبجلسة في الصّبح والعشاء ، ورُوي : في المغرب ، والمشهور فيها بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، ويجزئ الثلاثة في الكلّ)[1]
وأمَّا استحباب الفصل بالسَّكتة - التي فُسِّر النفس بها - : فقد ورد ذلك في رواية ابن فرقد المتقدِّمة ، وقد عرفت ضعفها ، كما أنَّه قد يشكل تعدية الفصل بها لغير المغرب .
نعم ، ادَّعى بعض الأعلام الإجماع على استحباب الفصل بها للجميع .
أقول : إنَّ مقتضى الإنصاف هو استحباب الفصل بكلّ ما ذكر للصَّلوات الخمس ، لأنَّ ما ذكر في الرِّوايات في بعض الصَّلوات إنَّما هو من باب المثال ، ولا خصوصيَّة له ، والله العالم .
ثمَّ إنَّه أيضاً قد ورد استحباب الدُّعاء حال الجلوس رفعه محمَّد بن يقظان (يقطين) إليهم عليهم السلام (قال : يقول الرَّجل إذا فرغ من الأذان ، وجلس : اللهمَّ اجعل قلبي بارّاً ، ورزقي داراً ، واجعل لي عند قبر نبيِّك (صلى الله عليه وآله) قراراً ومستقرّاً)[2] ، وهي ضعيفة بالرَّفع ، وبجهالة جعفر بن محمَّد بن يقظان (يقطين) .
وأيضاً فإنَّ الحسين الموجود إن كان ابن راشد فهو غير موثَّق ، وإن كان ابن أسد فهو ثقة ، وبما أنَّه لم يُحرَز فتكون ضعيفة من هذه الجهة أيضاً .
قال صاحب المدارك رحمه الله : (ومعنى البارّ : المطيع والمحسن ، ومعنى كون الرزق داراً : زيادته وتجدده شيئاً فشيئاً ، كما يدرّ اللبن والقرار والمستقرّ قِيل : إنَّهما مترادفان ، وقيل : المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة ، كأنَّه يسأل أن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره (صلى الله عليه وآله) واختصّ الدنيا بالمستقرّ لقوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر)[3] ، والآخرة بالقرار لقوله تعالى : (وإن الآخرة هي دار القرار)[4] )[5] .
قوله : (ويشترط إسلام المؤذِّن وعقله)
في المدارك : (هذا مذهب العلماء كافَّةً ، لأنَّ المجنون لا حكم لعبارته ، والكافر ليس أهلاً للأمانة ، والمؤذِّنون أمناء ، لقول النَّبي (صلى الله عليه وآله) : الإمام ضامن والمؤذِّن مؤتمن ... )[6] ، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسمَيْه عليه ، بل المنقول منه مستفيض ، أو متواتر ... )[7] .
أمَّا بالنسبة لاشتراط العقل فعمدة دليل الأعلام هو عدم الخلاف في المسألة ، أي التسالم بينهم .
وأمَّا حديث رفع القلم - أي عن الصَّبي حتَّى يحتلم ، وعن المجنون حتَّى يفيق ... - فقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّه ضعيف بطريقَيْه[8] ، فراجع ما ذكرناه في أوَّل باب الحجّ .
وأمَّا اشتراط الإسلام في المؤذِّن فدليله - مضافاً إلى التسالم ، وعدم الخلاف - : موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سُئِل عن الأَذان هل يجوز أن يكون من غير عارف ؟ قال : لا يستقيم الأَذان ، ولا يجوز أن يؤذِّن به إلَّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذان وأذَّن به ، ولم يكن عارفاًَ لم يجز أذانه ، ولا إقامته ، ولا يقتدى به) [9]
.
وقد استدلّ أيضاً بأنَّ الأَذان لا يتصوَّر وقوعه من الكافر ، لأنَّ التلفُّظ بالشَّهادتين إسلام .
وفيه : أنَّ التلفُّظ يمكن أن لا يكون إسلاماً إذا كان استهزاءً أو حكايةً أو غفلةً أو تأوّلاً عدم عموم النُّبوة ، كما يقوله النصارى من أنَّ محمَّداً نبي العرب خاصَّة ، ونحو ذلك .
ولو علم اعتقاده مضمون كلمتي الشَّهادة حكم بإسلامه قطعاً ، ولا يعتدّ بذلك الأَذان لوقوع أوَّله في الكفر .
وهل يشترط الإيمان المعروف بين جماعة كثيرة من الأعلام ، منهم الشَّهيدان ؟
إنَّ ظاهر عبارة كثير من الأعلام هو اشتراط مجرد الإسلام ، فيكفي أَذان المخالِف ، قال الشَّهيد الثاني رحمه الله في الروض : (وهل يشترط في المؤذِّن مع الإسلام الإيمان ظاهر العبارة عدم اشتراطه ، وينبّه عليه أيضاً حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذِّن ، فإنَّه يشمل بإطلاقه المخالِف وهو ظاهر فيه - إلى أن قال : - والأصحّ اشتراط الإيمان مع الإسلام ... )[10] .
أقول : لا إشكال في اشتراط الإيمان في أذان الصَّلاة لكونه عبادة ، وقد ذكرنا سابقاً في أكثر من مناسبة أنَّ عبادتهم فاسدة لاشتراط الولاية في صحَّة العبادات ، وقد دلَّ على ذلك الأخبار الكثيرة .
وممَّا يدلُّ عليه هنا بالخصوص موثَّقة عمَّار المتقدِّمة ، بناءً على أنَّ المراد من العارف هو المؤمن ، كما هو الظَّاهر منه ، لا سيَّما بملاحظة موارد استعماله في النصوص .
وقد يؤيِّد الاشتراط روايتان :
الأُولى : صحيحة معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا دخل الرَّجل المسجد ، وهو لا يأتمّ بصاحبه ، وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشى إن هو أذَّن وأقام أن يركع ، فَلْيقل : قد قامت الصَّلاة قد قامت الصَّلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، وَلْيدخل في الصَّلاة) [11]
.
الثانية : رواية محمَّد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : أذِّن خلف مَنْ قرأتَ خلفَه) [12]
، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
وإنَّما قلنا : (قد يؤيِّد) لأنَّ الظَّاهر منهما عدم سقوط الأَذان والإقامة في الجماعة الباطلة ، وإن كان المؤذِّن والمقيم مؤمناً ، ولا يظهر منهما نفي حكم الأذان عن أذان المخالِف .
ثمَّ إنَّه لا ينافي ما ذكرنا من اشتراط الإيمان صحيحة ابن سنان المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا أذَّن المؤذِّن فنقص الأَذان ، وأنت تريد أن تصلِّي بأذانه ، فأتمّ ما نقَّص هو من أذانه ... ) [13]
، وهي ظاهرة في شمولها للمخالِف المنقِّص نحو (حيَّ على خير العمل) ، بل لعل المخالف من أوضح المصاديق لهذه الصحيحة .
ومنه تعرف أن ما ذكره السَّيد محسن الحكيم رحمه الله من أنه لا إطلاق لها يشمل المخالف في غير محله ، قال (ودعوى ظهوره - أي صحيح ابن سنان - في أذان المخالف الناقص حيَّ على خير العمل غير ظاهر ، إذ لا قرينة عليه ، ومجرد كونه الغالب غير كافٍ في الحمل ... )[14]
والإنصاف - في الجواب عن هذه الصَّحيحة - : أنَّه لا منافاة بين بطلان أذان المخالِف في حدِّ ذاته وبين كفاية سماعه لمريد الاكتفاء به ، لأن العبرة بالسّماع ، والمفروض أنَّ السّامع مؤمن ، نعم يُتِمّ ما نقَّصه .
ثمَّ إنَّ ما ذكرناه إنَّما هو في أذان الجماعة ، وأمَّا أذان الإعلام فلا يعتبر فيه الإيمان ، لِعدم اعتبار قصد التقرُّب فيه كما تقدَّم ، والله العالم .
قوله : (وصَحْوه من السُّكر والإغماء)
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وفي حكم المجنون السَّكران الذي لا تحصل له لِعدم انتظام كلامه غالباً ، وعدم قصده)[15] .
أقول : ما ذكره المصنِّف رحمه الله في الذكرى إن لم يكن هو الأقوى فلا أقلّ أنَّه أحوط .
قوله : (وذكوريَّته إذا أذَّن للرِّجال الأجانب ، ويجوز أذان المرأة للنساء ومحارم الرجال)
ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل تحت عنوان تنبيه ، عند قول المصنف رحمه الله سابقاً : (ولا يتأكَّد في حقِّ النِّساء ، ويجزئها التكبير والشَّهادتان) .
وقلنا هناك : إنَّ الأقوى هو الاعتداد بأذانهنَّ للأجانب ، لِعدم ثبوت جريان حكم العورة على أصواتهن.
نعم ، الأَولى عدم الاعتداد ، فراجع ما ذكرناه ، فإنَّه مهمّ .