< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (17)

 

استكمال قول الشهيد (قدِّس سرُّه) : (وكذا يكره كون المؤذِّن لحَّاناً ، أو غير فصيح)[1]

وأغلب الأعلام ذكروا أنَّه يستحبّ أن يكون مبصراً ، ولا يمكن الجمع بين الكراهة بغير مسدد ، وبين استحباب كونه مبصراً ، بل إما الكراهة ، أو الاستحباب ، وتمييز ذلك إنَّما هو بالمدرك .

ومهما يكن ، فقدِ ادَّعى العلَّامة رحمه الله في التذكرة الإجماع على الاستحباب .

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا يشترط في صحَّة الأَذان كونه مبصراً ، فلو أذَّن الأعمى جاز بلا إشكال ، ولقد كان ابن أم مكتوم مؤذِّناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهو أعمى ، إلَّا أنَّه كان لا ينادى إلَّا أن يقال له : أصبحت أصبحت .

والنتيجة إلى هنا : أنَّ الأعمى بما أنَّه غالباً لا يتمكّن من معرفة الوقت فيحتاج إلى مسدِّد ، والله العالم .

*****************

قوله : (أو أعمى إلَّا بمسدد)

اِعلم أنَّ الفصل بين الأَذان والإقامة ليس واجباً باتِّفاق جميع الأعلام من المتقدِّمين والمتأخِّرين ، وفي جميع الأعصار والأمصار .

وقد يشهد لذلك صحيحة عبد الله بن مسكان (قال : رأيتُ أبا عبد الله عليه السلام أَذَّن وأقام من غير أن يفصل بينهما بجلوس )[2] ، ولكن لا دليل فيه على ذلك ، إذ يحتمل الفصل بغير الجلوس من الخطوة أو السَّكتة أو التسبيحة ، ونحوها .

وأمَّا ما في موثَّق عمَّار السَّاباطي عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديثٍ - (قال : سألتُه عن الرَّجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشيءٍ حتَّى أخذ في الصَّلاة أو أقام للصَّلاة ؟ قال : ليس عليه شيء ليس له أن يدع ذلك عمداً ، سُئل : ما الذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة ؟ قال : يقول : الحمد لله) [3] ، فمحمول على التأكُّد .

والخلاصة : أنَّ هناك تسالُماً بين الأعلام على عدم الوجوب .

نعم ، هو مستحبّ لا إشكال .

قال المحقِّق المعتبر رحمه الله : (ويستحبّ الفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة ، خلا المغرب فإنَّه لا يفصل بين أَذانيها إلَّا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، وعليه علماؤنا)[4] ، ومثله العلَّامة رحمه الله في المنتهى .

وقال العلَّامة رحمه الله في التذكرة : (يستحبُّ الفصل بين الأَذان والإقامة بجلسة أو سجدة أو سكتة أو خطوة أو صلاة ركعتين في الظُّهرين ، إلَّا المغرب فإنَّه لا يفصل بينهما إلَّا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة عند علمائنا)[5] .

أقول : يدلّ على استحباب الفصل بين الأَذان والإقامة بصلاة ركعتين ببعض الرِّوايات :

منها : صحيحة سُليمان بن جعفر الجعفري (قال : سمعته يقول : اِفرق بين الأَذان والإِقامة بجلوس أو بركعتين) [6] ، ولا يضرّها الإضمار .

ومنها : صحيحة بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ، حيث ورد في الذَّيْل (وأمَّا السُّنة فإنَّه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأَذان والإقامة إلَّا الرّكعتان) [7] ، وهذه الرِّوايات دالَّة على استحباب الفصل بالرِّكعتين ، سواء في الظُّهرين أم غيرها .

نعم ، الأفضل أن يكون الفصل بينهما بركعتَيْن في الظُّهرين من سنّتهما ، كما في رواية أبي علي صاحب الأنماط عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليه السلام (قال : قال : يؤذِّن للظُّهر على ستٍّ ركعات ، ويؤذِّن للعصر على ستٍّ ركعات بعد الظُّهر) [8] ، ولكنَّها ضعيفة لِجهالة أبي علي صاحب الأنماط ، بل لم يعرف اسمه أيضاً .

وأمَّا استحباب الفصل بالسَّجدة : فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لم يظفر له بمستند حتَّى علّلوه بأنَّ السَّجدة جلسة وزيادة راجحة .

وقد يستدلّ له بما عن فلاح السَّائل لرضي الدِّين ابن طاووس بإسناده عن هارون بن موسى عن الحسن بن حمزة العلوي عن أحمد بن بندار عن أحمد بن هليل الكرخي عن ابن أبي عمير عن بكر بن محمَّد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه : مَنْ سجد بين الأَذان والإِقامة ، فقال في سجوده : سجدت لك خاضعاً خاشعاً دليلاً ، يقول الله : ملائكتي ! وعزّتي وجلالي لأجعلن محبّته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين) [9] ، ولكنَّها ضعيفة من جهتين :

الأُولى : بالإرسال ، حيث لم يذكر ابن طاووس رحمه الله طريقه إلى هارون بن موسى .

والجهة الثانية : أحمد بن بندار ، وأحمد بن هليل الكرخي .

وأمَّا الفصل بالجلوس أو الكلام أو التسبيح فيدلّ عليه موثَّقة عمَّار السَّاباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذَّن وأقم ، وافصِل بين الأَذان والإِقامة بقعود أو بكلام أو تسبيح) [10] .

ويدلّ على خصوص الجلوس رواية ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : بين كلّ أَذَانين قِعدة إلَّا المغرب فإنَّ بينهما نفساً ) [11] ، وهي ضعيفة بالإرسال ، والمراد بالنفس : السَّكتة .

وموثَّقة إسحاق الجريري عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال مَنْ جلس فيما بين أَذان المغرب والإقامة كان كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله) [12] ،وسعدان بن مسلم الموجود في السَّند من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته .

ولعلَّ الجلوس هنا محمول على الجلوس الخفيف .

ويدلّ على استحباب الفصل بالجلوس مع الدّعاء رواية الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (قال : دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام وقت المغرب ، فإذا هو قد أَذَّن وجلس ، فسمعته يدعو بدعاءٍ ما سمعت بمثله ، فسكتُ حتَّى فرغ من صلاته ، ثمَّ قلت : يا سيدي ! لقد سمعت منك دعاءً ما سمعت بمثله قط ! قال : هذا دعاء أمير المؤمنين عليه السلام ليلة بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهو : يا من ليس معه ربّ يدعى ! يا مَنْ ليس فوقه خالق يخشى ! يا مَنْ ليس دونه إله يتَّقى ! يا مَنْ ليس له وزير يغشى ! يا مَنْ ليس له بواب ينادى ! يا مَنْ لا يزداد على كثرة السُّؤال إلَّا كرماً وجوداً ! يا من لا يزداد على عظم الجرم إلَّا رحمةً وعفواً ! صلِّ على محمد وآل محمَّد ، وافعل بي ما أنت أهله ، فإنَّك أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأنت أهل الجود والخير والكرم) [13] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال لِعدم ذكر ابن طاووس طريقه إلى هارون بن موسى التلعكبري ، وضعيفة أيضاً بعدم وثاقة الحسن بن معاوية بن وهب .

وأمَّا استحباب الفصل بالخطوة : فقد اعتراف غير واحد من الأعلام بعدم الظَّفر لها بمستند .

أقول : يمكن أن يكون المستند ما في الفِقه الرَّضوي : (وإن أحببت أن تجلس بين الأَذان والإِقامة فافعل ، فإنَّ فيه فضلاً كثيراً ، وإنَّما ذلك على الإمام ، وأمَّا المنفرد فيخطو تجاه القِبلة خطوةً برجله اليمنى ، ثمَّ يقول : بالله استفتح ، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) أستنجح وأتوجَّه ، اللهمَّ صلّ على محمَّد وعلى آل محمَّد ، واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، وإن لم تفعل أيضاً أجزأك) [14] .

وفيه - ما ذكرناه في أكثر من مناسبة - : من أنَّ كتاب فِقه الرِّضا هو فتاوى لابن بابويه رحمه الله ، إلَّا ما كان فيه بعنوان رُوي ونحوه ، فتكون روايةً مرسلةً .

أضف إلى ذلك : أنَّه مختصّ بالمنفرد ، والمعروف بين الأعلام عدم الفرق بينه وبين غيره في ذلك .

وأمَّا استحباب الفصل بالسَّكتة - التي فُسِّر النفس بها - : فقد ورد ذلك في رواية ابن فرقد المتقدِّمة ، وقد عرفت ضعفها ، كما أنَّه قد يشكل تعدية الفصل بها لغير المغرب .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo