الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/06/27
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (16)
استكمال قول الشهيد (قدِّس سرُّه) : (ويُكره الكلام في خلالهما ، وفي الإِقامة آكد ، فيبني في الأَذان لو تكلَّم ، ويُعيد في الإقامة ، وتتأكَّد كراهيّته بعد (قد قامت) ، وحرَّمه جماعة إلَّا لتسوية صفّ أو تقديم إمام)[1]
ومنها : حَمْل الأَخبار المانعة على الحكم الوضعيِّ ، أي البطلان ، وحمل الأَخبار المجوِّزة على الحكم التكليفيِّ ، بقرينة صحيحة ابن مسلم الآمرة بإعادة الإِقامة .
وفيه : أنَّ صحيحة حمَّاد واضحة في السَّؤال عن الصّحَّة والفساد ، كما أنَّ بعض أخبار المنع واضحة في كونه عن الحكم التكليفيِّ ، فقوله (عليه السَّلام) في صحيحة زرارة (حرم الكلام على الإِمام) ، وكذا في صحيحة ابن أبي عمير ، ظاهر في الحرمة التكليفيَّة .
نعم ، يستحبّ إعادة الإِقامة ، لصحيحة ابن مسلم المتقدِّمة .
ومنها : حَمْل أخبار الجواز على الاضطرار .
وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّه خلاف رواية ابن شهاب ، حيث ورد فيها (وبعدما يقيم إنْ شاء) ، وكذا غيرها من وجوه الجمع .
والخلاصة : أنَّ الأقوى حَمْل أخبار المانعة على الكراهة ، وتشتدُّ بعد قول المقيم : (قد قامتِ الصَّلاة) .
ثمَّ لا يخفى أنَّ كراهة الكلام في أثناء الأذان إنَّما هي للمؤذِّن ، و لا يتعدّى إلى غيره ، كما أنَّ كراهة الكلام في الإقامة قبل (قد قامتِ الصَّلاة) للمقيم فقط ، وأمَّا بعدها فله ولغيره ممَّن يصلِّي بإِقامته.
هذا ، وقد ذكر جماعة من الأعلام ، منهم صاحب الجواهر (قدِّس سرُّه) : أنَّه يكره الكلام أيضاً فيما بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة.[2]
وقد يستدلّ لذلك بالمرويّ في المجالس والخِصال ، بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن الصَّادق (عليه السَّلام) عن آبائه (عليهم السَّلام) (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنَّ الله كره الكلام بين الأَذان والإقامة في صلاة الغَداة حتَّى تقضى الصَّلاة (ونهى عنه) )[3] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة كلٍّ من سليمان بن جعفر البصريّ ، وعبد الله بن الحسين وأبيه .
واستُدلّ أيضاً : بما رواه الشَّيخ الصَّدوق (قدِّس سرُّه) بإسناده عن حمَّاد بن عَمْرو وأَنَس بن محمَّد عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمَّد عن آبائه (في وصيَّةٍ النبي (صلى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السَّلام) (أنَّه قال : وكره الكلام بين الأَذان والإقامة في صلاة الغداة)[4] ، ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ إسناد الصَّدوق (قدِّس سرُّه) إلى حمَّاد بن عَمْرو ، وأنس بن محمَّد ، فيه عدَّة من المجاهيل مضافاً إلى جهالة حمَّاد وأَنَس وأبيه .
***********
قوله : (وكذا يكره كون المؤذِّن لحَّاناً ، أو غير فصيح)
قال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : (يكره أن يكون المؤذِّن لحّاناً ، حذراً من إحالة المعنى ، كما لو نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... ) ، وفي الروض : (أمَّا اللحن ففي بطلانهما به وجهان ، وقد اختلف كلام المصنِّف فيه فحرمه في بعض كتبه ، وأبطل به ، والمشهور العدم .
نعم لو أخلَّ بالمعنى - كما لو نصب لفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجب لكونه وصفاً ، وتفسيراً لجملة خالية عن الخبر ، أو مدّ لفظ أكبر ، بحيث صار على صيغة أكبار جمع كبر ، وهو الطبل له وجه واحد - اتَّجه البطلان ... )[5] .
ولكنَّ الإنصاف : هو اشتراط عدم اللحن ، لأنَّ ظاهر الأمر بالأَذان والإقامة هو الإتيان بهما على النهج العربي الصَّحيح .
وعليه ، فلا يتحقَّق ذلك باللحن.
وأمَّا استحباب كونه فصيحاً ، فقد يستدلّ لذلك بمرسلة الفقيه (قال : وقال عليّ (عليه السَّلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يؤمكم أقرؤكم ، ويؤذِّن لكم خياركم)[6] ، وفي مرسلة الأخرى : (يؤذِّن لكم أفصحكم)[7] ، ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال .
***********
قوله : (أو أعمى إلَّا بمدد)
قال المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : (يستحبّ أن يكون مبصراً لمكان المعرفة بالأوقات ، ولو أذَّن الأعمى جاز واعتدَّ به ، كما كان ابن أم مكتوم رضي الله عنه ، وكرهه بغير مدد الشَّيخ وابن إدريس ... )[8] .