الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/06/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (14)
قوله : (والارتفاع ولو على منارة ، وإن كره علوّها)[1]
المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ أن يكون قائماً على مرتفع حال الأَذان ، بل هو المشهور بينهم ، ويدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : ( كَانَ طُولُ حَائِطِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم قَامَةً ، فَكَانَ يَقُولُ صلىاللهعليهوآلهوسلم لِبِلَالٍ إِذَا أذَّنَ (دَخَلَ الْوَقْتُ خ ل ) : يَا بِلَالُ ! اعْلُ فَوْقَ الْجِدَارِ ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالْأَذَانِ ؛ فَإِنَّ اللهَ عزَّوجل قَدْ وَكَّلَ بِالْأَذَانِ رِيحاً تَرْفَعُهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فإذا سمعته الملائكة (وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خ ل) قَالُوا : هذِهِ أَصْوَاتُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم بِتَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِامَّةِ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم حَتّى يَفْرُغُوا مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ)[2] ، وهي صحيحة بطريق البرقي ، وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني والشيخ بسهل بن زياد .
ثمَّ لا يخفى أنَّ كراهة علوّ المنارة على حائط المسجد لا ينافي استحباب الأَذان فيها .
نعم ، الظَّاهر عدم الخصوصيَّة فيها على باقي أفراد المرتفع ، كما صرَّح به المحقِّق (قدِّس سرُّه) في المعتبر ، ويشير إليه صحيحة علي بن جعفر (سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الأَذان في المنارة أسنَّة هو ؟ فقال : إنَّما كان يؤذِّن للنبيّ (صلى الله عليه وآله ) في الأرض ولم يكن يومئذٍ منارة) [3] .
والخلاصة : أنَّه لا فرق بين أن يكون الأَذان على المنارة أو غيرها ، ولا دليل على الاستحباب في خصوص المنارة .
قوله : (ورفع الصَّوت للرَّجل ، وأقلُّه إسماع نفسه)
المشهور بين الأعلام استحباب رفع الصَّوت للرَّجل ، بل لعلَّه لا خلاف فيه بين الأعلام ، ويدلُّ عليه أربع روايات كلّها صحاح :
الأُولى : صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة ( يَا بِلَالُ ! اعْلُ فَوْقَ الْجِدَارِ ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالْأَذَانِ ) [4] .
الثانية : صحيحة معاوية بن وهب (أنَّه سألَ أبا عبد الله عليه السلام عن الأَذان ، فقال : أَجهِر به وارفع به صوتَك ، وإذا أقمتَ فدون ذلك ... ) [5] .
الثالثة : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث - (قال : لا يُجْزِئك من الأَذان إلَّا ما أسمعت نفسك أو فهمته ، وكلَّما اشتدّ صوتُك - من غير أن تُجهِد نفسَك - كان مَنْ يسمع أكثر ، وكان أجرك في ذلك أعظم) [6] .
الرابعة : صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا أذَّنت فلا تخفين صوتك ، فإنَّ الله يأجرك مدَّ صوتَك فيه) [7] .
*****
قوله : (وذِكْر الله تعالى بين الفصول)
قال في الذكرى : (وذِكْر الله تعالى بين الفصول بصفات مدحه وتسبيحه ... )[8] .
أقول : قد يستدلّ لذلك بصحيحة زرارة (قال : قلتُ لأبي جعفر عليه السلام : ما أقول إذا سمعتُ الأَذان ؟ قال : أُذكرِ الله مع كلِّ ذاكر) [9] .
******
قوله : (والصَّلاة على النبيِّ وآله عند ذِكْره فيهما)
كما في صحيحة زُرارة عن أبي جعفر - في حديثٍ - (وصلِّ على النبيِّ (صلى الله عليه وآله) كلَّما ذكرته ، أو ذكره ذاكر عندك في أَذان أو غيره) [10] .
******
قوله : (والوقوف على الفصول بلا إعراب فيهما)
في المدارك : (استحباب الوقف على أواخر الفصول من الأَذان والإقامة ثابت بإجماع الأصحاب ... )[11] ، وفي الجواهر : (بأن يترك الإعراب عليها عند علمائنا ، في المعتبر قطعاً في الأَذان ، وظاهراً أو محتملاً في الإِقامة ... )[12] .
أقول : قد استدلّ أيضاً ببعض الأخبار :
منها : مرسلة خالد بن نجيح عنه عليه السلام (أنَّه قال : والأَذان والإِقامة مجزومان) [13] ، قال ابن بابويه (قدِّس سرُّه) : (وفي حديثٍ آخر موقوفان) [14] ، وهما ضعيفان بالإرسال ، وعدم وثاقة خالد بن نجيح.
ومنها : روايته الأخرى عن الصَّادق عليه السلام (أنَّه قال : التكبير جَزْم في الأَذان مع الإفصاح بالهاء والألف) [15] ، وهي ضعيفة بعدم وثاقة خالد بن نجيح .
ومنها : حسنة زرارة (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : الأَذان جَزْم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حَدْر) [16] ، ولعلَّ تخصيص الأَذان بالجزم في رواية خالد الثانية ، وحسنة زرارة ، لتأكُّد الاستحباب فيه .
ولكن يظهر من حسنة زرارة - حيث قابل الجزم بالحَدْر الذي هو الإسراع - عدم استحباب الجزم في الإقامة ، ضرورة اقتضاء الجزم الذي هو ترك الإعراب الوقف ، وإلَّا كان لحناً ، لوجوب ظهور الإعراب في الدرج ، كوجوب تركه في الوقف على ما هو المشهور بينهم ، خلافاً لما هو الأقوى عندنا ، وفاقاً لبعض الأعلام من عدم وجوب إظهار الإعراب في الدَّرج ، ولا وجوب تركه في الوقف ، وإن كان ذلك هو الأحوط استحباباً .
ومهما يكن ، فيكون الأمر بالحَدْر كنايةً عن إظهارِ الإعراب ، كما أنَّ الأمر بالجزم الذي هو السُّكون كناية عن الوقف من التلازم .
وعليه ، فيكون الأمر الحَدْر في الإقامة مراداً به الكناية عن إظهار الإعراب ، وليس في شيء من النصوص ما ينافي ذلك ، سوى مرسلة ابن نجيح المتقدِّمة ، وهي لإرسالها لا تصلح للمعارضة .
نعم ، إن كان هناك تسالم بين الأعلام على استحباب الجزم في الأذان والإقامة ، فيكون المراد بالحَدْر - الذي هو الإسراع - تقصير الوقف لا تركه أصلاً ، وإلَّا فإن كان المراد مجرد الإجماع المصطلح عليه فقد عرفت حينئذٍ ما هو الأقوى .
******
قوله : (والترتيل فيه والحَدْر فيها)
الترتيل هو التأنِّي ، والحَدْر هو الإسراع ، ويُستفاد استحباب ذلك - مضافاً للتسالم بين الأعلام - من رواية الحسن بن السَّري عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : الأَذان ترتيل ، والإِقامة حَدْر ) [17] ، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان ، وعدم وثاقة الحسن بن السَّري .
ويُستفاد الحَدْر أيضاً في الإقامة من صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : اُحْدُر إقامتَك حَدْراً) [18] .
ومن حسنة زرارة (قال أبو جعفر عليه السلام : الأَذَان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حَدْر) [19] .
وبناءً على استحباب الجزم فيهما يكون الفرق بينهما هو أنَّ المراد بالحدر فيها قصر الوقوف ، لا تركه أصلاً ، وبالثاني هو إطالة الوقوف .
وذَكَر المصنِّف (قدِّس سرُّه) في الذكرى : (أنَّ المراد بالألف والهاء المأمور بالإفصاح بهما ما كانا في آخر بعض الفصول ، كالواقعَيْن في لفظ الجلالة في آخر التهليل ، وفي لفظ الصَّلاة ... ) ، وهذه عبارته في الذكرى : قلتُ : الظَّاهر أنَّه ألف الله الأخيرة غير المكتوبة ، وهاؤه في آخر الشَّهادتين ، وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يؤذن لكم من يدغم الهاء ، وكذا الألف والهاء في الصلاة من حي على الصلاة ... ) ، وعن العلَّامة (قدِّس سرُّه) في المنتهى الجزم بذلك .
ولكن عن ابن إدريس (قدِّس سرُّه) : (أنَّ المراد بها هاء (لا إله) ، لا هاء (أشهد) ، ولا هاء (الله) ، لأنَّهما مبنيّتان ، والثانية موقوف عليها يفصح فيها من دون لَبْس) .