< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (12)

 

وأمَّا الإِقامة : فقدِ اختلف الأعلام في اشتراط الطَّهارة من الحدث فيها ، فعن جماعة من الأعلام الاشتراط ، منهم صريح الكاتب قُدِّسَ سرُّه ، والسَّيد المرتضى قُدِّسَ سرُّه في مصباحه ، والعلّامة قُدِّسَ سرُّه في المنتهى ، والشَّيخ المفيد قُدِّسَ سرُّه في المقنعة ، وابن إدريس قُدِّسَ سرُّه في السَّرائر ، وفي كشف اللثام ، وهو الأقرب للأخبار بلا معارض .

وفي المقابل حُكي عن المشهور عدم الاشتراط ، بل في الروضة ليست شرطاً عندنا .

وبالجملة ، فالمشهور على الاستحباب ، وقال المحقِّق الهمداني قُدِّسَ سرُّه في مصباحه[1] : (فكأنَّ المشهور لم يفهموا من الأخبار المزبورة إلَّا إرادة الحكم التكليفي لا الوضعي ، أي شرطيَّة الطهارة ، أو مانعيَّة الحدث ، وحيث إنَّ كون الإقامة بلا طهارة حراماً ذاتيّاً مستبعد في الغاية ، حملوا أخبارها على كراهة ترك الطهارة أو استحباب فعلها .

وفيه : أنَّ المنساق إلى الذهن من نحو هذه التكاليف الغيريَّة المتعلقة بكيفيَّة العمل إرادة الوضع لا التكليف ، كما هو الشَّأن في جميع الأوامر والنواهي الواردة في باب الصَّلاة ونظائرها - إلى أن قال : - ولكن لقائل أن يقول : إنَّ دعوى انسباق الشَّرطية إلى الذهن من الأخبار في مقابل المشهور غير مسموعة ، لأنَّ تخطئة المشهور فيما يتبادر من النصِّ خطأ ، فعدم فهم المشهور منها الشرطيَّة كاشف إمَّا عن فساد الدعوى من أصلها ، أو في خصوص المورد ، لخصوصيَّة مانعة عن ظهورها في الطلب الشرطي - إلى أن قال : - وكيف كان فالإنصاف : أنَّ إنكار ظهور الأخبار المزبورة في الشرطيَّة - خصوصاً بعضها كخبري عليّ بن جعفر الذي ورد في أوّلهما الأمر بالوضوء وإعادة الإقامة ، وفي ثانيهما النهي عن أن يصلِّي بإقامته الواقعة ، بل وضوء - مجازفة ؛ اللهمَّ إلَّا أن يناقش في مثل هذه الرِّوايات الغير القابلة للخدشة بضعف السَّند ... ) .

أقول : من المحتمل قويّاً أنَّ ذهاب المشهور إلى الاستحباب إنَّما هو لأجل أنّ المطلق لا يُحمل على المقيَّد في المستحبَّات ، لعدم التنافي بنيهما .

وأمَّا التنافي بين المطلق والمقيَّد في الواجبات فإنَّما هو لأجل إحراز اتِّحاد الحكم ، وهو غير حاصل في المستحبَّات ، إذ لا مانع عرفاً من أن يكون عندنا استحبابان ، أحدهما قائم بالمطلق ، والآخر قائم بالمقيَّد ، ولأجل ذلك اشتُهر بينهم عدم حمل المطلق على المقيَّد في المستحبَّات .

وعليه ، ففي المقام يلتزم باستحباب الإقامة مطلقاً ، واستحباب كونها على حال الطهارة .

وفيه : أنَّ ما ذهب إليه المشهور وإن كان متيناً ، إلَّا أنَّه ليس في مثل المقام المشتمل على النهي .

وتوضيحه : أنَّ في بعض الرِّوايات ورد الأمر بالطَّهارة ، كما في صحيحة زرارة المتقدِّمة ، حيث ورد في ذَيْلها (ولكن إذا أقمت فعلى وضوءٍ ، متهيِّئاً للصَّلاة) ، وفي بعضها الآخر ورد النهي عن الإقامة بلا طهارة ، كما في حسنة الحلبي (ولا يقيم إلَّا وهو على وضوء) .

ونحوها صحيحة ابن سنان ، وموثَّقة إسحاق بن عمَّار ، وصحيحة عليّ بن جعفر ، وقد تقدَّمت هذه الرِّوايات .

وعليه ، فلو كانت كلّ الرِّوايات الواردة في المقام من قبيل الأوَّل ، فالأمر حينئذٍ يُحمل على أفضل الأفراد ، ولا موجب لحمل المطلق على المقيَّد .

ولكنَّك عرفت أنَّ أكثرها ورد بلسان النهي .

وعليه ، فحيث لا يمكن حمل النهي على الحرمة الذاتيَّة - كما هو واضح - فيكون حينئذٍ ظاهراً في الحرمة التشريعيَّة ، أي إنَّ الإقامة بلا طهارة غير مشروعة ، ولا يوجد فيها أمر ، ومرجع هذا الكلام إلى اشتراط الإقامة بالطَّهارة ، وهو عبارة أخرى عن حَمْل المطلق على المقيَّد ، وهذا الذي ذكرناه ظاهر من الرِّوايات المتقدِّمة ، لا سيَّما صحيحة عليّ بن جعفر ، حيث ورد فيها : (وأمَّا الإقامة فلا يقيم إلَّا على وضوء ، قلت : فإن أقام - وهو على غير وضوء - أيصلِّي بإقامته ؟ قال : لا ) ، والله العالم بحقائق أحكامه .

الأمر الثاني : وهو استحباب القيام .

أمَّا في الأَذان فعلى المشهور بينهم ، بل حُكي الإجماع عن جماعة .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، ولا يوجد فقيه بالحمل الشائع مخالفاً في المسألة .

وقد يُستدل لذلك - مضافاً للتسالم - ببعض الأخبار :

منها : رواية حمران (قال : سألتُ أبا جعفر عليه السَّلام عن الأَذان جالساً ، قال : لا يؤذِّن جالساً إلَّا راكب أو مريض)[2] ، ولكنَّها ضعيفة السَّند بمحمَّد بن سنان .

ومع قطع النَّظر عن ضعف السَّند تحمل على الاستحباب ، أو على كراهة ترك القيام ، بقرينة ما سنذكره في الرِّوايات .

ومهما يكن ، فليس القيام شرطاً في صحَّة الأَذان ، كما يستفاد ذلك من الرِّوايات المستفيضة ، والتي منها صحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر عليه السَّلام (قال : تؤذِّن وأنت على غير وضوء ، في ثوب واحد ، قائماً أو قاعداً ، وأينما توجَّهت ... ) [3] .

ومنها : صحيحة أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عن الرِّضا عليه السَّلام (أنَّه قال : يؤذِّن الرَّجل وهو جالس ، ويؤذِّن وهو راكب ) [4] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السَّلام يؤذِّن الرَّجل وهو قاعد ؟ قال : نعم ، ولا يقيم إلَّا وهو قائم ) [5] .

ومنها : موثَّقة أبي بصير (قال : قال أبو عبد الله عليه السَّلام : لا بأس بأن تؤذِّن راكباً أو ماشياً أو على غير وضوء ، ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلَّا من علةٍ ، أو تكون في أرض ملصة ) [6] .

ومنها : رواية يونس الشِّيباني عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال : قلتُ له : أُؤذِّن وأنا راكب ؟ قال : نعم ، قلتُ : فأقيم وأنا راكب ؟ قال : لا ، قلتُ : فأقيم ورجلي في الرِّكاب ؟ قال : لا ، قلتُ : فأقيم وأنا قاعد ؟ قال : لا ، قلتُ : فأقيم وأنا ماشٍ ؟ قال : نعم ، ماشٍ إلى الصَّلاة ، قال : ثمَّ قال : إذا أقمت الصَّلاة فأقم مترسّلاً ، فإنَّك في الصَّلاة ، قال : قلتُ له : قد سألتُك أقيم وأنا ماشٍ قلتَ لي : نعم ، فيجوز أَنْ أمشي في الصَّلاة ؟ فقال : نعم ، إذا دخلت من باب المسجد ، فكبَّرت - وأنت مع إمام عادل - ثمَّ مشيت إلى الصَّلاة ، أجزأك ذلك ، وإذا الإمام كبَّر لركوع كنت معه في الرِّكعة ، لأنَّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الرِّكوع ) [7] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة كلٍّ من صالح بن عقبة ، ويونس الشَّيباني ، هذا بالنسبة للأذان .

وأمَّا بالنسبة للإقامة فالإنصاف : أنَّ القيام معتبر فيها ، لظهور أكثر الأخبار المتقدِّمة في ذلك ، وما قلناه بالنسبة لاشتراط الطَّهارة فيها ، فقوله هنا بالنسبة لاشتراط القيام طابق النَّعل بالنَّعل ، لوحدة المناط فيهما ، وهو اشتمالُ كلٍّ منهما على النهي عنها بدون الطَّهارة ، وبدون القيام ، ولسانهما واحد من هذه الجهة ، ولا يوجد معارض لها إلَّا الإطلاقات المحمولة عليها ، لِمَا عرفت في الطَّهارة ، فلا حاجة للإعادة .

ومن هنا ذهب جماعة من الأعلام إلى الاشتراط ، منهم السَّيد المرتضى قُدِّسَ سرُّه والشَّيخ المفيد قُدِّسَ سرُّه ، خلافاً للمشهور بين الأعلام ، حيث نسب إليهم عدم اعتبار القيام في الإقامة ، بل هو مستحبّ ، أي شرط لكمالها لا للصحَّة ، والله العالم .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo