الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/06/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (11)
الأمر الرابع : ذكر جماعة من الأعلام - منهم صاحب المدارك قُدِّسَ سرُّه - : أنَّه إنَّما يستحبُّ حكاية الأَذان المشروع ، ومنه المقدم قبل الفجر ، وأَذان الجنب في المسجد وإن حرم الكون .
وكذا أَذان مَنْ أُخِذ عليه أجراً ، لأنَّ المحرَّم أخذ الأُجرة لا الأَذان ، فلا يحكي أَذان المجنون والكافر والمرأة إذا سمعها الأجنبي ، وأذان عصر الجمعة ، وعرفة وعشاء المزدلفة عند من حرَّمه ... )[1] .
أقول : حكاية الأَذان تارةً تكون بعنوان الذِكْر المطلق ، وأخرى بقصد الأَذان ؛ فإن كانت الحكاية بقصد العنوان الخاصّ - أي الأَذان - فالظَّاهر أنَّ أدلَّة الحِكاية منصرفة عن الأَذان غير المشروع .
وأمَّا إذا كانتِ الحكاية بقصد الذِّكر المطلق - فيما عدا الحيعلات - فلا إشكال في الاستحباب ، ويشمله قوله عليه السَّلام في صحيحة زرارة المتقدِّمة (اُذكر الله مع كلّ ذاكر) .
الأمر الخامس : ذكر المصنِّف قُدِّسَ سرُّه هنا وفي الذكرى : أنَّه يستحبّ أن يأتي بما نقَّصه المؤذِّن .
ووافقه جملة من الأعلام ، منهم الفاضل الأصبهاني قُدِّسَ سرُّه في كشفه ، حيث قال : (يستحبّ للحاكي قول ما يتركه المؤذِّن من الفصول سهواً أو عمداً للتقية ، إقامةً لشعائر الإيمان) .
وقد يستدلّ لهم بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال : إذا أذَّن مؤذِّن فنقَّص الأَذان - وأنت تريد أن تصلِّي بأَذانه - فأتمَّ ما نقَّص هو من أَذانه ... )[2] .
ولكنَّ الإنصاف : أنَّه لا مدخليَّة لهذه الصحيحة في حكاية الأَذان ، وإنَّما موردها الاكتفاء بسُماع أَذان غيره إنْ أراد الصَّلاة مع تتميم ما نقَّص في الأَذان .
وعليه ، فلا دليل على استحباب الحاكي تتميم ما نقصه المؤذن .
الأمر السَّادس : المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبُّ أن يقول عند سماع الشَّهادتين من المؤذِّن : ما في صحيحة الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبد الله عليه السَّلام (أنَّه قال : من سمع المؤذِّن يقول : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله ، فقال - مصدِّقاً محتسباً - : وأنا أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، اكتفى عن كلِّ مَنْ أبى وجحد ، وأُعِين بها مَنْ أقرّ وشهد ، كان له من الأجر عدد مَنْ أنكر وجحد ، وعدد من أقرَّ وشهد) [3] ، وهي صحيحة بطريق الصَّدوق قُدِّسَ سرُّه في الفقيه وثواب الأعمال والأمالي ، كما أنَّها صحيحة في المحاسن بطريق البرقي ، ولكنَّها ضعيفة في الكافي بسهل بن زياد .
الأمر السَّابع : قالوا يستحبُّ أيضاً لِسامع أَذان الصُّبح والمغرب أن يقول : ما في المرويّ عن المجالس وثواب الأعمال عن الصَّادق عليه السَّلام (قال : مَنْ قال - حين يسمع أَذان الصُّبح - : اللهمَّ إنِّي أسألك بإقبال نهارك ، وإدبار ليلك ، وحضور صلواتك ، وأصوات دعاتك ، وتسبيح ملائكتك ، أن تتوب عليَّ إنَّك أنت التواب الرحيم ، وقال مثل ذلك حين يسمع أَذان المغرب ، ثمَّ مات من يومه أو ليلته مات تائباً) [4] ، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عبَّاس مولى الرِّضا عليه السَّلام ، واشتراك محمَّد بن عيسى بين عدَّة أشخاص ، منهم المجهول وغيره ، ورواها الشَّيخ الصَّدوق قُدِّسَ سرُّه في الفقيه أيضاً[5] ، ولكن بدون (وتسبيح ملائكتك) ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال .
**********
قوله : (والطَّهارة وفي الإقامة آكد ، والقيام ، وفيها آكد ، وأوجبهما المرتضى في الإقامة)
يقع الكلام في أمرَيْن :
الأوَّل : في استحباب الطَّهارة فيهما .
الثاني : في استحباب القِيام فيهما أيضاً .
أمَّا الأمر الأوَّل : فالمشهور بين الأعلام استحباب الطَّهارة من الحدث بالنسبة إلى الأَذان ، وفي الجواهر : (إجماعاً في الخِلاف والتذكرة والذكرى ، والمحكي عن إرشاد الجعفرية ، بل في المعتبر والمحكي عن المنتهى وجامع المقاصد من العلماء ، إلَّا مَنْ شذَّ من العامَّة ... )[6] .
والإنصاف : أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام .
ويؤيِّده : بعض الرِّوايات :
منها : المرسل المرويّ عن كتب الفروع (لا تؤذِّن إلَّا وأنت طاهر)[7] ، ولم أجد المصدر لهذه المرسلة .
والذي يهوِّن الخطب : أنَّها ضعيفة بالإرسال .
ومنها : قوله عليه السَّلام على ما هو مروي في كُتُب العامَّة (حقّ وسنّة أن لا يُؤذِّن أحد إلَّا وهو طاهر) [8] ، وهي ضعيفة جدّاً ، كما لا يخفى .
ومنها : ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمَّد عليه السَّلام (قال : لا بأس أن يؤذِّن الرَّجل على غير طُهْر ، ويكون على طُهْر أفضل ، ولا يقيم إلَّا على طُهْر)[9] ، وهو ضعيف بالإرسال أيضاً .
ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أنَّه لا يشترط في صحَّة الأَذان الطَّهارة من الحدث .
ويدلّ عليه - مضافاً للتسالم بين الأعلام - جملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام (قال : تؤذِّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد ، قائماً أو قاعداً ، وأينما توجَّهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيِّئاً للصَّلاة )[10] [11] .
ومنها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال : لا بأس أن يؤذِّن الرَّجل من غير وضوء ، ولا يقيم إلَّا وهو على وضوء )[12] [13] .
ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال : لا بأس أن تؤذِّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلَّا وأنت على وضوء) [14] [15] .
ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (قال : سألتُه عن الرَّجل يؤذِّن على غير طهور ، قال : نعم) [16] [17] .
ومنها : موثقة أبي بصير (قال : قال أبو عبد الله عليه السَّلام - في حديث - : لا بأس أن تؤذِّن على غير وضوء)[18] [19] .
ومنها : موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله عليه السَّلام عن أبيه عليه السَّلام (أنَّ عليَّاً عليه السَّلام كان يقول - في حديث - : ولا بأسَ بأنْ يؤذِّنَ المؤذِّنُ وهو جُنُب ، ولا يقيم حتَّى يغتسلَ)[20] [21] ، فإنَّ الحسن بن موسى الخشَّاب الوارد في السَّند ممدوح مدحاً معتداً به ، كما أنَّ غياث بن كلوب ثقة .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه (قال : سألتُه عن المؤذِّن بحدث في أَذانه أو في إِقامته ، قال : إن كان الحدث في الأَذان فلا بأس ، وإن كان في الإِقامة فَلْيتوضّأ وَلْيُقم إقامةً) [22] [23] ، ولكنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .
ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السَّلام (قال : سألته عن الرَّجل يؤذِّن أو يقيم - وهو على غير وضوء - أيجزيه ذلك ؟ قال : أمَّا الأَذان فلا بأس ، وأمَّا الإِقامة فلا يقيم إلَّا على وضوء ، قلت : فإنْ أقام وهو على غير وضوء ، أيصلِّي بإقامته ؟ قال : لا) [24] [25] ، وهي صحيحة لأنَّ صاحب الوسائل قُدِّسَ سرُّه له طريق صحيح إلى كتاب عليِّ بن جعفر .
{تنبيه }
لو أذَّن في المسجد - وهو جنب - هل يجزي ذلك ، أم لا ؟
ذهب العلَّامة قُدِّسَ سرُّه إلى عدم الإجزاء ، وكذا الشَّهيد الثاني قُدِّسَ سرُّه للنهي المفسِد للعبادة .
والإنصاف : هو الإجزاء ، لأنَّ المعصية في اللبث لا تنافيه .
وبعبارة أخرى : المنهي عنه هو اللبث في المسجد ، وهذا لا ربط له بالأَذان ، كالأَذان في الدَّار المغصوبة ، لأنَّ التلفُّظ ليس تصرفاً في الدَّار ، هذا بالنسبة للأَذان .