الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/06/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (10)
ثمَّ إنَّ هناك بعض الرِّوايات تدلّ على جواز إبدال الحيعلات في الأَذان بالحولقة ، قال الشَّيخ قُدِّسَ سرُّه في المبسوط : (رُوي عن النَّبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه كان يقول - إذا قال : حيَّ على الصَّلاة - : لا حول ولا قوة إلَّا بالله)[1] .
قال في المدارك - بعد نقل هذه الرِّواية - : (وهذه الرِّواية مجهولة الإسناد) ، قال صاحب الحدائق قُدِّسَ سرُّه : (بل الظَّاهر أنَّها عاميَّة ، فإنَّه قد روى مسلم في صحيحه ، وغيره في غيره ، بأسانيدَ عن عمر ومعاوية : أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : إذا قال المؤذِّن : الله أكبر الله أكبر ، قال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثمَّ قال : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، قال : أشهد أن لا إليه إلَّا الله ، ثمَّ قال : أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله ، قال : أشهد أنَّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمَّ قال : حيَّ على الصَّلاة ، قال : لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله ، ثمَّ قال : حيَّ على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلَّا بالله ، ثمَّ قال : الله أكبر الله أكبر ، قال : الله أكبر الله أكبر ، ثمَّ قال : لا إله إلَّا الله ، قال : لا إله إلَّا الله من قلبه ، دخل الجنَّة) [2] [3] ، وهذه الرِّواية لا يخفى ضعفها سنداً ، مع أنَّ ما تضمنته من كيفيَّة الأَذان مخالِف للمذهب .
وفي مكارم الأخلاق للطبرسي قُدِّسَ سرُّه : (وقد رُوي أنَّ المؤذِّن إذا قال : حيَّ على الصَّلاة ، حيَّ على الفلاح ، فُقُل : لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليّ العظيم) [4] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
وفي كتاب دعائم الإسلام : (روينا عن عليّ بن الحسين عليه السَّلام : أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا سمع المؤذِّن قال كما يقول ، فإذا قال : حيَّ على الصَّلاة ، حيَّ على الفلاح ، حي على خير العمل ، قال : لا حول ولا قوة إلَّا بالله ... ) [5] ، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً .
والخُلاصَة : أنَّ هذه الرِّوايات ضعيفةُ السَّندِ ، لا تُنافِي الرِّوايات المتقدِّمة الدَّالة على استحباب حكاية جميع الفصول .
ثمَّ إنَّه على تقدير صحَّة هذه الرِّوايات فلا تكون معارِضة للرِّوايات المتقدِّمة الدَّالة على استحباب أن يقول مثل ما يقول المؤذِّن في جميع الفصول ، لعدم التنافي في المستحبَّات ، فيكون كلّ منهما مستحبّاً ، مع كون الحوقلة أفضل ، أو كون كلّ منهما مستحبّاً على التخيير من دون أفضليَّة ، أو أنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الحوقلة وحكاية الحيعلة ، والله العالم .
ثمَّ إنَّه بقيَ عدَّة أمور :
الأوَّل : حكى صاحب المدارك قُدِّسَ سرُّه عن الشيخ قُدِّسَ سرُّه في المبسوط أنَّه قال : (مَنْ كان خارج الصَّلاة قَطَع كلامه ، وحكى قول المؤذِّن ، وكذا لو كان يقرأ القرآن قطع ، وقال كقوله ، لأنَّ الخبرَ على عمومه - ثمَّ قال صاحب المدارك قُدِّسَ سرُّه : - ومقتضى كلامه أنَّه لا يستحبُّ حكايته في الصَّلاة ، وبه قطع العلَّامة في التذكرة ، وكأنَّه لِفَقْد العموم المتناول لحال الصَّلاة ، ولو حكاه لم يبطل صلاته ، إلَّا أنْ يحيعل)[6] ، ووافقه جَمْع من الأَعلام على عدم الاستحباب في الصَّلاة ، وعلَّله بعضهم بأنَّ الإِقبال على الصَّلاة أهمّ .
أقول : إنَّ إطلاق حكاية الأَذان تشمل حال الصَّلاة .
وأمَّا القول : بأنَّه لا إطلاق فيها ، أو أنَّ الإطلاق منصرف عن حال الصَّلاة ، ففي غير محلِّه ، وذلك لأنَّ مقدِّمات الحكمة في الأوَّل موجودة .
وقد عرفت في محلِّه أنَّه مع الشَّكّ في كون المتكلّم في مقام البيان فالأصل العقلائي أنَّه في مقام البيان، وأمَّا في الثاني فإنَّه لا موجب للانصراف .
وأمَّا التعليل بأهميَّة الإِقبال .
ففيه : أنَّ الأهميَّة هنا على فرض ثبوتها لا تكون مانعةً عن أصل الاستحباب .
وعليه ، فالإنصاف : أنَّ حال الصَّلاة كغيرها من الأحوال .
ولكنَّ الأدلَّة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - دلَّت على أنَّ كلام الآدمي مُبطِل للصَّلاة ، ولا شكَّ أنَّ قول : حيَّ على الصَّلاة ، أو حيَّ على الفلاح ، أو حيَّ على خير العمل ، من كلام الآدمي ، ولذا لا يجوز التكلُّم به في غير مقام الحكاية ، بلا خلاف .
وأمَّا دعوى أنَّ الحَيْعلات ليس من كلام الآدمي ، بل هي من الذكر غير المبطل ، ففي غير محلِّه ، إذ لا يُفهم من نصوص حكاية الأَذان أنَّها من الذِكْر ، فقوله عليه السَّلام في صحيحة زرارة المتقدِّمة (ما أقول إذا سمعتُ الأَذان ؟ قال : أَذْكر الله مع كلِّ ذاكر) لا يُفهم منها أنَّ جميع فصول الأَذان من الذِّكر ، وكذا صحيحة ابن مسلم المتقدمة .
وبالجملة ، فإنَّ حكاية الحَيْعلات قاطعة للصَّلاة ، وأمَّا لو حكى ما عدى الحَيْعلات مقتصراً عليه ، أو مع إبدال الحَيْعلات بالحوقلة ، فلا شبهة في استحبابه من باب الذكر المطلق .
وأمَّا من باب حكاية الأَذان فقد يُستشكل في المشروعيَّة ، لأنَّ ما دلَّ على بدليَّة الحوقلة - كي يكون الإتيان بها مع بقيَّة الفصول حكايةً لِتمام الأَذان - من المراسيل المتقدمة ، كلَّها ضعيفة السَّند .
وأمَّا الاقتصار على حكاية ما عدى الحَيْعلات ، فقد يُقال : إنَّه لا يجوز الإتيان به بعنوان الأَذان ، إذ لا دليل على مشروعيَّة حكاية البعض .
إلَّا أنَّ الإِنصاف : أنَّه يجوز ، لأنَّ ما دلَّ على استحباب حكاية الأَذان دلَّ على استحباب حكاية كلّ فَصْل لنفسه ، لا أنَّه ارتباطي بين جميع الفصول .
الأمر الثاني : قال المصنِّف في الذكرى : (ولو فرغ من الصَّلاة ، ولم يحكِه ، فالظَّاهر سقوط الحكاية ، قال الشَّيخ يُؤتى به لا من حيث كونه أَذاناً ، بل من حيث كونه ذِكْراً ... )[7] ، وقال الشَّيخ قُدِّسَ سرُّه في المبسوط : (لو فرغ من الصَّلاة ، ولم يحكِ الأَذان كان مخيَّراً بين قوله وعدمه ، لا مزية لأحدهما على الآخر ، إلَّا من حيث إنَّه تسبيح وتكبير ، لا من حيث أنَّه أَذان ... ) .
وخيَّر العلَّامة قُدِّسَ سرُّه في التذكرة بين الحكاية وعدمها .
أقول : بناءً على جواز حكاية الأذان في الصَّلاة إنَّما هو مع عدم الفصل المعتدّ به عرفاً .
ومن هنا كان الإنصاف : هو الإتيان به بعد الصَّلاة بقصد الذِكر المطلق ، فإنَّه المطابق للاحتياط ، هذا كلّه إذا لم يكن زمان الفراغ من الصَّلاة ، وزمان السّماع متقارباً ، بحيث لا يخل بالحكاية عرفاً ، وإلَّا لم يفت محلّها ، كما لو يسمع الأذان وهو في التشهد الأخبر .
الأمر الثالث : هل يستحبّ حكاية الإقامة أم لا ؟
ذهب جماعة من الأعلام إلى الاستحباب ، منهم صاحب الجواهر قُدِّسَ سرُّه ، وعن جماعة أخرى الجزم بعدم استحباب حكايتها .
وأمَّا مَنْ ذهب إلى الاستحباب ، فقد يُستدلّ له بصحيح زرارة السَّابق (ما أقول إذا سمعت الأَذان ؟ قال : اُذكر الله مع كلّ ذاكر ، وصحيحة ابن مسلم المتقدِّمة المعلّلة لحكاية الأَذان بأنَّ ذِكْر الله حَسَن على كلِّ حال .
وفيه : أنَّ المستفاد من هاتين الصحيحتَيْن هو استحباب حكاية الأَذكار ، وأمَّا الاستحباب بعنوان الإِقامة فلا .
وقد يُستدلّ لهم بالمرويّ عن دعائم الإسلام (إذا قال المؤذِّن : الله أكبر ، فقل : الله أكبر ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلَّا الله ، فقل : أشهد أن لا إله إلَّا الله - إلى أن قال : - فإذا قال : قد قامت الصَّلاة ، فقل : اللهمَّ أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها )[8] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .