< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأذان والإقامة (3)

قوله : (والإقامة فصولها مثنى ، إلَّا التهليل في آخرها ، فإنَّه مرة ، ويزيد قد قامتِ الصَّلاة ، بعد التعميل مرتَيْن)

هذا هو المشهور بين الأعلام ، بل ادُّعِيَ عليه الإجماع .

ويدلُّ عليه من الأخبار : موثَّقة إسماعيل الجعفي المتقدِّمة ، حيث دلَّت على أنَّ الإقامة سبعة عشر حرفاً ، المنطبقة على ما هو المرتكز في أذهان المتشرِّعة .

وأمَّا بقيَّة الرِّوايات :

فمنها : ما دلَّ على أنَّ الإقامة مثنى مثنى ، مثل صحيح صفوان الجمَّال المتقدِّمة[1] .

ومنها : ما دلَّ على أنَّها واحدة واحدة ، مثل صحيح معاوية بن وهب[2] .

ومنها : ما دلَّ على أنَّها مرة مرة ، إلَّا قول الله أكبر ، فإنَّه مرتان ، مثل صحيحة عبد الله سنان[3] .

ومنها : ما دلَّ على أنَّها كالأذان ، إلَّا في زيادة قد قامتِ الصَّلاة ، بعد بيان تثنية التكبير في أوَّله ، والتهليل في آخره ، كرواية زرارة والفُضَيل[4] ، وقد عرفت أنَّها ضعيفة .

ومنها : ما دلَّ على أنَّها كالأذن ، بعد بيان تربيع التكبير في أوَّله ، وتثنية التكبير في آخره ، كمعتبرة الحَضْرمي والأسدي[5] .

ومنها : مرسلتا النهاية والمصباح[6] .

هذا ، والمعروف بين الأعلام أنَّ الجمع العرفي بين الرِّوايات المذكورة هو حَمْل ما دلَّ على الأقل على أقلِّ مراتب الفضل ، وما دلَّ على الزائد عليه على الأفضليَّة على اختلاف مراتبه .

أقول : هذا الجمع وإن كان هو مقتضى الصناعة العلميَّة ، ويتعيَّن الأخذ به لولا التسالم بين الأعلام في جميع الأعصار والأمصار في اللّيل والنَّهار في الجامع والجوامع ورؤوس المآذن على العدد المعهود ، وهو سبعة عشر فصلاً .

*****

قوله : (وروى أنَّ الأَذان عشرون زيادة تكبيرتين في آخره ، وأنَّ الإقامة عشرون زيادة تهليل في آخرها ، ومساواة التكبير في أوَّلها للأذان ، ورُوي : اثنان وعشرون بزيادة التكبيرتَيْن آخرها أيضاً ، وقال الشَّيخ : لا يأثم بهذا الزيادة)[7]

قد عرفت الرِّوايات الدَّالة على ذلك ، وقد تقدَّمت ، وأغلبها ضعيفة السَّند ، كما عرفت .

وقال الشَّيخ رحمه الله في النهاية - بعد ذكر الأذان والأقامة كما هو المشهور - : (وهذا الذي ذكرناه من فصول الأذان والإقامة هو المختار المعمول عليه ، وقد روي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الرِّوايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً ، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلاً .

فأمَّا مَنْ روى سبعة وثلاثين فصلاً فإنَّه يقول في أوَّل الإقامة : أربع مرات الله أكبر ، ويقول في الباقي : كما قدمناه .

ومن روى ثمانية وثلاثين فصلاً يضيف إلى ما قدمناه قول : لا إله إلا الله مرةً أخرى في آخر الإقامة .

ومن روى اثنين وأربعين فصلاً فإنَّه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرات ، وفي أوَّل الإقامة أربع مرات ، وفي آخرها أيضاً مثل ذلك أربع مرات ، ويقول : لا إله إلا الله مرتَيْن في آخر الإقامة ، فإنْ عمل عامل على إحدى هذه الرِّوايات لم يكن مأثوماً) .

ولكنك عرفت ما هو الإنصاف في المقام .

نعم ، لا بأس بالإتيان بما ذكره برجاء المطلوبية ، والله العالم .

****

قوله : (أمَّا الشَّهادة لعليّ عليه السلام بالولاية ، وأنَّ محمَّداً وآله خَيْرُ البريَّة ، فهما من أحكام الإيمان ، لا من ألفاظ الأَذان ، وقَطَع في النهاية بتخطئة قائلِه ، ونَسَبه ابن بابويه إلى وضع المفوِّضة ، وفي المبسوط : لا يأثم)

قال الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه - بعد نقل رواية أبي بكر الحَضْرمي وكُلَيْب الأسدي - (قال مصنِّف هذا الكتاب : هذا هو الأَذان الصَّحيح ، لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوِّضة - لعنهم الله - قد وضعوا أخباراً ، وزادوا في الأذن (محمّد وآل محمد خير البرية) مرتَيْن ، وفي بعض رواياتهم - بعد أشهد أنَّ محمداً رسول الله - أشهد أنَّ عليّاً وليّ الله مرتَيْن ، ومنهم مَنْ روى بدل ذلك : أشهد أنَّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً مرتَيْن ، ولا شكَّ في أنَّ عليّاً وليّ الله ، وأنَّه أمير المؤمنين حقّاً ، وأنَّ محمَّداً وآل محمَّد (صلى الله عليه وآله) خَيْر البريَّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأَذان ، وإنَّما ذكرت ذلك ليُعرف بهذه الزِّيادة المتّهمون بالتفويض المدلِّسون أنفسهم في جملتنا) .

وقال الشَّيخ رحمه الله في المبسوط : (وأمَّا قول : أشهد أنَّ عليّاً أمير المؤمنين ، وآل محمَّد خير البريَّة ، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنَّه ليس من فضيلة الأذان ، ولا كمال فصوله)[8] .

وقال رحمه الله في النهاية : (فأمَّا ما روي في شواذِّ الأخبار من قول : أنَّ عليّاً وليّ الله ، وأنَّ محمداً وآله خير البشر ، فممَّا لا يُعمل عليه في الأَذان والإقامة ، فمَنْ عمل به كان مخطئاً) ، وقال العلَّامة رحمه الله في المنتهى : (وأمَّا ما رُوي في الشاذِّ من قول : أنَّ عليّاً وليّ الله ، ومحمَّد وآل محمَّد خَيْر البريَّة ، فممَّا لا يعوَّل عليه ...)[9] .

أقول : قد يُقال : إنَّه ما المانع من الالتزام بكون ما تضمنته هذه المراسيل من الشَّهادة بالولاية ، وأنَّ محمداً وآله خَيْر البرية من الأجزاء المستحبَّة للأَذان والإقامة لقاعدة التسامح ؟!

وفيه أوَّلاً : أنَّ قاعدة التسامح غير ثابتة ، كما نبهنا على ذلك في أكثر من مناسبة .

وثانياً : لو قلنا بها إلَّا أنَّه هنا لا يصحّ الاعتماد عليها ، لِمَا ذَكَره الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله من أنَّ هذه الأخبار من وضع المفوضة ، مع رميها بالشُّذوذ من الشَّيخ الطوسي والعلامة رحمهما الله .

ومن هنا تعرف أنَّ ما ذكره المجلسيّ رحمه الله - من قوله : (لا يبعد كون الشَّهادة بالولاية من الأجزاء المستحبَّة للأذان ، لِشهادة الشَّيخ والعلَّامة والشَّهيد ، وغيرهم ، بورود الأخبار بها )[10] ، وأيَّده بما في خبر القاسم بن معاوية ، المروي عن احتجاج الطبرسي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قال أحدكم : لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله ، فَلْيقل : عليّ أمير المؤمنين ) [11] - في غير محلِّه .

أمَّا الأخبار المُشَار إليها : فمع ضعفها بالإرسال قد شهد الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بوضعها من قِبَل المفوِّضة .

وأمَّا خبر القاسم بن معاوية فهو دالّ بالعموم ، إذ لم يذكر فيه كونه في الأذان ، بل هو عامّ يشمل الأذان والإقامة وغيرهما ، ولكنَّه ضعيف بالإرسال .

نعم ، هو يصلح للتأييد بعد وجود الدَّليل ، وبما أنَّ الدَّليل غير تامّ ، فلا معنى للتأييد حينئذٍ .

والإنصاف : أنَّ الشَّهادة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية في الأَذان أصبح في هذه الأيام من شعائر الإيمان ، فيُؤجَر عليه الإنسان ، ولكن لا يأتي بها بقصد الجزئيَّة ، وإلَّا كان تشريعاً محرماً .

ثمَّ المراد بالمفوِّضة الذي أشار إليهم الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله هم القائلون بأنَّ الله - عزَّوجل - فوَّض خَلْق الدنيا إلى محمَّد (صلى الله عليه وآله) ، وعليّ عليه السلام .


[11] الاحتجاج : 1 - 366 / 62.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo