< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأذان والإقامة (1)

قوله : ((درس 36)

يُستحبُّ مؤكَّداً الأَذان والإِقامة)[1]

الأَذان لغةً : الإعلام ، ومثله الإيذان ، ومنه قوله تعالى : ﴿ فَأْذَنوا بحربٍ من الله ورسولِه [2] ، أي : اعملوا .

وفِعْله : أذن تأذن ، وشرعاً : أذكار مخصوصة ، شرعتْ أمام الفرائض اليوميَّة ، وللإعلام بدخول الوقت .

والإقامة : مصدر أقام بالمكان ، و(التاء) عِوض من عين الفعل ، لأنَّ أصله إقوام مصدر أقام الشيء ، بمعنى أدامه ، ومنه يقيمون الصَّلاة ، وشرعاً الأقوال المخصوصة عند القيام إلى الصَّلاة .

وهما وحي من الله تعالى بالضَّرورة من مذهبنا ، لا ما تزعمه العامّة - حتّى أنّهم أجمعوا عليه - من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (قال : لَمَّا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناقوس لِيجتمع به النَّاس طافَ بي - وأنا نائم - رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلتُ : أتبيع الناقوس ؟ فقال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به النَّاس إلى الصَّلاة ، فقال : أَلَا أدلُّك على ما هو خَيْر من ذلك ؟ قلت : بلى ، قال : تقول : الله أكبر - إلى آخر الأَذان - قال : ثمَّ استأخر غير بعيد ، ثمَّ قال : تقول إذا قمت إلى الصَّلاة : الله أكبر - إلى آخر الإقامة - فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله ) فأخبرتُه بما رأيتُ ، فقال : إنَّها رؤيا حقٍّ إن شاء الله تعالى ، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فَلْيُؤذِّن به ، فإنَّه أندى صوتاً منك ، فقمت مع بلال ، فجعلت أُلقِ عليه ، ويؤذِّن به ، فسمع ذلك عمر بن الخطاب - وهو في بيته - فخرج يجرُّ رداءه ، فقال : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! والذي بعثك بالحق لقد رأى مثل الذي رأى ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فلِلّه الحمد)[3] ، ولا يخفى عليك ضعف هذه الرِّواية .

وقال ابن أبي عقيل رحمه الله : (إنَّ الشَّيعة أجمعتْ على أنَّ الصَّادق عليه السلام : لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) أَخَذ الأذان من عبد الله بن زيد ، فقال : ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنَّه أَخَذ الأَذان من عبد الله بن زيد)[4] .

وهذه الرواية رواها الشهيد رحمه الله في الذكرى عن ابن أبي عقيل عن الصادق عليه السلام ، وهي ضعيفة بالإرسال .

وممَّا يدلُّ على أنّ الأذان والإقامة ، كسائر العبادات على لِسان جبرائيل عليه السلام حسنة زرارة ، أو الفُضَيل عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لمَّا أُسْري رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السَّماء فَبَلغ البيت المعمور ، وحضرتِ الصَّلاة ، فأَذَّن جبرائيل عليه السلام ، وأقام فتقدَّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصفَّ خَلْفه الملائكة والنبيِّون خَلْف محمَّد (صلى الله عليه وآله)) [5] .

وكذا حسنة منصور بن حازم بطريق الكُلَيْني والشَّيخ ۹ ، وصحيحته بطريق الصَّدوق رحمه الله عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لَمَّا هبط جبرائيل عليه السلام بالأَذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأسه في حِجْر عليٍّ عليه السلام فأَذَّن جبرائيل ، وأقام فلمَّا انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : يا علي ! سمعت ؟ قال : نعم ، قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : اُدعُ بلالاً فعلِّمه ، فدعا عليّ عليه السلام بلالاً ، فعلمه)[6] .

ثمَّ اعلم أنَّ الرِّوايات متواترة على أنَّ الأصل في مشروعيَّة الأَذان الصَّلاة والإعلام .

وعليه ، فهو مشروع للصَّلاة ، مع قطع النّظر عن الإعلام بدخول الوقت ، كما أنَّه مشروع للإعلام بدخول الوقت ، مع قطع النَّظر عن الصَّلاة .

فما يظهر من حواشي المصنِّف رحمه الله من أنَّه إنَّما هو مشروع للصَّلاة خاصَّة ، والإعلام تابع ، وليس بلازم ، لا يخفى ما فيه ، قال رحمه الله : (هو عند العامَّة من سُنَنِ الصَّلاة ، والإعلام بدخول الوقت ، وعندنا هو من سُنَنِ الصَّلاة ، ومقدِّماتها المستحبَّة ، والإعلام تابع وليس بلازم ، وتظهر الفائدة في القضاء ، وفي أَذَان المرأة ، فعلى قولهم : لا يؤذن القاضي ، ولا المرأة ، لأنَّه للإعلام ، وعلى قولنا يؤذنان ، وتسرّ المرأة به ... )[7] .

وفيه : ما قد عرفته من كون كلّ منهما شرع بالأصالة .

وممَّا يدلّ على أنّه شُرِّع بالأصالة للإعلام الرِّوايات الكثيرة المتواترة الواردة في فضله وثوابه ، مما يُبْهِر العقول :

منها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أَذَّنَ في مِصْرٍ من أمصارِ المسلمين سَنة وجبتْ له الجنَّة)[8] .

ومنها : رواية زكريا صاحب السابري ، عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : ثلاثة في الجنَّة على المسك الأذفر : مؤذِّن أَذَّن احتساباً ، وإمام أمَّ قوماً وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه )[9] ، وهي ضعيفة بجهالة زكريا صاحب السابري .

ومنها : رواية سَعْد الإسكاف (قال : سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول : مَنْ أَذَّن سبع سنين احتساباً جاءَ يوم القيامة ولا ذنبَ له )[10] ، وهي بطريق الشَّيخ ضعيفة بعدم وثاقة كلٍّ من بكرِ بن سالم ، وسعد الإسكاف ، كما أنَّها ضعيفة في الفقيه بالإرسال .

وفي ثواب الأعمال للشَّيخ الصَّدوق رحمه الله ضعيفة بمحمَّد بن عليّ الكوفي ، وعدم وثاقة كلٍّ من مُصْعبِ بن سلام ، وسعد بن طريف .

ومنها : رواية سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام (قال : مَنْ أَذَّن عشر سنين يغفر الله له حدَّ بصره وصوته في السَّماء ، ويصدِّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله مِنْ كلِّ مَنْ يصلِّي معه في مسجده سهم ، وله مِنْ كلِّ من يصلِّي بصوته حسنة)[11] ، وهي ضعيفة بمحمِّد بن عليّ الكوفي ، وبعدم وثاقة كلٍّ من مصعب بن سلام وسعد بن طريف .

كما أنَّها ضعيفة في الفقيه ، وثواب الأعمال والخصال ، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة جدّاً .

وممَّا يدلّ أيضاً على أنَّه مشروع بالأصالة للصَّلاة عدَّة رواياتٍ مستفيضة أو متواترة :

منها : موثَّقة عمَّار عن الصَّادق عليه السلام - حيث ورد في ذَيْلها - (لأنَّه لا صلاة إلَّا بأذان وإقامة)[12] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : إنَّك إذا أذَّنت أذَّنت وأقمت صلَّى خلفك صفَّان من الملائكة ، وإن أقمت إقامةً بغير أذان صلَّى خلفك صفّ واحد)[13] ، ومثلها حسنة الحلبي[14] .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : ورُوي أنَّ مَنْ صلَّى بأذان وإقامة صلَّى خلفه صفَّان من الملائكة ، ومَنْ صلَّى بإقامة بغير أذان صلَّى خلفه صفّ واحد ، وحدّ الصفِّ ما بين المشرق والمغرب)[15] ، ولكنَّها ضعيف بالإرسال ، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة .

ثمَّ إنَّ الفرق بين أذان الصَّلاة وأذان الإعلام أمران :

الأوَّل : أنَّ أذان الصَّلاة كالإقامة أمر عبادي ، وذلك للتسالم بين الأعلام ، فإنَّه لا يصحّ عندهم إلَّا بقصد القربة .

وأمَّا أَذَان الإعلام فإنَّه لا يُعتبر فيه قصد القربة ، كما صرَّح بذلك جماعة من الأعلام ، منهم صاحب الجواهر رحمه الله ، فإنَّ الغاية منه - وهي الإعلام - تحصل بدون ذلك .

ثمَّ لو شككنا في التعبديَّة والتوصليَّة فالأصل اللفظي هو التوصليَّة ، كما ذكرنا في محلِّه ، كما أنَّ الأصل العملي ، أي البراءة الشرعيَّة يقتضي إذا شكّ في الوجوب الشرطيّ ، وهو قصد القربة في الأَذان الإعلامي فيدفع بالبراءة الشرعيَّة من حديث الرفع ، ونحوه .

نعم ، لا تجري البراءة العقليَّة لعدم احتمال العقاب على كلّ حال ، لأن َّالأَذان مستحبّ ويجوز تركه من أوَّل الأمر .

الأمر الثاني : أنَّه يعتبر في أَذَان الإعلام أنَّ يكون أوَّل الوقت ، لأنَّه شرع للإعلام بدخوله ، فلا يجوز قبله .

نعم ، استُثنى جماعة من الأعلام صورة واحدة وهي الإتيان قبل الفجر للإعلام , وسنتكلم عنها إن شاء الله تعالى .

و أمَّا أذان الصَّلاة فمتصل بها ، وإن كان في آخر الوقت .

******

قوله : (وصورة الأَذان الله أكبر أربع مرات ، أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله ، أشهد أنَّ محمَّد رسول الله ، حيّ على الصَّلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، مثنى مثنى ، فيكون ثمانيةَ عشرَ فصلاً)

المعروف والمشهور بين الأعلام أنَّ الأذان ثمانية عشر فصلاً .


[3] تفسير الوصول، ج2، ص209.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo