الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/05/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القبلة
هذا ، وقد أجاب السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله : (بأنَّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق ، لأنَّ الطائفة الأُولى لا تشمل الانكشاف بعد الوقت ، فإنَّ المتراءى من صحيحة معاوية بن عمَّار عن الرَّجل (يقوم في الصَّلاة ، ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى ... )[1] أنَّ الانكشاف إنَّما هو بعد الفراغ عن الصَّلاة الظاهر في بقاء الوقت بعدُ ، لانصرافه إلى التبيّن عقيب الفراغ بلا فصلٍ معتدٍ به ، فلا يشمل ما إذا كان الفراغ من الصَّلاة مساوقاً لخروج الوقت الذي هو فرض نادر ... )[2] إلى آخر ما ذكره رحمه الله .
وفيه : أنَّ الصحيحة مطلقة ، والانصراف المدَّعى هو انصراف خارجي لا يضرّ بالإطلاق .
وأمَّا قوله رحمه الله : بعدم الشّمول للفراغ من الصّلاة المساوي لخروج الوقت باعتبار أنّه نادر .
ففيه : أنَّ ذلك لا يمنع من شمول الإطلاق له ، إذ المحذور هو اختصاص الكلام به ، لا شمول الإطلاق له .
نعم ، هناك آخر متين ذكره السَّيد أبو القاسم الخوئي أيضاً ، وحاصله : أنَّه لا تعارض بين الطائفتَيْن أصلاً ، لأنَّ صحيحة معاوية الوارد فيها (قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة)[3] قد وسَّعت مفهوم القِبلة للمخطِئ ، بحيث تشمل ما بين المشرق والمغرب ، فالمصلِّي إلى ما بينهما يكون مصليّاً إلى القِبلة ، فلا موجب للإعادة .
وأمَّا صحيحة عبد الرحمان وغيرها الموجبة للإعادة فموردها الصَّلاة إلى غير القِبلة ، أي : ما كان نفس المشرق والمغرب ، أو ما كان مستدبِراً لها ، فالمصلِّي إلى ما بين المشرق والمغرب لا يكون مصليّاً إلى غير القِبلة حتَّى تشمله صحيحة عبد الرحمان .
وبالجملة ، فإنَّ موضوع الطائفتَيْن مختلف فلم تردا على موضوع واحد حتَّى يقع التعارض بينهما .
بقي شيء في المقام ، وهو أنَّ الطائفتَيْن المتقدمتَيْن اتفقتا على نفي القضاء ، ومع ذلك فقد حُكي عن بعض وجوبه .
ويشهد له خبر عمرو بن يحيى (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ صلَّى على غير القِبلة ، ثمَّ ثبتت القِبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : يعيدها قبل أنَّ يصلِّي هذه التي قد دخل وقتها ... )[4] .
وفيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف ، لأنَّ إسناد الشَّيخ رحمه الله إلى الطاطري فيه أحمد بن عمرو بن كيسبة ، وهو غير مذكور في الرِّجال .
وأمَّا عليّ بن محمَّد بن الزُّبير القرشي الموجود في الطريق فلا بأس به ، لأنَّه من المعاريف ، فالرِّواية ضعيفة بابن كيسبة فقط .
وثانياً : أنَّه يحتمل إرادة وقت الفضيلة من وقت الأخرى ، كما يشير إليه عدم تصريح السَّائل بخروج وقت الأولى ، فالرِّواية أجنبية عن القضاء .
وثالثاً - مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند ، وعن الاحتمال الذي ذكرناه وقلنا : بأنَّها ظاهرة في إرادة وقت الأخرى ، أي : بعد خروج وقت الأُولى - فلا مناص حينئذٍ من حَمْلها على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما تقدَّم ، والعالم بحقائق أحكامه .
الصَّورة الثانية : المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان التبيُّن في الأثناء مضى ما تقدَّم واستقام في الباقي ، وقد ادَّعى جماعة من الأعلام الإجماع في المقام .
وفيه : ما تقدَّم .
نعم ، يدلُّ عليه بعض الرِّوايات :
منها : موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال في رجل صلَّى على غير القِبلة ، فيعلم - وهو في الصَّلاة - قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : إنَّ كان متوجِّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوِّل وجهه إلى القِبلة ساعةَ يعلم ، وإن كان متوجِّهاً إلى دبر القِبلة فَلْيقطع الصَّلاة ، ثمَّ يحوِّل وجهه إلى القِبلة ، ثمَّ يفتتح الصَّلاة)[5] .
ومنها : رواية القاسم بن الوليد (قال : سألتُه عن رجلٍ تبيَّن له - وهو في الصَّلاة - أنَّه على غير القِبلة ، قال : يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها)[6]
بناءً على أنَّ المراد يستقبل القِبلة لا الصَّلاة ، وإلَّا كانت على خلاف المدَّعى أدلّ .
وأيضا بناءً على أنَّ المراد من قوله (أنَّه على غير القِبلة) ، أي : فيما بين المشرق والمغرب ، ولكنّ الرِّواية ضعيفة من جهتين :
الأُولى : أنَّ القاسم بن الوليد مهمل .
الثانية : أنَّها مضمرة .
وقد يستدلّ أيضاً بذَيْل صحيحة معاوية بن عمَّار المتقدّمة ، بناءً على ظهورها في عدم الخصوصيّة للفراغ ، لأنَّ ما لا يفسد الكلّ لا يفسد البعض . أبيه أ
قوله : (وإن كان عين اليمين أو اليسار استأنف ، ولو كان قد فرغ أعاد في الوقت لا خارجه ، ولو كان مستديراً ، فالأقرب المساواة ، وقيل : يقضي لو خرج)
المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان منحرفاً إلى اليمين أو اليسار أو مستديراً فإن كان في الأثناء استأنف ، وإن كان بعد الفراغ وفي الوقت أعاد ، وإن علم خارج الوقت فلا إعادة عليه .
وعن جماعة من الأعلام أنَّه إذا ظهر له الاستدبار أعاد إن كان في الوقت ، وقضى إن كان خارجه ، ونسبه الشَّهيد الثاني رحمه الله في الرَّوضة إلى المشهور ، كما أنَّ المحقِّق الثاني رحمه الله نسبه في جامع المقاصد إلى كثيرٍ من الأصحاب .
ولكنَّ الإنصاف : أنَّ القول الأوَّل أقوى ، وذلك للأخبار الكثيرة :
منها : صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا صلَّيت وأنت على غير قِبلة ، واستبان لك أنَّك صلَّيت وأنت على غير القِبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تُعِد)[7] .
ومنها : صحيحة يعقوب بن يقطين (قال : سألتُ عبداً صالحاً عن رجلٍ صلَّى في يوم سحاب على غير القِبلة ، ثمَّ طلعت الشَّمس وهو في وقت أيُعيد الصَّلاة إذا كان قد صلَّى على غير القِبلة ، وإن كان قد تحرَّى القِبلة بجهده أتجزيه صلاته ؟ فقال : يعيد ما كان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه)[8] ، وقد تقدَّمتا هاتان الصحيحتان .
ومنها : صحيحة سُليمان بن خالد (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : الرَّجل يكون في قَفْر من الأرض في يوم غيمٍ ، فيصلِّي لغير القِبلة ، ثمَّ يضحى ، فيعلم أنه صلَّى لغير القِبلة ، كيف يصنع ؟ قال : إن كان في وقتٍ فليُعِد صلاتَه ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده)[9] .
ومنها : صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (أنَّه سأل الصَّادق عليه السلام عن رجل أعمى صلَّى على غير القِبلة ، فقال : إن كان في وقتٍ فَلْيُعِد ، وإن كان قد مضى فلا يُعِد ، قال : وسألتُه عن رجلِ صلَّى وهي مغيمة ، ثمَّ تجلت فعلم أنَّه صلَّى على غير القِبلة ، فقال : إن كان في وقت فَلْيُعِد وإن كان الوقت قد مضى فلا يعيد )[10] .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : الأعمى إذا صلَّى لغير القِبلة فإن كان في وقت فَلْيُعِد ، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعيد )[11] ، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ في طريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائني ، وهو ضعيف .