الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/05/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القبلة
ويعضدها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : لا صلاة إلَّا إلى القِبلة ، قال : قلتُ : أين حدّ القِبلة ؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه)[1] .
وذكر المشرق والمغرب في هذه الأخبار بناءً على قِبلة العراقي ، فذكرهما إنَّما جرى مجرى التمثيل .
ولكن عن المقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية والمراسم والوسيلة والغنية والسَّرائر : إطلاق وجوب الإعادة في الوقت إذا صلَّى لغير القِبلة باجتهاده ، بل عن الخِلاف الإجماع عليه .
بل عن السَّرائر نفي الخِلاف ، بل فيه أيضاً : (إنِّي لم أظفر بقائل صريحاً بعدم الإعادة قبل الفاضلين)[2] .
ولعل مرادهم من الصَّلاة إلى غير القِبلة : ما لم يكن في ما بين المشرق والمغرب .
بل حُكي عن بعضهم التصريح بذلك كظاهر المصباح ، وذلك لما اشتهر في الأخبار ، وكلام الأصحاب من أنَّ ما بين المشرق والمغرب قِبلة .
وبالجملة ، فحَمْل كلامهم على ظاهره بعيد غاية البُعد .
ثمَّ إنَّه على فَرْض حمل كلامهم على ظاهره لبعض الرِّوايات ، كصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا صلَّيت وأنت على غير القِبلة ، واستبان لك أنَّك صلَّيت وأنت على غير القِبلة ، وأنت في وقت ، فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تُعِد)[3] .
وصحيحة يعقوب بن يقطين (قال : سألت عبداً صالحاً عن رجلٍ صلَّى في يوم سحاب على غير القِبلة ، فإن كان قد تحرَّى القِبلة بجهده أتجزيه صلاته ؟ فقال : يعيد ما كان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه )[4] .
وهذه الرِّوايات دلت على وجوب الإعادة في الوقت متى ظهر أنّه صلَّى على غير القِبلة .
وإطلاقها شامل لِمَا لو كانت صلاته في ما بين المشرق والمغرب ، لصِدق أنَّه إلى غير القِبلة ، إلَّا أنَّ الأعلام قيَّدوا هذه الأخبار بحَمْلها على غير ما بين المشرق والمغرب ، وذلك للرِّوايات المتقدِّمة المصحِّحة للصَّلاة إذا كان الانحراف فيما بين المشرق والمغرب .
وأشكل على هذا التقييد صاحب الحدائق رحمه الله قال : (ولقائلٍ أن يقول : إنَّ بين أخبار الطرفين عموماً وخصوصاً من وجه ، فكما أنَّ هذه الأخبار عامَّة بالنسبة إلى الصَّلاة إلى غير القِبلة إلَّا أنَّها مفصِّلة بالنسبة إلى الوقت وخارجه ، وتلك الأخبار مطلقة بالنسبة للوقت وخارجه ، وخاصَّةً بالنسبة إلى القِبلة التي حصل فيها الانحراف ، وهي ما بين المشرق والمغرب ، فكما يمكن ارتكاب التخصيص المذكور الذي بنى عليه الاستدلال بالأخبار في الموضعين كذلك يمكن تخصيص تلك الأخبار بالصلاة في خارج الوقت كما فصّلته هذه الأخبار ، وإبقاؤها على إطلاقها بالنسبة إلى القبلة ، فيقال : بوجوب الإعادة في الوقت متى صلَّى إلى غير القِبلة بأيِّ نحوٍ كان ، وإن كان في ما بين المشرق والمغرب ... )[5] .
والحاصل : أنَّ صاحب الحدائق رحمه الله رجَّح القول بالإعادة في الوقت .
أقول : بناءً على كون النسبة بين الطائفتَيْن عموماً وخصوصاً من وجه فيتعارضان في مورد الاجتماع ، وهو الانحارف إلى ما بين اليمين واليسار ، مع كون الانكشاف في الوقت ، فمقتضى الطائفة الأُولى عدم وجوب الإعادة .
ومقتضى الطَّائفة الثانية وجوبها ، وبعد التساقط يرجع إلى عموم اعتبار الاستقبال فتجب الإعادة حينئذٍ.