الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/04/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القبلة
العَلَامة الثانية : جعل بنات نعش - وبنات نعش سبعة كواكب أربعة نعش وثلاثة بنات - حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى .
والمراد بغيبوبتها غاية انحطاطها إلى جهة المغرب ، كما عن جماعة التصريح به .
لكن عن فوائد القواعد والمقاصد العلية : أنّ المراد بغيبوبتها ميلها عند دائرة نصف النّهار لا الغيبوبة المتعارفة ، وهو نهابة انحطاطها ، وخفاؤها على تقديره ، لأنّها حينئذٍ تميل عن قبل الشّامي ، وعن مسامتة الأذن ، كما لا يخفى ، والذي يُراد جعله خلف الأذن اليمنى إمّا الموضع الذي تدنو فيه من الغروب ، أو وسطها تقريباً .
العَلَامة الثالثة : وضع سُهَيل عند طلوعه بين العينين ، وجعل مغيبه على العين اليمنى ، والمتبادر من الطّلوع أوّل ما يبدو ، ويُرى في الأرض المستوية من الشّام .
ولكن عن الحواشي المنسوبة إلى المصنّف رحمه الله : أنّ المراد به الانتهاء في الصّعود .
وفيه - مع أنّه لا قرينة على إرادة ذلك من الطلوع - : أنّه لا يوافق ما قيل من أنّه إذا طلع يكون منحرفاً عن نقطة الجنوب إلى جانب المشرق ، وكلّها أخذ في الإرتفاع مال إلى المغرب ، فيكون مغرباً عن قِبلة الشامي .
وأمَّا جعل مغيبه على العين اليمنى فقد يُشكل ذلك بأنّه إن أُريد به المعنى المعتبر في غيبوبة بنات نعش خالف غيره من العلامات ، لأنّ جعله حينئذٍ على العين اليمنى يوجب استقبال نقطة الجنوب ، وهو لا يطابق قبلة الشامي ، لأنّها مائلة نحو المشرق ، وإنِ اعتبرت غيبوبته المقابلة لطلوعه ، وهو نهاية انحطاطه نحو المغرب وخفاؤه ، أو قربه خرج عن مسامتة العين ، خصوصاً مع مراعاة طلوعه بين العينين ، فإنّ المراد به أوّل بروزه عن الأفق في الأرض المعتدلة في بلاد الشام ليطابق سَمْت قبلتها .
اللهمّ إلّا أن يكون المراد بغيبوبته وصوله إلى دائرة نصف النهار ، لأن وقت غيبوبته إذا بلغ دائرة نصف النهار ، وحينئذٍ يكون بين كتف اليمنى ، وعلى العين اليمنى للشّامي .
قوله : (وعلامة المغرب جعل الثريا على اليمين ، والعيّوق على اليسار ، والجدي على الخد الأيسر)[1]
علامة أهل المغرب جعل الثريا - نجم سمّي بذلك لكثرة أنجمه مع صغر منظره - حال طلوعها على اليمين ، والعيّوق كذلك على اليسار ، والجدي حال استقامته ، أو مطلقاً ، كما جزم به في كشف اللثام على صفحة الخدّ الأيسر .
قيل : والمراد بالمغرب بعضهم كالحبشة والنوبة ، لا المغرب المشهور كقرطبة ورذيلة وتونس وقيروان وطرابلس ، فإنّ قبلته تقرب من نقطة المشرق ، وبعضها تميل عنه نحو الجنوب يسيراً ، وسنذكر - إن شاء الله تعالى - الضابطة الصحيحة لكلّ البلدان .
قوله : (وعلامة اليمين جعل الجَدْي طالعاً بين العينين ، وسُهَيل غائباً بين الكتفين ، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى)
المعروف أنّ علامة اليمين جعل الجَدْي وقت ارتفاعه ، أي وصوله إلى دائرة نصف النهار بين العينين ، وسُهَيل وقت غيبوبته التي تحصل عند بلوغه نصف النّهار في الارتفاع بين الكتفين ، ومهبّ الجنوب - أي ريح الجنوب - على مرجع الكتف - أي أسفله - اليمنى .
وفي اللمعة : أنّ اليمين مقابل الشّام ، ولازم هذه المقابلة أنّ أهل اليمين يجعلون سُهَيلاً بين الكتفين ، مقابل جعل الشّامي له بين العينين ، وأنّهم يجعلون الجدي محاذياً لأذانهم اليمنى ، بحيث يكون مقابلاً للمنكب الأيسر ، فإنّ مقابله يكون إلى مقدّم الأيمن .
وما ذكَره رحمه الله مخالِف لِمَا عرفت ممَّا صرَّح به غير واحد من الأعلام ، وهو يقتضي مقابلته العراقي في الجملة لا الشامي ؛ ولكن في الروضة : أنّ التحقيق أنّ المقابل للشّام من اليمين هو صنعاء ، وما ناسبها ، وهي لا تناسب شيئاً من هذه العلامات ، وإنّما المناسب لها عدن وما ولاها ، فتدبر .
قوله : (وما بين هذه البلدان قد ذكرنا علامتها في الذكرى)
كما أنّه ذكرها كثير من الأعلام ، ولسنا بحاجة لذكرها وتِعدادها ، لأنّ ما سنذكره من الضابطة يصلح بياناً لكلّ البلدان ، وهذه الضابطة مستفادة من المهارة في علم الهيئة ، وقبل ذكر هذه الضّابطة ينبغي بيان بعض الأمور :
الأوَّل : أنّ خطّ الاستواء هو الخطّ الموهوم المرسوم بين نقطتي المشرق والمغرب والاعتداليين ، الموجب لتقسيم الكرة الأرضية إلى نصف شمالي ، ونصف نصف جنوبي .
الثاني : أنّ خطَّ الطّول المسمَّى خط نصف النَّهار هو المرسوم بين نقطتي الشِّمال والجنوب ، القاسم للأفق إلى نصف شرقي ونصف غربي ، والقاطع لخط الاستواء المزبور .
الثالث : هو أنَّ الشَّمس لمَّا كانت تدور في كلِّ يوم - الذي هو أربع وعشرون ساعة - ثلاث مائة وستين درجة موزعة على الشكل التالي : من الجنوب إلى المشرق تسعون درجة ؛ ومن الجنوب إلى المغرب : تسعون ؛ والشمال إلى المشرق : تسعون ؛ والشمال إلى المغرب : تسعون .
وعليه ، فإذا كانت تدور في كلّ يوم ثلاث مائة وستين درجة كان لكلّ ساعة خمس عشرة درجة ، ولكلّ أربع دقائق درجة .
الرابع : عرض البلد ويقصدون به مقدار بعده عن خطِّ الاستواء .
الخامس : طول البلد ، ويُراد به مقدار بعده عن جزيره (فرّو) ، ويُقال لها : هرو أيضاً ، التي هي من الجزائر الخالدة الواقعة في جانب المغرب على ساحل البحر التي كانت تعتبر عند القدماء آخر الرُّبع المسكون من الأرض ، فطول البلد عبارة عن بعدها عن منتهى العمارة من جانب الغربي ، أي جزيرة فرو .
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا ساوى طول البلد طول مكّة ، فإن كان عرضها أكثر من عرض مكة ، كالموصل ، فقبلة تلك البلد نقطة الجنوب ، وإن كان أقلّ فقبلة تلك البلد نقطة الشِّمال .
وعليه ، فهما غنيّان بذلك عن العلامات ، كالمساويين لها بالعرض دون الطول ، فإن قبلتهما نفس المشرق أو المغرب ، فإن كانت مكّة أطول ، فقِبلة تلك البلد المشرق ، وإن كانت أقصر فقبلة تلك البلد المغرب .
وأمَّا إذا زادت مكّة طولاً وعرضاً فإن سَمْت القِبلة حينئذٍ بين نقطتي المشرق والشّمال ، وإن نقصت فيهما فهو بين نقطتي الجنوب والمغرب ، وإن زادت طولاً ونقصت عرضيّاً فهو بين نقطتي الجنوب والمشرق ، وإنِ انعكس فبين نقطتي المغرب والشِّمال ، وأكثر البلدان على الانحراف .
وعليه ، ففي صورة الاختلاف مع مكّة طولاً وعرضاً فبعد تسوية الأرض ورسمه دائرة عليها ، وتقسيم الدائرة أقواساً أربعة متساوية ، بإخراج خطين متقاطعين على زوايا قوائم أربع ، أحدهما من نقطة المشرق إلى النقطة المغرب ، ويسمّى خطّ الاستواء ، والآخر من نقطة الجنوب إلى نقطة الشّمال ، ويسمّى خطّ نصف النّهار ، وبخطّ الطّول أيضاً .
ثمّ تقسيم كلّ من تلك الأقواس الأربعة إلى تسعين قِسماً متساوية يسمّى كلّ منها درجة ليكون مجموع الدائرة ثلاثمائة وستين درجة ، وهو مدار الشّمس في اليوم - الذي هو أربع وعشرون ساعة فيكون لكلّ ساعة خمس عشرة درجة - ثمّ ينظر ، فإن زاد البلد على مكّة المشرّفة طولاً وعرضاً يحسب من نقطتي الجنوب والشمال إلى المغرب بقدر التفاوت بين الطولين ، ويُوصل بين النهايتين بخط ، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الجنوب بقدر التفاوت بين العرضين ، ويُوصل بين النهايتين بخطّ ، ثم يخرج خطّ مستقيم من مركز الدائرة إلى محيطها ماراً بنقطة التقاطع بين الخطَّيْن ، فما بين تقاطع الخطّ المذكور والمحيط ، وبين نقطة الجنوب ، هو مقدار انحراف قِبلة البلد عن نقطة الجنوب إلى المغرب ، وإن نقص طولاً وعرضاً يُحسب من نقطتين الجنوب والشَّمال إلى المشرق ، ومن نقطتي المشرق والمغرب إلى الشِّمال إلى تمام العمل السابق ، فمقدار انحراف قِبلة البلد عن نقطة الشِّمال هو مقدار ما بين نقطة التقاطع ونقطة الشَِّمال ، ولا يخفى استخراج باقي الصُّورة .
وبما أنّ أكثر البلدان على الانحراف فَلْنذكر جملة من البلدان المنحرفة :
فأمَّا البلدان المنحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب : فبلاد البحرين بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة ، والإحساء بتسع درجات وثلاثين دقيقة ، والبصرة بثمان وثلاثين درجة ، والإهواز بأربعين درجة وثلاثين دقيقة .
والحلَّة باثنتي عشرة درجة ، والكوفة باثنتي عشرة درجة وإحدى وثلاثين دقيقة ، وقُم المقدَّسة بإحدى وثلاثين درجة وأربع وخمسين دقيقة ، وطوس والمشهد الرضوي المقدَّس بخمس وأربعين درجة وستّ دقائق .
وأمَّا الانحراف من الجنوب إلى المشرق : فالمدينة المشرَّفة منحرفة قبلتها عن نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة وعشرين دقيقة ، ومصر بثمان وخمسين درجة وتسع وعشرين دقيقة ، وبيت المقدس بخمس وأربعين درجة وستّ وخمسين دقيقة .
وأمَّا ما كان من الشِّمال إلى المشرق : فصنعاء بدرجة وخمس عشرة دقيقة ، وعدن بخمس درجات وخمس وخمسين دقيقة ، وهكذا .
وإنما ذكرنا بعض البلدان دون الكلّ لأجل التنبيه فقط وعدم الإطالة ، إذ مع وجود الآلات في هذه الأيام ، فيستغنى عن مشقة البحث حينئذٍ .