< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القبلة

قوله : (ويتوجّه كلّ قوم إلى ركنهم)[1]

فأهل العراق ، ومن شاركهم يتوجّهون إلى الركن العراقي ، وهو الذي فيه الحجر ، وأهل الشّام إلى الشّامي ، والمغرب إلى المغربي ، واليمن إلى اليماني .

والمراد إرادة ما بين الركنين من الركن ، لا الركن بنفسه ، ضرورة عدم وجوب ذلك ، وعدم مسامتة جميع البلدان له .

قوله : (فعلامة العراق جعل الجدي خلف منكبه الأيمن ، والمغرب على يمينه ، والمشرق على يساره ، وعين الشّمس عند الزّوال على طرف الحاجب الأيمن ممَّا يلي الأنف)

المعروف بين الأعلام أنّ أكثر العلامات المذكورة في كتب الأعلام مستخرجة من علم الهيئة ، إلّا بالنسبة لعلامة الجَدْي، فإنّها منصوصة ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى .

ومهما يكن ، فقد ذكر الأعلام لأهل العراق علامات ثلاثاً :

الأُولى : جعل المشرق على المنكب الأيسر ، والمغرب على الأيمن ، وقيَّد ذلك جماعة من الأعلام بالاعتداليَيْن ، ولعلّه لشدّة التفاوت فيهما باختلاف الفصول ، المقتضي لعدم كون العَلَامة مطلق المشرق والمغرب ، ولو كان كلّ منهما من فصل تفاوت ذلك أشد التفاوت ، وربّما أدى إلى الانحراف إلى المشرق ، أو أزيد من ذلك .

أقول : لو صحّت هذه العَلَامة لَمَا كان هناك حاجة للتقييد بالاعتداليَيْن ، بل التقييد بذلك موجب لتقليل الفائدة .

وعليه ، فالعراقي يجعل مغرب أيّ يوم شاء على يمينه ، ومشرق ذلك اليوم بعينه على يساره ، وهذا لا يقتضي الاختلاف الكثير ، بل هو عامّ في كلّ الأوقات لكلِّ المكلفين ، بخلاف قَيْد الاعتداليَيْن فإنه يقتضي أن لا تكون العَلَامة موضوعة إلّا لآحاد النّاس القادرين على استخراج خطّ الاعتدال .

وعليه ، فأي داع إلى تقييد عبارات المتقدمين بما تقل معه الفائدة ، ويعسُر ضبطه على أكثر المكلفين .

ولكن الإنصاف : أنّ هذه العَلَامة مخالفة للواقع ، إذ مقتضاها استقبال نقطة الجنوب ، مع أنّ أكثر بلاد العراق منحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب ، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى .

وأيضاً هذه العَلَامة مخالفة للعلامة الثانية الآتية ، وهي جعل الجَدْي خلف المنكب الأيمن التي تقتضي الانحراف عن نقطة الجنوب على المغرب ، وبناءً على علامة الأُولى ، وهي جعل المشرق والمغرب على اليمين واليسار ، يلزم كون الجَدْيبين الكتفين .

والخلاصة : أنّ هذه العلامة ليست بتامّة .

العلامة الثانية : جعل الجَدْيخلف المنكب الأيمن .

اِعلم أن الجَدْي- بفتح الجيم ، وسكون الدال المهملة - : نجم معروف ، قيل : ويصفّره أهل الهيئة فرقاً بينه وبين البرج ، وعن ابن إدريس & : إنكار تصفيره ، وأنّه سأل إمام اللغة في بغداد عن ذلك ، فقال : لا يصفّر .

وأمّا المنكب : فهو مجمع العضد والكتف ، كما في الصحاح والقاموس ، وأغلب الفقهاء .

إذا عرفت ذلك فيدلّ على ذلك بعض الرّوايات الواردة في المقام - وقد عرفت أنّ هذه العلامة هي العلامة الوحيدة المنصوصة في الأخبار - وكلّها ضعيفة السَّند :

منها : محمّد بن مسلم عن أحدهما قال : سألتُه عن القبلةِ ، فقال : ضعِ الجَدْيفي قَفَاك ، وصلِّ(1) ، وهي ضعيفة ، لأنّ في إسناد الشّيخ & إلى الطاطري أحمد بن عمرو بن كيسبة ، وهو غير مذكور في الرّجال ، وأمّا علي بن محمد بن الزبير القرشي فهو من المعاريف .

ومنها : مرسلة الشّيخ الصدوق & في الفقيه قال : قال رجل للصّادق × : إنّي أكون في السّفر ، ولا أهتدي إلى القبلة بالليل ، فقال : أتعرف الكوكب الذي يقال له الجَدْي؟ قلت : نعم ، قال : اجعله على يمينك ، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك[2] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : ما رواه محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره عن إسماعيل بن أبي زياد - السّكوني - عن جعفر بن محمد عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وبالنجم هم يهتدون ، قال : الجَدْي، لأنّه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البرّ والبحر[3] ، وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً ، ومثلها روايته الأخرى[4] من حيث الدّلالة ، وضعف السّند .

ثمّ إنّه لو قطعنا النظر عن ضعف السند فإنّه لا يمكن الأخذ بإطلاقها بأن تكون علامة لجميع البلدان لمخالفتها قطعاً .

وأمّا حملها على بلد السائل - أي الكوفة - باعتبار أنّ ذلك هو القدر المتيقّن منها .

ففيه : أنه يبعد جدّاً السؤال عن قبلة الكوفة التي هي من أعظم الأمصار الإسلاميّة في ذاك الوقت المشتملة على كثير من المساجد ، ومنها المسجد الأعظم ، وقد صلّى فيه الأمير × كثيراً ، وكذا الحسن والحسين ﭺ .

أضف إلى ذلك : أنّه يبعد جدّاً جهل محمد بن مسلم بالقبلة ، هذا أوَّلاً .

وثانياً : ذلك منافٍ لما ذكره علماء الهيئة - وهو الصحيح - من انحراف قبلة الكوفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب باثنتي عشرة درجة ، وإحدى وثلاثين دقيقة .

والخلاصة : أنّ هذه الرّوايات - مضافاً إلى أنّها مجملة - هي ضعيفة السّند ، ومخالفة للواقع .

العلامة الثانية : جَعْل الشَّمس على الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف عند الزّوال ، لأنّ الشَّمس قبل الزّوال تكون على دائرة نصف النّهار المتّصلة نقطي الجنوب والشّمال ، فيكون حينئذٍ مستقبلاً نقطة الجنوب بين العينين ، فإذا زالت مالت إلى طرق الحاجب الأيمن .

وفيه : أنّ هذه العَلَامة لا تنطبق إلّا على من كان قبلته العراق نقطة الجنوب ، كالموصل ونحوه ، لا أواسطه ، ضرورة أنّ الشّمس إنّما تزول عن محاذاة القطب الجنوبي ، وحينئذٍ إنّما تكون على الحاجب الأيمن لمن تكون قبلته نقطة الجنوب ، وليس هؤلاء كذلك لما عرفت من انحرافهم عنها إلى المغرب ، وإلّا لجعلوا الجَدْيبين الكتفين ، وإنّما تصير الشّمس على حاجبهم بعد الزّوال بمدّة ، والله العالم .

قوله : (وعلامة الشّام جعل الجدي طالِعاً على الكتف الأيسر ، وسُهيل طالعاً بين العينين ، وغارباً على العين اليمنى ،وبنات نعش غائبة خلف الأُذن اليمنى)

ذكر الأعلام لشّامي ثلاث علاماتٍ أيضاً :

الأُولى : وضع الجَدْي خلف الكتف اليسرى ، وربّما عبر بعضهم بالمنكب ، والأول أولى ، لأنّ انحراف الشّامي نحو المشرق أقل من الجَدْي العراقي المتوسط نحو المغرب .

وتوضيحه : أنّ الشّامي ينقص عنه درجتان من تسعين درجة ممّا بين الجنوب والمشرق أو المغرب ، وذلك لأنّ بين نقطة الجنوب والمشرق تسعين درجةً ، وبينها وبين نقطة المغرب تسعين درجةً أيضاً ، وانحراف الشّامي نحو المشرق أحد وثلاثون درجة من التسعين ، وانحراف العراقي نحو المغرب ثلاثة وثلاثون درجة ، فينقص الشّامي عن العراقي درجتين ، لأنّ الكتف أقرب إلى ما بين الكتفين من المنكب فيتفاوت بهما الانحراف .

العَلَامة الثانية : جعل بناء نعش - وبناء نعش سبعة كواكب أربعة نعش وثلاثة بنات - حال غيبوبتها خف الأذن اليمنى


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo