< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القبلة

 

ولكن يبدو أنّ عبارة الشّيخ المفيد رحمه الله في المقنعة لا يظهر منها أنّه يقول بذلك ، فإنّه قال - على ما حُكي عنه - : القبلة هي الكعبة ، ثمَّ المسجد قبلة من نأى عنها ، لأنّ التوجّه إليه توجه إليها[1] .

ثمَّ قال - بعد أسطر - : ومَنْ كان نائياً عنها خارجاً من المسجد الحرام توجّه إليها بالتوجّه إليه .

ولا يوجد في عبارته ذكر الحرم ، بل هو إلى القول بأنَّ الكعبة هي القبلة عيناً أو جهةً أقرب من ذلك قطعاً ، ضرورة اتّحاد جهة الكعبة والمسجد للبعيد .

ثمّ إنّه قدِ استُدل للقول الأوَّل : بأنَّ القبلة هي الكعبة عيناً للمتمكّن من مشاهدتها ، وجهةً لغيره كالبعيد ونحوه ، بالنصوص المستفيضة ، بل في الجواهر والذي حضرني منها خمسة عشر خبراً ، فلا بأس بدعوى تواترها ، بل عرفت أنّ ذلك من الضّروريات الذي تلقن بها الأموات وتكرّره الأحياء في كلّ يوم ، بل يعرفه الخارج عن الإسلام ، كاليهود والنصارى ، فضلاً عنهم ...[2] .

أقول : من جملة الأخبار الواردة في المقام صحيحة عبد الله بن سنان عن الصّادق عليه السلام أنّه قال : إنّ لله -عزّوجل- حرمات ثلاثاً ، ليس مثلهن شيء : كتابه وهو حكمة ونور ، وبيته الذي جعله قبلةً للنّاس لا يقبل من أحد توجّهاً إلى غيره ، وعترة نبيكم (صلى الله عليه وآله) [3] ، وهي ظاهرة جدّاً في كون القِبلة هي الكعبة عيناً أو جهةً .

ومنها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألتُه هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي إلى بيت المقدس ؟ قال : نعم ، فقلت : أكان يجعل الكعبة خلف ظهره ؟ فقال : أمّا إذا كان بمكة فلا ، وأمّا إذا هاجر إلى المدينة فنعم ، حتّى حوّل إلى الكعبة[4] .

ومنها : رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلتُ له : متى صرف رسول الله (صلى الله عليه وآله ) إلى الكعبة ؟ قال : بعد رجوعه من بدر[5] ، ولكنّها ضعيفة ، لأنّ في إسناد الشيخ رحمه الله إلى علي بن حسن الطاطري أحمد بن عمرو بن كيسبة ، وهو مهمل .

ومنها : رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام - في حديث - قال : قلتُ له : إنّ الله أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس ، قال : نعم ، أَلَا ترى أنّ الله يقول : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلّا لنعم من يتبع الرسول ... - ثمّ قال : - إنّ بني عبد الأشهل أَتَوْهُم وهم في الصّلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم : إنّ نبيكم صرف إلى الكعبة ، فتحوّل النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلّوا صلاةً واحدةً إلى قبلتين ، فلذلك سمّي مسجدهم القبلتين[6] ، وهي ضعيفة كسابقتها بابن الكيسبة ، فإنّه مهمل .

ومنها : ما في الاحتجاج للطبرسي بإسناده عن العسكري في احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) على المشركين قال : إنّا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا وننزجر له عمّا زجرنا - إلى أن قال : - فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعنا ، ثمّ أمرنا بعبارته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها ، فأطعنا ، فلم يخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره[7] ، وهي ضعيفة ، وقد ذكرنا في بعض المناسبات أنّ كتاب الاحتجاج أغلبه مرسل إلّا ما أورده عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام فإنّه مسند وليس مرسلاً ، ولكنّ الإسناد ضعيف لجهالة أكثر من شخص .

ومنها : ما رواه الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم القمي بإسناد إلى الصّادق عليه السلام أنّ النبي (صلى الله عليه وآله ) صلّى بمكّة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة ، وبعد هجرته (صلى الله عليه وآله) صلّى بالمدينة سبعة أشهر ، ثمّ وجهه الله تعالى إلى الكعبة ، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويقولون له : أنت تابع لنا تصلّي إلى قبلتنا ، فاغتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك غمّاً شديداً ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى أفاق السّماء ، ينتظر من الله تعالى في ذلك أمراً ، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظّهر كان في مسجد بين سالم قد صلّى من الظّهر ركعتين ، فنزل عليه جبرئيل ، فأخذ بعضويه وحوله إلى الكعبة ، وأنزل عليه (قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولينك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ، فصلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة[8] .

 

أقول - بعد مراجعة تفسير علي بن إبراهيم - : فلم أجد أنّه أسند ذلك إلى الصّادق عليه السلام ، بل ما ذكرناه موجود باختلاف يسير بعد الآية الشريفة سيقول السفهاء من النّاس ... ، وما ذكره بعد الآية الشريفة فالظّاهر أنّه منه حيث لم ينسبه إلى أحد .

وعليه ، فليس هذا رواية عن الإمام عليه السلام ، وعلى فرض أنّه أخرج هذا الحديث من غير تفسيره ، أو من النسخة الأخرى منه ، كما عن المحدّث النوري صاحب المتسدرك ، حيث قال : فإنَّ لتفسيره نسختين كبيرة وصغيرة ، والله العالم[9] فإنَّ الرّواية ضعيفة بالإرسال .

نعم ، في تفسير عليّ بن إبراهيم ، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام (في قوله تعالى : (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي على الذي آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون) ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ، لمّا قدم المدينة ، وهو يصلّي نحو البيت المقدس أعجب ذلك اليهود فلمّا صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الحرام وَجِدَتِ اليهود من ذلك ، وكان صرف القبلة صلاة الظّهرين ... [10] ، ولكنّه ضعيف ، لأنّ كلّ من الرّوايات الواردة في تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبي الجراد ضعيفة لأنّ الرواي عن أبي الجارود هو كثير بن عيّاش القطّان ، وهو ضعيف .

وأمَّا القول الثاني فقدِ استدلّ له بعدّة أدلّة :

منها : الإجماع المدَّعى في الخِلاف .

وفيه : أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حجّة ، فلا يصلح للاستدلال .

مضافاً : لِمَا قاله المحقّق رحمه الله في المعتبر - في الجواب عن احتجاج الشّيخ رحمه الله في الخلاف بإجماع الفرقة - : أمَّا الإجماع فلم نتحقّقه لوجود الخِلاف من جماعة من أعيان فضلائنا ... .

ومنها : مرسلة عبد الله بن محمّد الحجّال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد قبلةً لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلةً لأهل الدنيا[11] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : مرسلة الصّدوق رحمه الله قال : قال الصّادق عليه السلام : إنّ الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا[12] ، وهي ضعيفة


[8] مستدرك الشيعة، المحدث النوري، أبواب القبلة، باب2، ذيل ح4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo