الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/04/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القبلة
(درس 34)
قوله : (يجب استقبال القبلة في الصّلاة الواجبة)[1]
يجب استقبال القبلة في الصّلاة الواجبة بلا خلاف بين المسلمين ، بل لعلَّه من ضروريات الدين .
ويدلّ عليه أيضاً الكتاب المجيد ، والسنّة النبوية الشريفة :
أمَّا الكتاب العزيز : فقوله تعالى :﴿ فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ... ﴾[2] ، بضميمة ما ورد في تفسيرها من الرّوايات الكثيرة ، منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنّه قال له : استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتُفْسِد صلاتك ، فإنّ الله عزّوجل يقول لنبيه في الفريضة : (فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره) ، وقم منتصباً فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : مَنْ لم يقم صلبه في صلاته فلا صلاة له ، واخشع ببصرك لله عزوجل ، ولا ترفعه إلى السّماء ، وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك )[3] ، وكذا غيرها من الرّوايات .
وفيه : أنّ تفسير الآية الشّريفة بالصّلاة الواجبة يرجع إلى الأخذ بالسّنة النبويّة الشّريفة ، ولكن لو فرضنا لا يوجد روايات في المقام فإنّ الآية الشّريفة دالّة على وجوب الاستقبال في الفرائض بالإطلاق ، وهو كافٍ في المقام ، هذا بالنسبة للاستدلال بالكتاب المجيد .
وأمَّا الاستدلال بالسّنة النبويّة الشّريفة هناك أيضاً كثير من الرّوايات الشّريفة :
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام(أنّه قال : لا صلاة إلّا إلى القبلة ، قال : قلتُ أين حدّ القبلة ؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه ، قال : قلت : فمَنْ صلَّى لغير القبلة ، أو يوم غيم في غير الوقت ؟ قال : يعيد)[4] .
ومنها : صحيحته الثانية(قال : قال أبو جعفر عليه السلام : لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة : الطّهور ، الوقت ، والقبلة ، والرّكوع ، والسّجود )[5] ، وكذا غيرها من الرّوايات .
ثمّ إنّه لا فرق في الفرائض بين اليوميّة وغيرها وبين الأدائيّة والقضائيّة والسفريّة والحضريّة ، كل ذلك للإطلاق في الروايات ، هذا كلّه في الصّلاة الواجبة .
وأمَّا النافلة : فهل يشترط فيها الاستقبال حال الاستقرار أم لا ؟ فالمشهور بين الأعلام هو الاشتراط ، وفي غاية المراد : نسبته إلى الأكثر .
وبالمقابل حُكي عن جماعة من الأعلام جواز فِعْلها لغير القبلة اختياراً مطلقاً ، حكاه في الجواهر عن ابن حمزة رحمه الله والفاضل رحمه الله في الإرشاد ، وعن التلخيص وأبي العباس في المهذّب وعن الموجز وكشف الالتباس ومجمع البرهان - إلى أن قال : - بل في مكان المصلّي من الذكرى نسبته إلى كثير ... ) ، وهو أيضا ظاهر المصنّف رحمه الله هنا وفي الذكرى ، والمحقّق رحمه الله في الشّرائع ، وصريح المحقّق الهمداني رحمه الله في مصباحه .
وَلْنبدأ أوّلاً بأدّلة مَنْ ذهب إلى اشتراط الاستقبال ، وقدِ استدلّ بعدَّة أدلّة :
منها : ارتكاز المتشرّعة ، قال السّيد محسن الحكيم رحمه الله في المستمسك :( فإنّهم يقطعون ببطلان صلاة من يستدبر القبلة ، ويصلي جالساً ، أو قائماً مستقراً ، بنحو لا يمكن ردعهم عن ذلك ، وبذلك يفترق عن سائر المرتكزات المستندة إلى السّماع من أهل الفتوى التي لا مجال للاعتماد عليهم في إثباتها ... )[6] .
وفيه : أنّه لا فرق بين هذا المرتكز وسائر المرتكزات ، وكون المرتكز في أذهانهم هو الاستقبال في النافلة حال الاستقرار لا يكشف عن عدم شرعيّة غيرها ، وعدم معهوديّته لديهم يمكن أن يكون ناشئاً من أفضليّة الاستقبال وسهولته وندرة الحاجة إلى التخلّي عنه لدى الاستقرار .
وبالجملة ، هذا الدليل غير تام .
ومنها : أنّ العبادات توقيفيّة ، قال رحمه الله في المدارك :(لأنّ العبادات متلقاة من الشّارع ولم ينقل
فعل النافلة إلى غير القبلة مع الاستقرار ، فيكون فِعْلها كذلك تشريعاً محرماً)[7] .
وفيه : ما ذكرناه في مبحث الأقل والأكثر الارتباطيين من جريان أصل البراءة عن الأصل .
وعليه ، فإذا شُكّ في اشتراط الاستقبال في النافلة فالأصل عدم الاشتراط ، فلا معنى حينئذٍ للقول بتوقيفيّة العبادات ، فهذا الدليل أيضاً غير تام .
ومنها : النبوي (صلّوا كما رأيتموني أُصلّي ) بناءً على شموله للفرض والنفل .
وفيه - مع قطع النظر عن دعوى انصرافه إلى خصوص الصّلاة الواجبة - : أنّه نبويّ ضعيف لم يرد من طرقنا أصلاً .
ومنها : صيحة زرارة المتقدّمة (لا تُعاد الصّلاة إلّا من خمسة ...) ، والتي منها القبلة ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الفريضة والنافلة .
وفيه : أنّ الصحيحة ليست واردة في مقام التشريع ليكون لها إطلاق يقتضي اشتراط الاستقبال للفريضة والنافلة ، بل هي في مقام إعادة الصّلاة للإخلال بأحد هذه الخمسة المعتبرة في الصّلاة .
وأمّا أنّ الصّلاة المعتبر فيها هذه الأمور ، والتي منها الاستقبال ، هل هي الواجبة النافلة أم الواجبة فقط فليست الصّحيحة واردة لبيان ذلك .
ومنها : أنّ القاعدة تقتضي مشاركة الفريضة والنافلة في جميع الأجزاء والشرائط ، عدا ما دلّ دليل خاصّ على اختصاصه بشيءٍ منهما .
والإنصاف : أنّ هذا الدليل قويّ لأنّ حقيقة الصّلاة واحدة ، فما يعتبر في الفريضة يعتبر في النافلة ، إلّا ما دلّ الدليل على افتراق إحداهما عن الأخرى في بعض الأمور ، مثلاً دلّ الدليل على جواز الإتيان بالنافلة من جلوس اختياراً بخلاف الفريضة ، ودلّ الدليل أيضاً على جواز الإتيان بالنافلة بدون الاستقبال إذا لم يكن مستقراً ، سواء أكان في حال السّفر أو الحضر ، راكباً كان المصلّي أم ماشياً ، بخلاف الفريضة فإنّه لا يجوز ذلك في حال الاختيار ، وهكذا غيرهما .
وأمّا مع عدم الدليل على اختصاص إحداهما بشيء فالقاعدة تقتضي الاشتراك .
ومن هنا لا يشكّ أحد في شرطيّة الطهارة الحدثيّة في النافلة ، وكذا مانعيّة النجاسة ، ولبس ما لا يُؤكل فيها ، وغيرها من الموانع ، مع أنّه لم ينصّ على ذلك في خصوص النافلة ، وما ذلك إلّا لقاعدة الاشتراك.
ومنها : صحيحة زرارة المتقدّمة أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام(قال : لا صلاة إلّا إلى القبلة ، قال : قلت : أين حدّ القبلة ؟ قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه ، قال : قلت : فمَنْ صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت ؟ قال : يعيد)[8] ، وهي مطلقة تشمل الفريضة والنافلة .
وأمّا القول بأنّها مختصّة بالفريضة لقوله عليه السلام في الذَّيْل(يعيد) إذ النافلة لا يجب إعادتها إذا كانت فاسدة .