< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السّجود ومواضعه

وقد ردّ عليه صاحب الحدائق رحمه الله ، بل أغلظ عليه القول ، حيث قال : (فهو من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي لبيت العنكبوت - وإنّه لأوهن البيوت - مضاهية ، فإنّي لا أعرف لعدم ثبوت التحريم وجهاً إلّا ما صرّح به في غير موضع من كتابه ، ونقلناه عنه في غير موضع ممّا تقدّم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب ، وكذا النهي غير دالّ على التحريم ، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام ممّا تقدّم ، وأنّه موجوب لخروج قائله من الدّين من حيث لا يشعر) .

أقول : يحتمل أنّ نفيه للتحريم لا لأجل ذلك ، بل لأنّ الاستقامة أعمّ من الجواز ، لإطلاقها على المندوب أيضاً ، ونفيها حينئذٍ قد يكون لنفي المندوب ، لا الجواز ، فلا تدلّ على المنع حتّى تفيد التحريم ، إلّا أنّه لا يخفى أنّ هذا الاحتمال ، وإن كان يفيد في عدم انحصار الوجه فيما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله إلَّا أنّه ضعيف في نفسه ، لأنّ عدم الاستقامة ظاهر في المنع عرفاً ، والله العالم .

قوله : (والظاهر اعتبار ذلك في بقية المساجد)

المشهور بين الأعلام عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد ، لا بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها ، أو انخفاضه ، ما لم يخرج به السُّجود عن مسمَّاه .

ولكنَّ المصنِّف رحمه الله هنا اعتبر ذلك في باقي المساجد ، بل ربّما استظهره بعضهم من نهاية الأحكام أيضاً ، بل اختاره في المحكي عن الجعفريّة وشرحييها ، والميسيّة والمقاصد العليّة ، قال صاحب الجواهر رحمه الله : (ولا ريب في أنّه أحوط) .

وقد يُستدلّ للمشهور بإطلاق الأدلّة ، إلَّا إذا خرج به عن مسمَّى الساجد ، أو شكّ في الصِّدق معه ، ولو فرض عدم وجود الدليل ، أو إجماله فإنَّ الأصل يقتضي عدم الاعتبار .

هذا ، وقد يستدلّ لما ذهب إليه المصنِّف رحمه الله هنا بحسنة عبد الله بن سنان المتقدِّمة التي هي الأصل في التحديد بالّلَبِنة ، نظراً إلى أنَّ موضع البدن حال السّجود إنَّما هو مواضع المساجد ، فيُعتبر مقتضى ظاهر الحسنة أنْ لا تكون الجبهة أرفع من شيءٍ منها بأكثر من الّلَبِنة .

وفيه أوَّلاً : أنّ الظَّاهر من موضع البدن المذكور في الحسنة هو المقام والموقف الذي هو محلّ البدن عند القيام والجلوس ، فلا يشمل موضع اليدين والركبتين .

وثانياً : مع قطع النظر عن ذلك ، بأنْ قلنا : إنّ المراد من موضع البدن هو المساجد الستّة، فغاية ما يفهم من الحسنة باعتبار عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع بدنه ، أي عن مجموع ما يقع عليه مساجده ، وهي المساجد الستّة على نحو العموم المجموعي، فارتفاع موضع الجبهة عن موضع بدنه لا يكون إلّا بارتفاعه عن مجموع المواضع الستة التي يستقرّ عليها بدنه ، لا عن كلّ موضع منها ، فإنّ كلّاً منها بعض من موضع البدن ، فالمرتفع عن بعض دون بعض خارج عن مفهوم الحسنة ، حتى بالنسبة إلى المرتفع عن محلّ الرّجلين خاصّة ، فلا يُفهم من الحسنة حينئذٍ المنع عمّا لو ساوى موضع جبهته ركبتيه ، وكان موقفه أخفض منه بأكثر من لَبِنة .

والخُلاصة : أنَّ القول باعتباره في بقيّة المساجد ضعيف ، وإن كان هو أحوط استحباباً .

ثمَّ إنَّ المفهوم من حسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة إنّما هو إرادة المساواة بين موضع جبهته وموقفه حال السجود ، فلو كان موقفه حال القيام أسفل من موضع الجبهة بأكثر من لبنة ، أو أعلى كذلك ، ثمَّ انتقل حين السجود إلى موضع يساوي موضع جبهته ، صحَّ بلا إشكال ، والله العالم بحقائق أحكامه .

قوله : (ويكره نفخ موضع السّجود)

كما هو المعروف بين الأعلام ، وفي المنتهى : (ذهب إليه علماؤنا ... ) .

أقول : يدلّ عليه جملة من الأعلام :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : الرّجل ينفخ في الصّلاة موضع جبهته ؟ فقال : لا)[1] ، وهي وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني بجهالة محمّد بن إسماعيل النيشابوري البندقي ، وكذا بطريق الشّيخ رحمه الله بإسناده عن محمّد عن الفضل ، ولكنّها صحيحة بالطريق الثاني للشّيخ رحمه الله ، حيث يرويها بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن الفضل .

ومنها : حديث المناهي (قال : ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب ، وأن ينفخ في موضع السُّجود )[2] .

ولكنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ حديث المناهي ضعيف .

ومنها : رواية الحسين بن مصعب (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يُكره النفخ في الرقّيّ والطعام ، وموضع السُّجود)[3] ، وهي ضعيفة بجهالة أكثر من شخص ، و (الرُقي) - بالضم - : من الرُّقيّة ، وهي العُوذَة التي يرقى بها المريض ، ونحوه ، جمع رُقى .

ومنها : حديث الأربعمائة (قال : لا يتفل المؤمن في القبلة ، فإن فعل ذلك ناسياً يستغفر الله ، لا ينفخ الرّجل في موضع سجوده ، ولا ينفخ في طعامه ، ولا في شرابه ، ولا في تعويذة)[4] ، وقد عرفت أيضاً أنّ حديث الأربعمائة - والذي تكرّر في أكثر من مناسبة - أنّه ضعيفة جدّاً .

وبالمقابل فإنّ هناك جملة من الأخبار يُستفاد منها عدم الكراهة من جهة الصّلاة ، وإنّما هي من حيث استلزام إيذاء أحد من المؤمنين :

منها : صحيحة ليث المرادي (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرّجل يصلّي فينفخ في موضع جبهته ، قال : ليس به بأس ، إنّما يُكره ذلك أن يؤذي مَنْ إلى جانبه)[5] .

ومنها : مرسلة الشّيخ الصّدوق رحمه الله في الفقيه (قال : ورُوي عن الصّادق عليه السلام أنّه قال : إنّما يُكره ذلك خشية أن يؤذي مَنْ إلى جانبه)[6] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لا بأس بالنفخ في الصّلاة في موضع السُّجود ، ما لم يؤذي أحداً)[7] ، وهي ضعيفة لاشتراك أبي إسحاق الوارد في السّند بين عدّة أشخاص فيهم الثقة وغيره ، ولا منافاة بين الأخبار ، إذ يمكن القول بأنّه مكروه من جهة الصّلاة مع الالتزام بالكراهيّة الشديدة ، باعتبار الإيذاء ، وأمّا نفي البأس في باقي الأخبار فيُحمل على أصل الجواز ، وهو غير منافٍ للكراهة ، والله العالم .

قوله : (ولو خاف في الظلمة من أذى الهوام ، وليس معه إلا الثوب ، جاز السجود عليه)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لو كان في ظلمة وخاف من السّجود على الأرض حيّةً أو عقرباً ، أو مؤذياً ، ولم يكن عنده شيء يسجد عليه ، غير الثوب جاز السّجود عليه للرّواية ، ولوجوب التحرّز من الضرر المظنون كالمعلوم ... ) .

أقول : أمّا الرّواية التي أشار إليها فهي ما في الفِقه الرَّضوي : (وإن كانت الأرض حارّة تخاف على جبهتك أن تُحرق ، أو كانت ليلة مظلمة خِفت عقرباً أو حيةً أو شوكةً ، أو شيئاً يُؤذيك ، فلا بأس أن تسجد على كُمِّك إذا كان من قطن ، أو كتان)[8] ، وذكر مثلها الشَّيخ الصدوق رحمه الله في المقنع .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo