< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السّجود ومواضعه

 

وكما قوله تعالى : ﴿ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّناً [1] ، فإن إكراه الفتيات على البغاء منوط عقلاً بإرادتهن التعفّف فإذا انتفى الشّرط - وهو إرادتهن التعفّف - انتفى الجزاء عقلاً ، إذ لا معنى لثبوت الجزاء ، وهو إكراههن على البغاء مع انتفاء إرادتهن للتعفّف .

وأمّا إذا كان ترتّب الجزاء على الشّرط ترتّباً شرعيّاً فهنا يكون لها مفهوم مع باقي شرائط المفهوم المذكورة في محلّها ، كما في قولك : إِنْ جَاءَكَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْه ، فلها مفهوم ، وهو إِنْ لَمْ يَأْتِكَ زَيْدٌ فَلَاْ تُكْرِمْه ، حيث لا يتوقف الإكرام عقلاً على مجيء زيد .

ومسألتنا من هذا القبيل ، فإنّ مفهوم قوله عليه السلام في الحسنة : (إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس)[2] هو إذا لم يكن موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة ، بأن كان مرتفعاً أكثر من ذلك ففيه بأس ، فالترتّب هنا شرعيّ وليس بعقليّ .

والخلاصة : أنّه لا إشكال في الاستدلال على ما ذهب إليه المشهور بهذه الحسنة ، وكلّ الإشكالات الواردة غير تامّة .

وبهذه الحسنة يرفع اليد عن ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن موضع جبهة السّاجد ، أيكون أرفع من مقامه ؟ فقال : لا ، وَلْيكن مستوياً)[3] ، فتحمل حينئذٍ على الاستحباب ، أو الاستواء العرفي المقابل للارتفاع المعتد به الذي هو أزيد من لبنة ، بل لا يبعد أن يُدّعى أنّ المتبادر من الأمر بالاستواء ليس إلّا الاستواء العرفي الذي لا ينافيه الارتفاع اليسير الذي هو مقدار لبنة فما دون ، لتعسّر إحراز الاستواء الحقيقي .

ولكن لا يخفى أنّ هذا إن تمّ فإنّما يتمّ في الارتفاع التدريجي ، لا الدفعي .

وبهذه الحسنة أيضاً يحمل صحيح أبي بصير على الارتفاع دون اللَبِنة (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجلِ يرفعُ موضعَ جبهتِه في المسجد ، فقال : إنّي أحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه)[4] .

ثمّ إنّ حسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة كما تدلّ على جواز الارتفاع بقدر لَبِنة كذلك تدلّ على المنع عمّا زاد عليها .

هذا ، وقد استدلّ بعضهم على المنع عن العلوّ بأزيد من لَبِنة بمنع اسم السّجود عرفاً على السّجود على المرتفع بأكثر من لَبِنة .

وفيه : ما لا يخفى ، إذ لا إشكال في صدق اسم السّجود على السّجود على المرتفع بأكثر من لَبِنة بشيءٍ يسير ، ومنع ذلك مكابرة ، لا سيّما في التدريجي ، والله العالم بحقائق أحكامه .

قوله : (وفي رواية عمار مساواة النزول العلو فلا يجوز أن يكون موضع الجبهة أخفض من الموقف بما يزيد عن لبنة)

في المدارك : (وألحق الشّهيدُ رحمه الله بالارتفاعِ الانخفاضَ ، وهو حسن ... ) ، وفي الحدائق : (ظاهرُ كلامِ المتقدّمين في هذه المسألة جواز المساواةِ ، وانخفاض موضع السّجود مطلقاً ، وارتفاعه بقدر اللَبِنة ، وألحق الشَّهيدان بالارتفاع الانخفاض فقيَّداه بقدر اللَبِنة ، ومنعا من الزّيادة على ذلك) ، وفي المحكيّ عن التذكرة (لو كان أخفض جاز إجماعاً ... ) ، كما أنّ المحكي عن الأردبيلي وبعض مَنْ تأخّر عنه جواز انخفاض موضع السّجود مطلقاً ، بل نسب إلى الأكثر ، بل إلى ظاهر من تقدّم على المصنّف رحمه الله ، لاقتصارهم على التعرض للارتفاع .

اللهمَّ إلّا أن يُقال : إنّه يمكن إرادة المثال من العلوّ في عبارات الأكثر، وإلّا فالمقصود التفاوات بين الموقف ومحلّ السّجود .

ومهما يكن ، فيدلّ على ما ذكره المصنّف رحمه الله من عدم جواز الانخفاض بما يزيد عن اللبنة موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (سألتُه عن المريض أيحلّ له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض ؟ فقال عليه السلام : إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة ، أو أقلّ ، استقام له أن يقوم عليه ، ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا)[5] ، والآجرة هي اللبنة ، ولا فرق بينهما ، إلّا من حيث الطبخ وعدمه .

ولا يعارضها رواية محمّد بن عبد الله عن الرّضا عليه السلام - في حديث - (أنّه سأله عمّن يصلّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ؟ فقال : إذا كان وحده فلا بأس)[6] .

وفيها أوَّلاً : أنّها ضعيفة ، فإنّ محمد بن عبد الله الواقع في السَّند مشترك بين جماعة أكثرهم مجهول الحال .

وأمَّا القول : بأنَّ الرَّاوي عن محمَّد بن عبد الله هو صفوان بن يحيى ، وقد قال الشّيخ الطوسي رحمه الله في العدّة في حقّه وحقّ ابن أبي عمير والبزنطي (أنّهم لا يرون ولا يرسلون إلّا عن ثقة) .

ففيه : ما ذكرناه في علم الرّجال من أنّ هذه الدعوة لم تثبت ، وهي اجتهاد من الشيخ رحمه الله نفسه ، ولا حجّة فيها على الآخرين .

وثانياً - مع قطع النظر عن ضعف السند - : فهي مطلقة في قدر اللَبِنة ، وأزيد كما هو ظاهر المتقدّمين ، إلّا أنّه يجب تقييدها بالموثّقة المذكورة .

هذا ، وذكر صاحب الجواهر رحمه الله : (أنّه لا يظهر فائدة يعتد بها للتقييد بالوحدة)[7] ، وفي مصباح الفقيه : (مع أنّ فيه من التفصيل بين المنفرد وغيره ممَّا لم ينقل القول به عن أحد ، فالأَولى ردّ علمه إلى أهله) .

أقول : لعلّ التقييد في الرّواية بالوحدة لأجل الفرار عن كون مسجد المأموم أخفض من مسجد الإمام ، كما يشهد لذلك صدر الرّواية .

هذا ، وقد ذهب السّبزواري رحمه الله في الذخيرة إلى أنّ الموثّقة غير ناهضة بالتحريم .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo