الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/03/30
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : في السّجود ومواضعه
حيث قال عليه السلام له : (يا حمَّاد ! لا تُحْسن أن تصليّ ! ما أقبح بالرّجل منكم يأتي عليه ستّون سنة ، أو سبعون ، فما يقيم صلاةً واحدةً بحدودها تامَّةً ... )[1] ، أي : بحدودها من حيث المستحبات .
وعليه ، فيُحمل فِعْل الإمام عليه السلام على كونه أفضل أفراد الصّلاة .
أضف إلى ذلك : أنَّ لفظ عيني الركبتين ساقط من نسخة التهذيب ، وإنّما هو موجود في نسخة الفقيه .
وأمَّا الإبهامان : فالمعروف بين الأعلام الاجتزاء بصدق السُّجود على الإبهامين ، للإطلاق ، كما في صحيحة زرارة (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : السُّجود على سبعة أعظم ، الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من الرجلين ، تُرِغِم بأنفك إرغاماً ، أمَّا الفرض فهذه السبعة ، وأمَّا الأرغم بالأنف فسنّة من النبي (صلى الله عليه وآله))[2] .
ومن هنا صرح المحقِّق الثاني وصاحب المدارك رحمهما الله ، كما عن جدِّه الشَّهيد الثاني رحمه الله بعدم وجوب وضع الرؤوس والاجتزاء بأيِّ جانب منهما .
وعليه ، فما في جملة من كتب الشَّيخ رحمه الله ، والكافي ، والغنية ، من وضع الطرف من كلٍّ منهما ، أي رؤوس الأنامل ، وذلك لِمَا في صحيح حمّاد من أنه عليه السلام (سجد على أنامل إبهامي الرّجلين ... ) ، بناءً على الأنملة طرف الأصبع .
ولكنّ المعروف من الأنملة لغةً وعرفاً هي العقدة ، لا رأس الأنملة ، هذا أوّلاً .
وثانياًَ : أنّ الموجود في نسخة الكافي في ذَيْل صحيحة حمّاد ذِكر الإبهامين ، لا الأنامل .
وثالثاً - مع قطع النظر عن كلِّ ذلك - : فإنَّ صحيحة حمّاد لا تدلّ على وجوب السّجود على رؤوس الأنامل ، بل هو مستحبّ ، لِمَا عرفت في السّجود على الركبتين ، فلا حاجة للإعادة .
ومن هنا لا تصلح صحيحة حمّاد لتقييد الإطلاقات ، فيصحّ السّجود على مطلق الإبهامين ، سواء باطنهما وظاهرهما ، ورؤوس أناملهما ، والله العالم .
قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لا يجوز أن يكون موضع سجوده أرفع من موقف بما يزيد عن لبنة ، قال الأصحاب ... ) ، وقال المحقق في المعتبر : (لا يجوز أن يكون موضع السّجود أعلى من موقف المصلّي بما يعتدّ به مع الاختيار ، وعليه علماؤنا) ، وقال المحقّق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد : (لا بدّ أن يكون موضع جبهته مساوياً لموقفه ، أو زائداً عليه بمقدار لَبِنة موضوعة على أكبر سطوحها ، لا أزيد عند جميع أصحابنا ... ) .
وفي المدارك : ( اللَبِنة - بفتح اللام وكسر الباء ، أو بكسر اللام وسكون الباء - والمراد بها : المعتادة في زمن صاحب الشَّرع عليه السَّلام ، وقُدِّرت بأربع أصابع مضمومة تقريباًَ ، والحكم بعدم جواز ارتفاع موضع السّجود عن الموقف بما يزيد عن اللَبِنة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ... ) .
وفي المقابل منع صاحب المدارك من العلوّ مطلقاً حتّى بمقدار اللَبِنة ، وحُكِي عن ابن الجنيد رحمه الله أنّه خصَّص جواز مقدار اللَبِنة في العلوّ بصّورة الاضطرار .
أقول : قدِ استدل المشهور بحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن السّجود على الأرض المرتفع ، فقال : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لَبِنة فلا بأس )[3] .
هذا ، وقد استُشكل على هذه الرّواية بعدَّةِ إشكالاتٍ :
الأوَّل : أنّها ضعيفة ، كما عن المدارك ، لأنّ من جملة رجالها النهدي ، وهو مشترك بين جماعة ، منهم مَنْ لم يثبت توثيقه .
وفيه : أن الظاهر من إطلاق النهدي أنّه الهيثم بن أبي مسروق بقرينة رواية محمد بن محبوب عنه .
أضف إلى ذلك : أنّه المنصرف من إطلاق اللفظ ، وهذا الانصراف وإن كان خارجيّاً إلَّا أنَّه يصلح للتأييد .
وأمَّا هيثم بن أبي مسروق فقد ذكّرنا في بعض المباحث في الفِقه أنّ المدح الوارد فيه غير معتدّ به ، ولكن ظهر لنا أخيراً أنّ المدح الوارد فيه معتدّ به ، فقد مدحه النجاشي رحمه الله بقوله : (بأنّه قريب الأمر) كما أنّ الكشّي مدحه بقوله : (إنّه فاضل) .
ثمَّ إنَّ له كتاباً يرويه عنه جملة من الأجلّاء ، منهم محمّد بن عليّ بن محبوب ، وسعد بن عبد الله ، ومحمّد بن الحسن الصفار .
وعليه ، فحديثه حسن .
والذي يهوِّن الخطب : أنّ الطائفة عملت بهذه الرّواية ، ولم يوجد من ردّها إلّا صاحب المدارك رحمه الله .
الإشكال الثاني : أنّه يوجد في بعض النسخ (يديك) باليائين المثنّاتين ، بدل (بدنك) .
أقول : يكفينا في ردّ هذا الإشكال ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله ، حيث قال : (بل ظاهر استدلال الأصحاب به ، والفتوى بمضمونه ، على اختلاف طبقاتهم ونُسَخِهم ، ومنهم المتثبّت غاية التثبت ككشف اللثام ، وغيره ، يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة ، وأنّه وإن وجد في بعض الكتب فهو من النسّاخ قطعاً ، مع أنّه على تقديرها يمكن الاستدلال بالفحوى ، ضرورة أولويّة الموقف من اليدين بذلك قطعاً ... ) ، وهو جيد جدّاً .
هذا ، ويؤيِّد ما ذكرناه مرسلة الكليني (قال : وفي حديث آخر في السّجود على الأرض المرتفعة ، قال : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجلَيْك قدر لبنة فلا بأس)[4] ، وهي وإن كانت ضعيفة بالإرسال ، إلّا أنّها تصلح تأييداً للنسخة التي أوردت فيها النسخة بلفظ (بدنك ) بالنون .
الإشكال الثالث : أنّ ثبوت البأس بالزائد عن اللَبِنة في مفهوم القضيّة الشرطية أعمّ من المنع .
وفيه : أنّ المفهوم من كلمة البأس عرفاً هو المنع ، لا سيّما بملاحظة وقوعه جواباً عن السّؤال المذكور في الحسنة فإنّه ظاهر في كونه سؤالاً عن الجواز ، وعدمه ، إذ من البعيد جدّاً أن يكون السّؤال عن وجوب السّجود على الأرض المرتفعة أو استحبابه ، بل لعلّه لا يخطر في ذهن أحد .
ويؤيِّده أيضاً فهم الأصحاب وفتواهم بذلك .
الإشكال الرابع : ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله ، حيث قال : (وأمّا الشرطيّة فهي مسوقة لبيان تحقّق الموضوع ، وليس لها مفهوم ، كما لا يخفى) .
وفيه : أنّ القضيّة الشرطيّة المسوقة لتحقّق الموضوع هي ما كان الترتّب فيها بين الشّرط والجزاء ترتباً عقليّاً ، أي إناطة الشّرط بالجزاء إناطة عقليّة ، حيث تكون القضيّة الشرطيّة مسوقةً لتحقّق الموضع الذي هو الشّرط نفسه ، فهنا حتماً ينتفي الجزاء بانتفاء الشّرط عقلاً ، إذ بانتفاء الشّرط ينتفي الموضوع الذي هو نفسه ، كما في قولك : إنْ رُزِقت ولداً فاختنه ، فإنّ الجزاء متوقّف عقلاً على تحقّق الشّرط الذي هو الموضوع في المثال .