< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : في السّجود ومواضعه

 

وقد سبقه إلى ذلك المحقّق الهمداني رحمه الله ، إلّا أنّه جوَّز الرفع ، ولم يوجبه .

ثمَّ ذكر السّيد الخوئي رحمه الله أنّه يؤيّد وجوب الرفع ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري عن صابح الزمان عليه السلام (أنَّه كَتَبَ إليه يسأله عن المصلّي يكون في صلاةِ الليل في ظلمةٍ ، فإذا سجد يغلط بالسجادة ، ويضع جبهته على مسح ، أو نطع ، فإذا رفع رأسه وجد السجادة ، هل يعيد بهذه السّجدة ، أم لا يعتدّ بها ، فكتب إليه في الجواب : ما لم يستوِ جالساً فلا شيءَ عليه في رفع رأسه لطلب الخُمْرة)[1] .

قال صاحب الوسائل : ( ورواه الشّيخ في كتاب الغيبة بالإسناد الآتي )[2] .

أقول : أما ذكره السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله تبعاً للمحقّق الهمداني رحمه الله من أنّ السّجود المأمور به هو خصوص الوضع الحدوثي المتصل بالهوي .

ففيه : أنّه لا دليل عليه ، إلّا ما يُقال من أنّ المنصرف إلى الذّهن من السّجود المأمور به هو ذلك .

ولكن لا يخفى أنّ هذا الانصراف بدويّ يزول بالتأمّل ، إذ المناط في تحقّق السّجود هو وضع الجبهة على الأرض وغيرها .

وعليه ، فبالجرّ إلى مكان آخر يصحّ السّجود عليه يصدق عليه السّجود ، ولا يُشترط في مفهومه الوضع الحدوثي .

وأمَّا بالنسبة للرواية فهي وإن كانت ضعيفة في الاحتجاج للطبرسي رحمه الله بالإرسال ، إلَّا أنَّ الشَّيخ رحمه الله رواها بإسناده عن الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام ، وإسناده للحميري هكذا : (عن جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود ، قال : وجدت بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح) .

أقول : بعض أفراد الجماعة هم الواقفون في طريق الشّيخ رحمه الله في التهذيب إلى أحمد بن داود القمي والد أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود ، كالشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، والحسين بن عبيد الله ، وهما ثقتان .

وأمّا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود القميّ : فهو شيخ هذه الطائفة ، وعالمها ، وشيخ القميين في وقته حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنّه لم يرّ أحداً أحفظَ منه ، ولا أفقه ، ولا أعرف بالحديث ، كذا وصفه النجاسي .

وأمّا أحمد بن إبراهيم النوبختي : فإنّه وإن كان مجهولاً إلّا أنّ جهالته لا تضرّ لأنّ أبا الحسن محمّد بن أحمد بن داود شهد بأنّ أبا القاسم الحسين بن روح هو الذي أملاه عليه .

والخلاصة : أنّ الرّواية صحيحة .

وأمّا من حيث الدّلالة فلا تخلو من اضطراب ، إذ لم يجبه الإمام عليه السلام عن الاعتداد بهذه السّجدة وعدمه ، كما أنّه لم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالساً .

والذي يهوِّن الخطب : أنّها واردة في النافلة ، أي صلاة الليل ، وقد يُغتفر فيها ما لا يُغتفر في غيرها من الفرائض .

والخلاصة إلى هنا : أنّه يجب الجرّ .

ويؤيِّده روايتان :

الأُولى : رواية حسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر ، أو على موضعٍ مرتفع ، أحول وجهي إلى مكان مستوٍ ؟ فقال : نعم ، جُرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه)[3] .

وجه الاستشهاد بها : أنّه يُحتمل أن يكون ذلك لعدم إمكان الاعتماد على الجبهة ، ولكنّها ضعيفة بعدم وثاقة حسين بن جمال .

الثانية : رواية معاوية بن عمّار (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرّها على الأرض)[4] ، والنبكة - بالنون والباء الموحدة مفتوحتين - واحدة النبك ، وهي أكمة محدودة الرأس ، وقيل : النباك التِلال الصغار .

والاستشهاد فيها كالرواية السّابقة ، إلّا أنّها ضعيفة ، وإن عبّر عنها جماعة من الأعلام بالصحيحة ، لأنّ المراد من محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني هو البندقي النيشابوري المجهول .

ومثلهما صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن الرّجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض قال : يحرّك جبهته حتّى يتمكّن فينحّي الحصى عن جبهته ، ولا يرفع رأسه)[5] ، بل هي بناءً عليه يكون دليلاً ، لا مؤيِّداً فقط .

ولا ينافي ذلك رواية الحسين بن حماد (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الرّجل سجد على الحصى ، قال : يرفع رأسه حتّى يستمكن )[6] ، وذلك لضعفها بالمفضّل بن صالح ، وبعدم وثاقة الحسين بن حماد ، مع إمكان حملها على وضع جبهته على المرتفع عن أكثر من لبنة أو على صورة تعذّر الجرّ ، والله العالم ، هذا كلّه فيما لو أمكن الجرّ .

وأمّا لو تعذّر ، فهل يمضي في صلاته ، أو يجب أن يرفع رأسه ، ويسجد على ما يصحّ السّجود عليه ، أو أنّه لا يمضي ، ولا يرفع رأسه ، بل نحكم على الصّلاة بالبطلان .

قال الشّيخ الأنصاري رحمه الله : (لو تعذّر الجرّ لإحراز شرط المسجد ، ففي كلام بعض سادة مشايخنا أنّه لا كلام في جواز الرفع حينئذٍ ، وفيه إشكال ، لعدم الدليل على وجوب تدارك الشّرط مع لزوم زيادة السّجدة ، ولو فرض كونه شرطاً مطلقاً فاللازم الحكم بإبطال الصّلاة ، لأنّه أخلّ بشرط مطلق ، هو كالركن ، ويلزم من تداركه زيادة سجدة فهو كناسي الركوع إلى أن يسجد)[7] .

أقول : مقتضى الإنصاف هو أنّ جواز الرفع أو وجوبه مبني على أنّ أصل السّجود شرعاً لا يتحقّق إلّا إذا كان على ما يصحّ السّجود عليه .

وبناءً عليه يجب تدارك السّجود لأنّ المأتي به لس مطابقاً لموضوع الأمر ، فلا يسقط به أمره ، كما لو لم يسجد بعد ، والسّجود المأتي به لا يقدّم في صحة الصّلاة إذا كنّ سهواً .

وأمَّا إذا قلنا : بأنّ السجود يتحقّق وإن كان على ما لا يصحّ السّجود عليه ، كما هو الصحيح عندنا ، إذ قلنا : إنّ ما يصحّ السّجود عليه واجب في السّجود كالذكر والطمأنينة ، ولا ربط له بماهية السّجود ففي هذه الصّورة يمضي في صلاته كما لو رفع رأسه ، وذكر أنَّه سجد على ما لا يصحّ السّجود عليه ، وكنيسان الذكر والطأنينة ، وذلك لتعذّر التدارك حينئذٍ عليه بسبب زيادة السّجدة التي ثبت بالأدلّة إبطالها الصّلاة مع العمد.

لا يقال : إنّ السّجدة الأولى وقعت سهواً ، فلا يعتدّ بها.

فإنه يقال : إنّها وقعت عن عمد ، ضرورة عدم اندارج مثلها في السجدة السّهويّة لحصول القصد فيها ، إلّا أنّه سها عمَّا يجب حالها ، أو عمَّا يُشترط في صحتها وإن لم يدخل في اسمها ، وإلّا لوجب التدارك مع السّجود عن الطمأنينة.

وأمّا القول بالبطلان فلا دليل عليه ، بل إمّا يمضي في صلاته ، كما هو الصحيح عندنا ، أو يجب أن يرفع رأسه ويسجد ثانياً على ما يصحّ السّجود عليه كما عن الأكثر ، والله العالم ، هذا كلّه في خصوص رفع الجبهة من المساجد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo